.
تقاسيم. مقامات الهرم ٢٠١٦-٢٠١٩، أول ألبوم طويل لعمرو العلمي تحت اسم ١١٢٧، تجربة فرد عضلات تُبرز كل مواضع تميزه كمنتج ومصمم صوت. عبر الألبوم، يستعرض عمرو قدرته على ليّ الأصوات كيفما ليصل إلى ما يريد. استلهم عمرو العلمي في إصداراته التجميعية السابقة تأثيراتٍ من الجرايم والهيب هوب، كان يظهر فيها دومًا ميله نحو تصميم الصوت المحيط وولعه بأن يملأ كل مجال صوتي ممكن في الترددات المسموعة. ينال تعامله هذا مع مجالات الصوت التركيز الأكبر في هذا الألبوم: البايس حاضر دومًا، بالإضافة إلى الأصوات في المدى الأوسط والمرتفع لتتكامل معه. هناك أيضًا بيتات بأصوات ضخمة لكنها لا تكون أبدًا مركز الاهتمام. يظهر هذا الأسلوب جليًا منذ التراك الافتتاحي والتراك الثاني المُشتّت: Fragmented. Thought Train. تتنقل الأصوات وتتغير وتتحرك على طول التراكات بعشوائية، لكن هناك مبرر للفوضى، وهناك جمالٌ فيها أيضًا، حين ترتفع الموجات الخشنة للسنثات مثلاً، تتوقف وتتعثر، لتظهر فجأة نغمات تورط المستمع أكثر في التجربة. عند وصولنا التراك الثالث Renaissance، تتحول تلك النغمات إلى أصوات غناء سنثيّة Choir Pads تمنح التراك عموده الفقري، الذي يدخل في صدام مستمر مع السَب-بايس وسنيرز الإف إم الناشزة عن الإيقاع. هذا التباين والتوقيت الذي يظهر فيه هما أقوى جوانب الألبوم وأكثرها خصوصيّة.
تأتي أحسن لحظات الألبوم عندما يصل هذا التباين إلى ذروته في نهاية الوجه الأول، حيث يتواجه الموّال زيزينيا ٢ مع أكثف تراكات الألبوم Circumcision. يكاد عمرو العلمي لا يتدخل إطلاقًا في موّال شحتة ولعة في زيزينيا ٢، مكتفيًا بإضافة مسحات سنث ونوطات منقوعة في الريفرب، ليغني نسيج الصوت في الموّال دون أن يتدخل فيه. يختار عمرو أيضًا أن يترك أصوات الثرثرة الملتقطة لدى تسجيل الموّال، والتي تربط الأغنية بمكانها وزمانها، لتتداعى لاحقًا ويحل مكانها الضجيج الصناعي الذي يبدأ منه تراك Circumcision. في هذا التراك، يحصل المستمع على أطول تسلسل إيقاعي في الألبوم، حيث يبدأ بتسلسل من التشويش يذكرنا بتراك Ghosts لـ مونولايك، ولو من ناحية التأرجح الإيقاعي فقط، قبل أن تنفجر الموسيقى إلى تراك تكنو صرف. هذه أكثر نهاية مُرضية ممكنة للنصف الأول من الألبوم، وليتها استمرت أكثر.
يعكس النصف الثاني للألبوم نفس بنية النصف الأول، لكنه نادرًا ما يضاهيه بمستوى الفوضى. خلال هذا النصف، وتحديدًا في تراك Exploitation/Fallacies، يبقى التركيز منحصرًا على نسيج الأصوات وحب ١١٢٧ للتلاعب في المجال الأفقي للصوت (الستيريو)، الذي وإن كان حاضرًا طوال الألبوم، يحتل هنا الواجهة. تتبادل الأصوات مواقعها ويتسع مجالها الصوتي، حتى نرجع إلى حالة المونو تقريبًا. هذه أداة توليف ذكية يستعملها أيضًا أمثال فينيز وتيم هِكر بشكل متكرر لتطوير تراكاتهم. ينتهي كل شيء إلى Virtual Feels/Passing Twelve، التراك الأكثر محيطيةً في الألبوم. لدى الوصول إلى هذا التراك، يصبح المستمع متوقعًا لمنعطفٍ غريبٍ ما في لحظةٍ ما، لكن العلمي يعاكس التوقعات بصياغته للتراك بشكل أكثر اعتيادية. يترك التراك متدفقًا ويعطي فرصة للنغمة بأن تتنفّس بأصوات قصيرة متكررة لآلات إيقاعية، تميل باتجاه الريفرب ثم تهرب منه مجددًا. كما في نهاية النصف الأول، ستتمنى لو أن هناك أقسامًا أكثر كهذا في الألبوم.
يتكرر هذا الإحساس في عدة مواضع، حيث لا تبلغ عدة أقسام من الألبوم مداها الكامل، ما يجعل الأقسام المعتمدة على الجليتش glitch مبررةً أكثر، أو أكثر قدرةً على مفاجأة المستمع. قد يكون الموسيقي التجريبي النمساوي فينيز أقرب مرجع يمكن الإشارة إليه لدى الحديث عن ألبوم تقاسيم. مقامات الهرم، لكن الفرق الرئيسي أن فينيز يجد راحة أكبر في إفساح مجالات أبعد لتطوير الأصوات، وهذا بالضبط ما يحتاجه تقاسيم. مقامات الهرم.
تقاسيم. مقامات الهرم ألبوم قوي، مُتقن، وفريد، يترك المستمع نصف مرتوٍ ونصف ظمآن. في مقابلته مع معازف، بيّن العلمي إلى حدٍّ كبير وصفته لصناعة هذا الألبوم: الضربات الطويلة لصوت كيك الـ ٨٠٨، ريفرب، سنث الجرانولار ثم ريفرب يغلف كل شيء. إلى حدٍّ ما هذا كل ما هنالك، لكن في نفس الوقت يحمل الألبوم ما هو أكثر بكثير. ليس هناك الكثير من الألبومات المشبعة بالشخصية إلى هذا القدر، والمستحقة للاستماع بالتأكيد.