.
يعتبر السويدي أحد أقدم أحياء مدينة الرياض وأكثرها شهرة. عُرف الحي منذ زمن طويل بثقافة معينة ارتبطت بشبابه، أبرز سماتها السامري وسيارات الكراون المقطبة التي عرفوا بتحميلها أضخم أنواع السماعات ليفجر صوت الطِيران الشارع بأكمله.
مؤخرًا انتشرت مقاطع من أكبر حدائق الحي، حديقة السويدي التي تنظم مختلف أنواع الاحتفالات، وهي غارقة بسيل من الدي جايز المهتمين بالنوع الموسيقي الصاعد مؤخرًا في المشهد، والمتمثل بأداء الراب على إيقاعات خليجية تقليلية.
تركزت المقاطع الضاربة على شباب يرقصون رقصة غريبة على هذه الموسيقى، ومع صعود النوع وانتشار هذه الفيديوهات، جعلني ذلك أتساءل: كيف تحول هوس أحد أكبر أحياء الرياض من إيقاعات تركي الجازع الصاخبة إلى هذا النوع الصاعد الذي يبدو للوهلة الأولى ناعمًا مقارنة بالسامري؟ حتى تذكرت كيف بدأ كل شي.
في ٢٠١٧ وما تلاه، ظهر بين السعودية والإمارات ترند عُرف بمولع خيو؛ كان الشباب يرتدون بناطيل ضيقة ويرقصون على أغانٍ مختلفة بسرعات بين التسعين والمئة بأسلوب عُرف بالرتم. قد يكون هذا الأسلوب أول ظهور لرقصة السويدي التي نعرفها اليوم مع بعض الاختلافات.
في نفس الفترة ومع نفس الموجة انتشرت ريمكسات لأغانٍ عراقية بإيقاعات راقصة عُرف بها بعض الدي جايز، أبرزهم دي جاي إم كاي من الإمارات، لتنتشر عليها رقصة الرتم. صعد في تلك الفترة العديد من المغنين، أبرزهم عيسى المرزوق ومحمد الشحي، الذين عرفوا بصناعتهم لأغانٍ تناسب رقصات المولعين.
تواجد في نفس المرحلة العديد من الرابرز ممن يمثلون الراب التجاري في الخليج، وكانوا يؤدون كلماتهم على إيقاعات خليجية أكثر تعقيدًا من التي نراها اليوم، مثل فليبراتشي من البحرين ودافي من الكويت. ساهمت هذه الموجة في تكوين طبقة أخرى للريمكسات، فبدأ الرابرز بالغناء على إيقاعات الريمكسات البسيطة من هذا النوع بجانب مغنين ومغنيات في اللازمة، حتى تأثر البوب الخليجي بهذه الموجة؛ فأكبر أغاني بدر الشعيبي مثلًا صدرت في تلك الفترة بالتعاون مع هادي خميس الذي أدى فيرسًا في منتصف الأغنية.
استمر هذا الصوت بالصعود، وكان الظهور الأول له بشكله الحالي مع الرابر الإماراتي رادوي نهاية ٢٠١٩. تعاون رادوي مع مغنية شابة تدعى ميمي ومغنِّ أخر يدعى جاغوار بأغانٍ مثل أبيك ومشتاقلك، والتي أثارت كثيرًا من الجدل حينها بسبب ازدراء المجتمع لهذا النوع.
في بداية ٢٠٢٠ جمع دي جاي إم كاي، على إيقاع من ديي برودكشن، رابرًا يدعى إم جاي وأخرًا يدعى إم إس ليصدروا تراك وناسة. ضرب التراك بشكل خيالي على يوتيوب ليحقق أكثر من ١٣٠ مليون مشاهدة، كلمات بسيطة وقوافٍ سهلة على إيقاع لا يحمل الكثير من الحركة.
استمر إم كاي بالإنتاج التنفيذي لهذا النوع من الأغاني، حتى أدخل الرابرز إلى المشهد الذي كان منفصلًا عنهم حينها، مثل فليبراتشي في تراكي صيف وضلعي. لاقت هذه التراكات استهجانًا كبيرًا من الرابرز الذين اعتبروها رخيصة ولا تمثل الراب الحقيقي.
بعد هذه الفترة المثمرة والانتشار الواسع، انفصل ديي برودكشن عن إم كاي ليفتتح قناته الخاصة ويبدأ بنشر تعاوناته مع الرابرز، ويظهر معه عدة أسماء صاعدة مثل داركي، لويجي، ٧٤ أورجينال. استطاع ديي برودكشن أيضًا أن يستقطب رابرز نجوم مثل عبد الله ترل، دافي، وأبرزهم أوزي الذي دخل المشهد بقوة ليصبح أحد أهم أسمائه. بذلك انتشر النوع بشكل واسع بين نوادي الخليج، لاونجات السعودية، وحتى نوادي مصر التي أصبحت تطلب الفنانين والدي جايز لجلب الجمهور الخليجي.
دخلت هذه الموسيقى إلى السعودية رغم قلة مؤديها حينها، إلا أنه خلال العام الماضي ومطلع هذا العام شارك العديد من رابرز السعودية في هذه الموجة وبرزت الكثير من الأسماء الجديدة من خلالها، مثل القيادات العليا وليل إيزي وبلاكبي، وصعد من خلالها بشكل واضح دي جاي مبارك بعدة تراكات، مثل أنا طاير وإنت مني، والذي اعتمد أسلوبه على كلمات الحب بعيدًا عن الفلكسينج المبالغ فيه. كما عرف دي جاي مبارك بفريستايله مع راب شارع الذي اجتاح الإنترنت العام الماضي.
لم أعد أستغرب اكتساح هذا النوع في السويدي، فالثقافة التي ظهرت خلف هذه الموسيقى البسيطة تعكس بوضوح أسلوب الحياة في الحي وحب أبنائه للرقص والاستمتاع؛ وأن يضرب ريمكس من دي جاي فرايدي لتركي الجازع مع ٧٤ أكبر دليل على تأثير هذا الحي على الموسيقى المنتشرة.
مهما هاجم المجتمع هذا النوع ومهما رأيت شخصيًا ضعفًا في موسيقته المكررة، لا أستطيع إنكار تأثيرها الواسع وقدرتها على صنع ثقافة كاملة اجتاحت دول الخليج. يكفي أنها غيرت موسيقى حي عرف منذ الثمانينات بثقافة عتيقة منيعة أمام التغيير، واستطاعت أن تجتاح مشهدًا كان من الصعب أن يتقبل أي موسيقى جديدة.
سماع هذه الموسيقى في لاونجات أكثر أحياء الرياض بورجوازيةً، وفي أكثرها بساطة، بالإضافة إلى جدة والدمام حتى وصلت إلى مناطق مثل نجران، لا شك بأنها حركة كبيرة؛ وفي الوضع الحالي مع هذا الكم الهائل من الإصدارات مع الصوت المكرر، فإنها تتجه إلى طريق موسيقى المهرجانات المصرية، وكل ما أتمناه أن تتطور موسيقيًا حتى لا تفقد بريقها.