.
الشباب أصحاب الأصوات الكبيرة هم الأتعس حظًا في مشهد البوب العربي اليوم، لأنهم منذ ظهور موهبتهم يصر جميع من حولهم على تنشئتهم على جماليات وشروط نجاح أزمانٍ ماضية، دون فهمهم من تلك الأزمان سوى أنها محافظة وغير راقصة؛ بالنتيجة، يدخل واحدهم الوسط الغنائي بفهمٍ محدود لأدواته المعاصرة. أصيل هميم من أصحاب تلك الأصوات، وابنة ملحن كبير هو كريم هميم، ما يجعل من السّهل تصوّر الأجواء التي نشأت فيها، وتوقُّع شكل مسيرتها بناءً على ذلك. بين وقتٍ وآخر، تُقدّم أصيل مفاجأةً سارّة تُبشّر بأنها على الطريق الصحيح رغم كل الظروف المحيطة بها، كما في حالة سر الحياة.
من الصعب الحصول على معلومات حول كاتب الأغنية آدم، كون اسمه الفنّي من جزء واحد ولا يبدو أنه حقق بعد ما يجعل ذلك الجزء كافيًا للوصول إليه، لكن أغلب الظن أنه حديث السن لم يزل في أولى خطواته، مع ما تبثه كلماته من إحساس بأن بساطتها بساطة شاب يغازل حبيبته الأولى، مزينةٌ بحسن الصياغة وبموسيقى داخلية لطيفة الوقع. أضاف لحن أزهر حداد لكلمات آدم ظرافةً وخفة، مستهدفًا مساحة جديدة من صوت أصيل طال انتظارها. أما حسام الدين فإنه وإن لم يقدم تلك الأفكار التوزيعية الاستثنائية، لكنه أبرز مواضع الجمال في اللحن، الأمر الذي يغيب عن أغلب أعمال أصيل مع غيره، خاصةً تعاوناتها المتكررة وغير المثمرة مع زيد نديم. أجمل ما قدمه حسام الدين ثنائية القانون والناي في المقدمة واللوازم القصيرة بعد كل مقطع غنائي، وإن أقحم صولو مغرق في التقليدية للأورج في منتصف الأغنية.
من السهل تخيُّل تمايُل رأس أصيل على إيقاع الأغنية لدى تأديتها، بارتياحٍ وتفاعلٍ مع اللحن جنّباها تحميله أكثر مما يتطلب أدائيًا، فلا حشد للعُرَب الشجنة ولا مدود تطريبية أو انفعالية، بل ويمكن سماع ابتسامتها في عدة مواضع. تكمن أهمية تقديم أصيل لأداءٍ كهذا في الأغنية في أنه – سابقًا – لا يُمكن إلا ملاحظة ميل إلى الحزن والأسى في أدائها مهما كان نوع الأغنية، كما في اتركني احبك وشارة مسلسل فاتنة بغداد وموال سلطني صوتك، دون أي حاجة لذلك، ما يجعل أثر تلك الأغاني مضطربًا؛ بدأ ذلك يتغيّر مؤخرًا كما في أغانيها لمسلسل هوى بغداد التي وزّعها حسام الدّين، ليصبح الوقت مناسبًا لمحاولات جديدة لدخول مساحة الخفة والروقان، وهذه الأغنية أكثر تلك المحاولات نجاحًا.
سر الحياة خطوة منتظرة وسارّة نحو تطوير نتاج أصيل على صعيد الأداء واللحن، والتوزيع بشكلٍ خاص. صحيحٌ أنها ما زالت بحاجة إلى اطلاع أكبر على تفاصيل عملية الإنتاج الموسيقي والأفكار التي تمنح عملها صوتًا مختلفًا، على الأقل لتجنّب اللمسات الإنتاجية منتهية الصلاحية، كالذي يظهر في الدقيقة ٢:٠٣ مع جملة “كل يوم أحبك أكثر” مثلًا، لكن أغانيها في مسلسل هوى بغداد وبعدها سر الحياة تؤكّد أنها تُحسن إعادة النظر في مسيرتها وتبنّي توجّهات أكثر ملاءمةً للعصر.