سلطان | شب جديد والناظر
مراجعات

سلطان | شب جديد والناظر

شاب روكي ۱۲/۰٤/۲۰۲٤

عندما صدر سندباد الورد، الألبوم الأول لشب جديد والناظر، لم يكن هناك ما يشبهه. برز فلو شب جديد الذي يسجع بكلام الشارع ويهجس بموسيقات عربية على الأوتوتيون، فيما جذب الناظر المستمعين بسنثاته الحالمة، وأصوات درام مشين رولاند ٨٠٨ المعتقة. استعرّ بالمشهد كالنار في الهشيم، وهكذا استحق. هذه هي نقطة الاختلاف الأولى بين سندباد وسلطان، وهي أن سلطان، الألبوم الثاني الذي ارتقبناه طويلًا، يحمل صوتًا له جمهور سمع سندباد وما تبعه من متفرقات لسنوات أربعة. تقدم هذه الألفة تحديًا كبيرًا للثنائي، الذين قد يثقلهم في هذه المرحلة نجاح عملهم الأول. هل تمكّن شب جديد والناظر من تخطي تحدي الألبوم الأول الضارب؟

سلطان هو الشخصية التي اختارها شب جديد لألبومه الثاني. هي شخصية بدوية حربية بعضها متكبر وبعضها منكسر. سلطان محنك، ليس غضًا ناشئًا، يظهر جانبًا سوداويًا فوق ألحان تبتعد عن التراب والدريل التي طغت على سندباد. 

يفتتح شب جديد الألبوم بفين الدوا، التي ركزت على جانب منكسر وفاقد الأمل: “بس جديد صرت خرية كبيرة”، أو مثلًا: “هادي النّظرة بتعملي ارتباك”. تأتي الموسيقى في فين الدوا بأسلوب الناظر الكلاسيكي، بيت التراب تقليلي مع تلحينة سنثات تنعكس بطابعها الهادئ والحزين على كلمات شب جديد. هذا التراك الوحيد الذي يتبع هذا النهج الكلاسيكي في الألبوم، النهج والصوت المبنيين على مدار الأربع سنوات الماضية. يعتمد هذا الأسلوب على لوب سنث متكررة، مع درَمز تراب كلاسيكية. يتبع فين الدوا سلطان، الذي يقدم نفسه بكل ثقة وتفاخر: “رحت وجئت فإسألني سلطان فليعلن عني”. يُظهر هذا الاختلاف في الشخصية بين تراكين متتابعين حالة انفصام وتصادم موجودة في الألبوم بشكل واضح، حالة أشبه بشخصية ثنائية القطب.

نستطيع رؤية ذلك في عدة مواقع في الألبوم، مثل تراك تل أبيب: “أنا يا حرام بخزي شوفني شو بحزن / بتموت بالقات؟ طب شوفني شو بخزن / يا هلاك يا عذابك يا رحيل / وك ميل عالهدى طب عالهدى ميل”، وفي طوَفان حيث يتفرد شب جديد بمهارات كتابية على بيت تراب غنى عليه بأسلوب الممبل من العقد الماضي مع تبلور جانب سوداوي: “التحقت فحكيت / انحرقت فرأيت”، ليكمل بقوافٍ متطابقة مع تلاعب بالكلمات: “أنا انحطيت فبكيت / مش انحطيت في باكيت”، أو كما في المقطع الذي يليه بقوافٍ داخلية: “اختصر اقتصد بتستقر تنتصر تستقر تستقل / بتغترب بتنهز بتزبهل / ما بك يا ذاك مبتهل / مابي قيادات جوتو هِل.” 

تتبلور المهارات الكتابية أكثر في نشيد على بيت جانغل متوسط السرعة، مع السنثات الواطية. نشيد اسم على مسمى. ملأت التراك المصطلحات الفصيحة الممزوجة باللهجة الفلسطينية، ليستعرض شب جديد في الكلمات القوافي الداخلية مع القوافي المتطابقة والسجع: “بهتمش / براثين بعرضك بتخرمش / تشت تفهمش تبلش تخربش / تخفش فش حد سامع شو بنحكي / بتفهمش الناس شو بنِحرف”. يظهر استعمال الناظر للفواصل الإيقاعية بشكل أكبر في نشيد وسلطان، ما خلق اختلافًا في صوت الناظر مع شب جديد. تعطي الفواصل الإيقاعية مساحة كبيرة للعنف والحدة في أغاني الراب وذلك ما شهدناه في نشيد.

أتت رد سريع على بيت يو كاي جراج مع لحن هادئ سمح لشب جديد بإخراج جانب كوميدي وحربي معًا: “رجعت عالقدس شافتني جندية / شب جديد غنيلنا أغنية / عملت حالي إنه هاظ مش سامع / عشان تعرف إني لا أساوم”. مع فيرس رياضيات المميّز بفلوّه الكلاسيكي والسلس، يضع رياضيات في فيرسه عدة إشارات مثل: “لأ مش أنا بعمل من بنها”، والتي تعني باللهجة المصرية من يمثل عدم الانتباه، وفي سطر آخر: “فحكذب أقلك كلنا صحابك / كذاب زي بوش وأوباما”.

غلب الحس الإيقاعي الشرقي على تراكات مثل كذب ومين أنا، المختلفة عن باقي تراكات الألبوم بتلحين بسيط اعتمد على نوتات أقل في المعزوفة الأساسية. في صوات، يتبع الناظر نفس الأسلوب مبسطًا في الإيقاعات لكن بألحان أكثر تعقيدًا. يوظف الناظر إيقاع اللف ببراعة، وهو إيقاع شائع في الموسيقى الشعبية، إحساسه قصير ودائريّ، وينتقل في كثير من الأحيان إلى إيقاعات أخرى في الوزن نفسه (٢/٤). أضاف اللف حسًا إيقاعيًا رايقًا على الأغنية يفسح المجال للسنثات المعقدة، ويترك لشب جديد متنفسًا للكتابة، اقتنصه الشب في سطور مُبهرة تعكس حالته الفنية، سواء بعد الشهرة، أو بعد حادثة مصر. 

يظهر التلاعب في الكلمات في اسم التراك وبدايته، بين في صوات وفي سوات، في إشارة إلى قوات التدخل السريع الفيدرالية: “في صوات شوف الباب / صوت صراخ إيه! / إخوات الشرموطة علينا فاتوا / عُر كلاب بنخافش حاسبين حساب”، كما يتلاعب في اللازمة في نهاية التراك: “في صوات / فك طوق الكلاب ضب سخماط / بدك تفتش كثير بدك تفك الدار مع البلاط / تفحصلي دم بمختبرات وتشوف مؤامرات الغرب بدمي / وقتها بتقدر تفهم همي.”

يأخذ الألبوم منحنى آخر بعد ذلك في ٠١، الذي يشرح حالة الشباب الفلسطيني بين الحرب والمخدرات، ليأتي اختيار جوان لهذا التراك موفقًا. قد يكون من المفاجئ بالنسبة لمستمعي بلاتنم تأليف تراك بوست بانك مع جوان صفدي، فنان الروك الحيفاوي المعروف بإثارته للجدل من خلال انتقاداته السياسية المباشرة في أغانيه. ابتعد جوان صفدي عن المشهد لفترة طويلة، فكان مفاجئًا عودته مع بلاتنم وفي هذه الفترة بالتحديد. يعكس ذلك قدرة الناظر على التجريب والخروج بمنتج متماسك.

يفتتح شب جديد كريستال بسطر سوداوي عابث ومحزن في نفس الوقت: “وأنا أزبل خلقه لـ الله / بعت بيت قدس ونقلت عرام الله / أنت كلك على بعضك بإيش بتتعلق أصلًا؟”، يعكس هذا السطر تحول مركزية فلسطين بعد اتفاقية أوسلو من القدس إلى رام الله،  ليكمل هذا التراك بعد ذلك بين المخدرات والحديث غير المفهوم. تأتي الموسيقى الهادئة مع الإيقاعات البسيطة التي أعطت مساحة لشب جديد ليلعب بفلوهاته. يكمل شب جديد في تل أبيب عن أحوال الدول العربية المحيطة بالاحتلال، رابطًا ذلك بسهولة تعاطي المخدرات بشكل فكاهي. يجمع شب جديد ببراعة في هذا التراك ثيمة الألبوم بكل عناصرها، التفاخر، الحزن، الكوميديا السياسية، والمخدرات.

ينهي الثنائي الألبوم بشكل درامي، إيقاع تقليلي مُتَرَقِب، وكأنه يطلب من المستمعين الانتظار للمزيد من الإصدارات. يجتمع حزن شب جديد بصلابته وثقته بنفسه، فالانتقال من: “أعيشُ صعبًا مرًا صلب”، إلى: “قل يا هوا تعبان ما ينفع دوا”، يعكس هذه الصورة بشكل واضح.  

رغم أن شب جديد لم يتغير كثيرًا كصوت وكتابة، لكن ذلك لا يغير حقيقة أن صوت شب جديد لا يزال جديدًا، وكتابة شب جديد لا تزال مختلفة؛ ورغم أن الناظر لم يغير كثيرًا في اختياراته للأصوات التي يصنع بها ألحانه وإيقاعاته، لكنه لا يزال يفاجئنا بألحانه وإيقاعاته المتفردة بأصواتها وحسها الإيقاعي. هذا الألبوم انتفاضة على الملل الذي يحيط الهيب هوب اليوم، وهو نقطة تحول للثنائي، الذين استطاعوا بالفعل الخروج بنجاح من تحدي الألبوم الأول الضارب، ليقدموا ألبومًا ثانيًا مألوفًا ومفاجئًا في آن.

المزيـــد علــى معـــازف