fbpx .

سوداريثم ڤوليوم ٢ | سفيان

فادي حيدر ۲۰۱٦/۰٤/۲٦

ألبوم سوداريثم ڤوليوم ٢ هو الجزء الثاني في سلسلة أعمال سفيان التي تعمد إلى استخدام عينات من الموسيقى السودانية وتقديمها بطريقة عصرية. قد تفوح رائحة الكليشيه من طرح مماثل، نظرًا لكثرة التجارب التي اعتمدت هذه المقاربة في الماضي بطريقة خاملة وسطحية بطشت بالآفاق غير المحدودة والمشوقة لها. لكن في هذه الحالة الأمر مختلف، لأن هناك عاملان أساسيان يخدمان سفيان: الأول يكمن في تقديمه عينات من الفن السوداني المغمور على نطاق ساحة الموسيقى العربية، الآخر هو أنه أثبت في أعماله السابقة فعالية هذه المقاربة كونه استخدم عناصر من هذه الاغاني بشكل مدروس يخدم مشروعه بدل الاستعمال الرخيص لقطعة مألوفة.

خطر لي وأنا استمع لهذا الالبوم مرة تلو الأخرى أن أعامله كرحلة إلى السودان، والأرجح أن للثلج الكندي الذي حل ضيفًا متأخرًا وثقيلاً هذا الشتاء (نعم ما زلنا في الشتاء هنا في كندا) دور في ذلك. قد يبدو أيضًا أنني مهووس باستعمال الرحلات كمطية لمقاربتي الوصفية والنقدية كما حصل في مراجعة ألبوم من وراء العدسة، ولكن صدقوني، هي مجرد صدفة، كأن تجلس الفتاة التي كنت تتبادل النظرات والابتسامات معها في قاعة الانتظار بجانبك على متن رحلة إلى تبًا لقد فعلتها مجددًا. حسنًا سأدخل في صلب الموضوع لأن هذا الألبوم يستحق الانتباه، لكنني لن أخجل من استخدام تشبيه الرحلة كما ذكرت أعلاه.

في الأغنية الأولى سايل، ترحب بك الأصوات المستخدمة في سودان سفيان وترسم استقبالاً مهيبًا، فوق إيقاع استعان بعينة ذات طابع أوركسترالي ونفحة وطنية أضاف إليها سفيان البايس والأبواق. على أنغام هذا الإيقاع، تتراءى لك صور رقصات فولكلورية ووليمة مليئة بصور انستاغرام بلا فلتر. تختتم السهرة مدركًا أنك ستدفع ثمن الـجت لاغ Jet Lag في الصباح.

أغنية فراجمنت تبدأ كجرس يصربعك صباح اثنين أخذته عطلة ونسيت أن تطفئ المنبه اللعين. تبدأ الأغنية بشكل مفاجئ رغم أنه يعتمد على إيقاع سلس وهادىء يستعين بعينة عود من أغاني الحقيبة، وهي فترة ذهبية للموسيقى السودانية، كثر فيها استخدام آلات تقليدية مثل الطبول ووالدفوف وغلبت عليها نفحة روحانية. سميت بالحقيبة نسبة إلى الحقيبة التي كان يحملها الإعلامي أحمد محمد صالح والتي كانت تحوي اسطوانات أغاني كان يتم بثها على الراديو السوداني في حينها.

يفيقك المنبه لكنك تتذكر أنك في رحلة و تؤجل صب غضبك على النظام الرأسمالي والحياة إلى صباح آخر، وتقرر الذهاب في رحلة لتستكشف بعض المعالم الطبيعية حولك في طقس مثالي يسمح لك بالترويح عن نفسك. هكذا هي إيقاعات موون دانس ذات النفحة المرحة والإيقاعات الُمعدية والرنة الرقيقة لـسينث سفيان. أغنية أول وي جت All We Got هي الشقيق صعب المراس والأكثر حدة وجدية لـ سايل. الأنغام فيها نفحة تفاخر تأتي بمثابة تغيير واضح ونقلة عن موون دانس، وتشعر بأن الاغنية أكثر تعلقاً بصوت كلاسيكي سوداني رغم البايس الذي أضافه سفيان. يمكن القول إن هذه الاغنية هي المرحلة الأكثر وعورة من رحلتنا في سودان سفيان حتى الآن.

نواصل رحلتنا إلى الأدغال على أنغام أغنية هامباتا التي تأتي بمثابة تقديم سريع Fast Forward لشريط هذا الشق من الرحلة وكأننا نتوقف كل بضعة ساعات في ديار أحد العشائر، ليصبح الصوت الذي نسمعه تكراراً (عند الثانية ٣٦) بمثابة علامة تعلن وصولنا إلى محطة جديدة.

بعد العودة من الشق الاخير للرحلة ينتابك شعور بروتينية المشوار كونك تسلك نفس الطريق إبان عودتك إلى فندقك للتحضير لانتهاء الرحلة. أنغام بيوند سايت تبعث هذا الشعور مما فيها من تكرار لعينة من موسيقى الحقبة مجدداً من دون إدخال أحد العوامل المشوّقة التي وجدناها في الأغاني السابقة.

الأغنية الاخيرة على الألبوم، أوكتوبر، تليق بمرحلة التحضير للعودة إلى الحياة اليومية. الجزء الأول من الأغنية أشبه بنسخة مسرعة عن الموسيقى التي نسمعها عند ظهور دارث فايدر في أفلام ستار وورز Star Wars وكأننا نشعر باقتراب المزيد من العبودية المدفوعة. بعد اللحظات الاولى للأغنية تضاف اللمسة السودانية وتشعر بـ بلوز ما قبل العودة، لأن الإيقاع الدارث فادري لا يفارقنا ويذكرنا بإلحاح أن الرحلة انتهت.

بعد إنتهاء رحلتنا عبر سودان سفيان، يجب الثناء على قدرته على أخذ هذه العينات وتحويلها بالإجمال إلى أغان ذات مزاجات مختلفة تحرك المخيلة الصورية لدى المستمع، خاصًة في عالم عربي ليس أليفًا مع التراث السوداني ولا مع الفن المجرد من الكلام. هناك بعض المواضع التي كانت يمكن أن تستفيد من نقلة ضمن الإيقاع ذاته، خاصًة في غياب أي أداء صوتي على الإيقاعات. لكن في الإجمال، اللمسة السفيانية على التراث السوداني محببة، وفيها الكثير من المساحات غير المستثمرة التي نأمل أن نراها في حال قرر متابعة هذا المسلسل من الأعمال.

المزيـــد علــى معـــازف