.
يتمتّع قلّة من الفنانين الإلكترونيين بسيرة ذاتية مبهرة بقدر سيرة الموسيقي ومصمم الصوت الإيراني عطا ابتكار. أصدر ابتكار سابقًا تحت اسم صوت ألبومات مع وورب وأوبال تايبس وسَبروزا. ألبومه الأخير، مينيستري أُف تول تايلز، سيتم إصداره على سبكالت، شركة التسجيلات المرموقة وقاعدة إطلاق مجموعة من أكثر الألبومات الإلكترونية جرأةً ومغامرة عبر السنوات القليلة الماضية.
يزاوِج عطا في موسيقاه بين الأنثروبولوجيا والتكنولوجيا، إذ يتأمل تاريخ الموسيقى الإيرانية الغني ويحمله إلى الحاضر بيد الخبير وبتصميم صوتي كريستاليّ. تشمل أعماله أطيافًا واسعة بدءًا من التجارب الإلكترو أكوستيك التي تعيد إلى الذهن أعمال رواد مثل تيري رايلي، كارلهاينز شتوكهاوزن، ولوتشانو بيريو، إلى استعادات الآلات الفارسية التقليدية في ألبوم ساكرِد هورورز إن ديزاين، وصولًا إلى التحف الصوتية المايكروتونية والمعدّلة ميكرويًّا مثل ألبوم ماجستيك نويز مايد إن بيوتيفول روتِن إيران العام الماضي.
يبني ألبوم مينيستري أُف تول تايلز على ألبوم ماجستيك نويز، مركزًا بشكل أقوى على العناصر الإيقاعية، مع خلطها بمشاهد صوتية متباينة تقفز من الصخب والتنافر إلى جمال يفطر القلب. يتنقل الألبوم، الذي كُتِب كاستجابة مباشرة للأحداث في إيران والعالم بشكلٍ عام، من النشوة إلى السعار والتوتر المطلق، في تسعة تراكات مصنوعة بحرفيّة ودقّة، على مدار خمسين دقيقة. خلال محادثة ممتدّة عبر الإيميل مع ابتكار، تمكنتُ من مناقشته حول نشأة هذا الألبوم، بالإضافة إلى أسئلة على نطاق أوسع تتعلق بمنهجيّته في الموسيقى وتصميم الصوت، والتأثيرات الحاضرة في أعماله.
خلال تلك الفترة كان هنالك بعض الفنانين الشبان الذين يتعلمون تكنيكات الموسيقى الإلكترونية في منازلهم، ويبدأون بالأداء تدريجيًا في الكافيهات وينظمون فعاليات محدودة بمجهود ذاتي.
في الوقت الحالي، هناك الكثير من الشباب الذين يقومون بأنواع مختلفة من الموسيقى الإلكترونية وحفلاتها. للأسف، يتعين أن تكون معظم تلك الحفلات سرّية بسبب القوانين والقيود الحكومية، لكن هذا لا يمنع الفنان الشاب من أن يكون فاعلًا.
ولدتُ في هامبورج، لكنني عشت في طهران حتى سن الحادي عشر، ثم انتقلت إلى ألمانيا لحوالي ست سنوات. عندما بلغت السابعة عشرة انتقلت إلى شمال كاليفورنيا وبقيت هناك لخمسة وعشرين عامًا. قبل عشر سنوات، انتقلت مرةً أخرى إلى إيران. كنت أعتقد أن موقعي لا يؤثر مباشرةً على عملي، ولم أسعَ من قبل إلى تبنّي هذا النهج. مع ذلك، بعد أن عشت في إيران تحت ظروفٍ اجتماعية-سياسية متطرفة خلال العقد الماضي، صرت أكثر اهتمامًا بالتعبير عن مشاعري من خلال موسيقاي.
بشكلٍ ما، نعم. إضافةً إلى أنني عندما كنت أصغر لم أهتم بربط المشاعر الشخصية مباشرةً بعملي. كنتُ مهتمًا بشكلٍ أساسيّ بالتكنيك والنتيجة ككُل.
أعتقد أن ما تتحدث عنه هو حقيقة أنني أحب المُضي في الطريق التكثيري. يثيرني التركيب والتشعب في الفن. كما أنني مهتم بوضع الطبقات – على اختلافها – فوق بعضها البعض، لتحقيق تناغمات تأخذ المستمع إلى أماكن غريبة ومجرّدة.
في البداية، كان لدي إجمالًا فكرة خام مبدئية لهذا الألبوم. من الناحية التقنية، واصلت استكشاف إمكانيات تعديل حجم فواصل النوتات وإدخال الفراغات بينها، واستخدام الإيقاعات المتشابكة في محاولة رمزيّة لتمثيل أنظمة مختلفة في مجتمعنا.
يشكّل نمط الإيقاعات المتشابكة الإطار والهيكل لمحرّك معقد. بالنسبة لي يمثل هذا المحرك مجتمعنا، وفي حالتي، المجتمع الإيراني. يمثّل الإعداد والمخطط في هذه الآلية سمات الانسجام وسمات انعدامه أيضًا في إيران، حيث يتخلّق النظام في النهاية من قلب الفوضى.
أرى جمال وقبح إيران في نبضات وحركات ترددية دقيقة جدًا ومفصّلة (ميكروتونات). أتحدث عن العناصر من الأكثر سطحية إلى التجريد الأكثر عمقًا وتعبيرًا.
لا أحد على وجه التحديد.
نهجي العام في التأليف مبني على تصميم الصوت. توليف الأصوات هو ما أهتم به بشكل أساسي؛ لكن يجب أن يكون كل شيء ضمن بنية موسيقية. بمجرد الشروع في العملية الإبداعية يصبح كل شيء جزءًا من التأليف، سواء كان ذلك جملة لحنية، نمطًا إيقاعيًا، مفهوم ألبوم أو مزج الأغنية؛ كلها جزء من التأليف ككل.
يتمحور مينيستري أُف تول تايلز حول شؤون العالم الاجتماعية والسياسية الراهنة. أصبح التعصب والفساد داخل إيران وكذلك العالم بأسره يشعرني بغضبٍ هائل وخوف وارتباك، وفي المحصلة: عجز. حاولتُ رسم هذه المشاعر سمعيًّا من خلال المشاهد الصوتية في هذا الألبوم.
لا. ما زلت لا أقدم رسائلًا سياسية. أعبّر فقط عن مشاعري ولا أخبر المستمع مباشرةً بما هو الصواب أو الخطأ. كانت موسيقاي وما زالت مجرّدة وبلا كلمات؛ لذا، يعود الأمر إلى الجمهور لتكوين آرائهم الخاصة والتواصل معها بالطريقة التي ترضيهم.
بالتأكيد نحا ماجيستك نويز مايد إن بيوتيفول روتِن إيران باتجاه مساحة العلاج الذاتي بالنسبة لي. أما مع هذا الألبوم فحاولتُ بشكلٍ متعمّد أن أصوّر ما يحدث من حولنا.
كل الأصوات هي أصوات إلكترونية ومبنية على توليف الأصوات؛ لا يحتوي المشروع على تسجيلات آلات صوتية أو عينات مسمبلة. أسلوبا التوليف الصوتي المفضلان لديّ هما توليف الإف إم (FM synthesis) والنمذجة الفيزيائية (Physical Modeling)، وقد استخدمتهما بشكلٍ مكثّف في هذا المشروع، بين تكنيكاتٍ أخرى بالطبع. لكن الطريقة التي برمجتُ فيها بعض الأصوات في قِطع معينة بدت وكأنها آلات أكوستيك.
في العقود الثلاثة الماضية، استخدمتُ كل أنواع الأجهزة ومختلف البرمجيات ومزيجًا بينهما. صنعت موسيقى في بيئة برمجية اعتقد الخبراء والنقاد أنها صُنِعَتْ على وحدات توليف تناظرية (analog modular synthesizers)، كما صنعتُ موسيقى على جهازٍ واحد اعتقد الناس أنها أُلّفت باستخدام ماكس/إم إس بي.
هذا نقاش شائع مع طلابي في طهران: الأدوات ليست مهمة. المهارات والمعرفة والذائقة، وفي النهاية الحس الإبداعي، عوامل رئيسية للحصول على صوت محدد. صُنِع مينيستري أُف تول تايلز بالكليّة عبر آيبلتون لايف، باستخدام العديد من الأدوات المخصّصة وراكات المؤثرات (effect racks)
بالتأكيد. لدي ألبوم آخر سيصدر هذا العام، سيتركّز كله على الإيقاعات العميقة المكثفة. سيكون استمرارًا لألبوم هاردكور ساوندز أُف طهران.
سِبَّريتنج إنجريدينتس أٌف ريتشوالز هو تحليلي للتقاليد التي تتحول إلى دوجما، مؤثرةً في الثقافات ثم في النهاية متفشيةً في المجتمعات كالسرطان. يتشكّل التراك من حركات متعددة مع طبقات من الأصوات الفردية المركبة على بعضها البعض، ما يخلق تناغمات جديدة تتفكك على طول التراك.
بلى. في الأغلب سأقوم بجولة حول العالم. سيكون هناك نسخة ستيريو ونسخة رباعية الأبعاد الصوتية. أعمل كذلك على معرض / إينستوليشن سمعي-بصري أود أن أقدمه في مساحات فنية.
أدير شركة إنتاج محندقة اسمها ظبط صوت، والتي تصدر موسيقى إلكترونية تجريبية لمؤلفين إيرانيين. في ٢٠٢٣ صدرت عن الشركة سبعة مشاريع بديعة، وسيكون هناك المزيد في ٢٠٢٤. بإمكانكم الاطلاع عليها عبر الرابط.
يصدر ألبوم مينيستري أُف تول تايلز على تسجيلات سبكالت في التاسع والعشرين من فبراير الجاري.
أجريت المقابلة بالإنجليزية وترجمتها براءة فاروق.