fbpx .
من قلب الفوضى | مقابلة مع صوت (عطا ابتكار)
مقابلات

من قلب الفوضى | مقابلة مع صوت

محمد أشرف ۲۰۲٤/۰۲/۲٦

يتمتّع قلّة من الفنانين الإلكترونيين بسيرة ذاتية مبهرة بقدر سيرة الموسيقي ومصمم الصوت الإيراني عطا ابتكار. أصدر ابتكار سابقًا تحت اسم صوت ألبومات مع وورب وأوبال تايبس وسَبروزا. ألبومه الأخير، مينيستري أُف تول تايلز، سيتم إصداره على سبكالت، شركة التسجيلات المرموقة وقاعدة إطلاق مجموعة من أكثر الألبومات الإلكترونية جرأةً ومغامرة عبر السنوات القليلة الماضية.

يزاوِج عطا في موسيقاه بين الأنثروبولوجيا والتكنولوجيا، إذ يتأمل تاريخ الموسيقى الإيرانية الغني ويحمله إلى الحاضر بيد الخبير وبتصميم صوتي كريستاليّ. تشمل أعماله أطيافًا واسعة بدءًا من التجارب الإلكترو أكوستيك التي تعيد إلى الذهن أعمال رواد مثل تيري رايلي، كارلهاينز شتوكهاوزن، ولوتشانو بيريو، إلى استعادات الآلات الفارسية التقليدية في ألبوم ساكرِد هورورز إن ديزاين، وصولًا إلى التحف الصوتية المايكروتونية والمعدّلة ميكرويًّا مثل ألبوم ماجستيك نويز مايد إن بيوتيفول روتِن إيران العام الماضي.

يبني ألبوم مينيستري أُف تول تايلز على ألبوم ماجستيك نويز، مركزًا بشكل أقوى على العناصر الإيقاعية،  مع خلطها بمشاهد صوتية متباينة تقفز من الصخب والتنافر إلى جمال يفطر القلب. يتنقل الألبوم، الذي كُتِب كاستجابة مباشرة للأحداث في إيران والعالم بشكلٍ عام، من النشوة إلى السعار والتوتر المطلق، في تسعة تراكات مصنوعة بحرفيّة ودقّة، على مدار خمسين دقيقة. خلال محادثة ممتدّة عبر الإيميل مع ابتكار، تمكنتُ من مناقشته حول نشأة هذا الألبوم، بالإضافة إلى أسئلة على نطاق أوسع تتعلق بمنهجيّته في الموسيقى وتصميم الصوت، والتأثيرات الحاضرة في أعماله.


واحدة من أجمل ذكريات الفترة التي عشتها في إيران كانت تعرّفي على مجموعة من الموسيقيين التجريبيين – أتحدث هنا عن الفترة بين عامي ٢٠١٠ و٢٠١٢. ما فاجأني وقتها هو وجود مشهد حقيقي وحيوي لموسيقى الأندرجرواند الإلكترونية. كيف أصبح المشهد اليوم؟

خلال تلك الفترة كان هنالك بعض الفنانين الشبان الذين يتعلمون تكنيكات الموسيقى الإلكترونية في منازلهم، ويبدأون بالأداء تدريجيًا في الكافيهات وينظمون فعاليات محدودة بمجهود ذاتي.

في الوقت الحالي، هناك الكثير من الشباب الذين يقومون بأنواع مختلفة من الموسيقى الإلكترونية وحفلاتها. للأسف، يتعين أن تكون معظم تلك الحفلات سرّية بسبب القوانين والقيود الحكومية، لكن هذا لا يمنع الفنان الشاب من أن يكون فاعلًا.

لقد نشأتَ بين إيران وألمانيا وكاليفورنيا، ثلاثة أماكن لها تقاليد موسيقية قوية. إيران بآلاتها الساحرة وسلالمها الموسيقية، وألمانيا وكاليفورنيا الرائدتان في مشهد الموسيقى الإلكترونية والتوليف الصوتي (sound synthesis). هل تشعر أن هذا التباعد أثّر بشكلٍ مباشر على موسيقاك؟ أم أن موقعك لا يؤثر مباشرةً على إنتاجك؟

ولدتُ في هامبورج، لكنني عشت في طهران حتى سن الحادي عشر، ثم انتقلت إلى ألمانيا لحوالي ست سنوات. عندما بلغت السابعة عشرة انتقلت إلى شمال كاليفورنيا وبقيت هناك لخمسة وعشرين عامًا. قبل عشر سنوات، انتقلت مرةً أخرى إلى إيران. كنت أعتقد أن موقعي لا يؤثر مباشرةً على عملي، ولم أسعَ من قبل إلى تبنّي هذا النهج. مع ذلك، بعد أن عشت في إيران تحت ظروفٍ اجتماعية-سياسية متطرفة خلال العقد الماضي، صرت أكثر اهتمامًا بالتعبير عن مشاعري من خلال موسيقاي.

إذًا نظرت في السابق إلى صنع الموسيقى من وجهة نظر تقنية أكثر؟

بشكلٍ ما، نعم. إضافةً إلى أنني عندما كنت أصغر لم أهتم بربط المشاعر الشخصية مباشرةً بعملي. كنتُ مهتمًا بشكلٍ أساسيّ بالتكنيك والنتيجة ككُل.

تمتلكُ صوتًا فريدًا، وحتى مع التنوع في استخدام الآلات والأساليب يمكنني دومًا التعرف على موسيقاك. كيف تصف منهجيتك في صنع الموسيقى وتصميم الصوت؟

أعتقد أن ما تتحدث عنه هو حقيقة أنني أحب المُضي في الطريق التكثيري. يثيرني التركيب والتشعب في الفن. كما أنني مهتم بوضع الطبقات – على اختلافها – فوق بعضها البعض، لتحقيق تناغمات تأخذ المستمع إلى أماكن غريبة ومجرّدة.

لنتحدث عن مينيستري أُف تول تايلز، كيف بدأت عملية التصميم الصوتي للألبوم؟ هل اكتشفت تكنيكًا جديدًا أو لوحةً صوتية بدت وكأنها يمكن أن تتطور إلى ألبوم؟

في البداية، كان لدي إجمالًا فكرة خام مبدئية لهذا الألبوم. من الناحية التقنية، واصلت استكشاف إمكانيات تعديل حجم فواصل النوتات وإدخال الفراغات بينها، واستخدام الإيقاعات المتشابكة في محاولة رمزيّة لتمثيل أنظمة مختلفة في مجتمعنا.

يبدو مفهوم استخدام الإيقاعات المتشابكة في الرمز لأنظمة مختلفة في مجتمعنا مثيرًا للغاية. هل يمكنك إلقاء ضوء أكبر على ذلك؟

يشكّل  نمط الإيقاعات المتشابكة الإطار والهيكل لمحرّك معقد. بالنسبة لي يمثل هذا المحرك مجتمعنا، وفي حالتي، المجتمع الإيراني. يمثّل الإعداد والمخطط في هذه الآلية سمات الانسجام وسمات انعدامه أيضًا في إيران، حيث يتخلّق النظام في النهاية من قلب الفوضى.

أرى جمال وقبح إيران في نبضات وحركات ترددية دقيقة جدًا ومفصّلة (ميكروتونات). أتحدث عن العناصر من الأكثر سطحية إلى التجريد الأكثر عمقًا وتعبيرًا.

من أبرز من تأثرت بهم؟

لا أحد على وجه التحديد.

هل يمكن القول إن تصميم الصوت يوجّه موسيقاك، أي هل هي قائمة على التأليف؟ أم هل تترك مفهوم الألبوم الشامل يحكم كل شيء؟

نهجي العام في التأليف مبني على تصميم الصوت. توليف الأصوات هو ما أهتم به بشكل أساسي؛ لكن يجب أن يكون كل شيء ضمن بنية موسيقية. بمجرد الشروع في العملية الإبداعية يصبح كل شيء جزءًا من التأليف، سواء كان ذلك جملة لحنية، نمطًا إيقاعيًا، مفهوم ألبوم أو مزج الأغنية؛ كلها جزء من التأليف ككل.

مقارنة بأعمالك السابقة، فإن تسمية التراكات في مينيستري أُف تول تايلز تحكي قصة مستلهمة من مصادر دينية وسياسية. يشير التراك الختامي ١٤٠١ بيوتيفول سولز مباشرةً إلى انتفاضات العام الماضي. هل كان هذا الألبوم رد فعل على تلك الانتفاضات، أم أنك بدأت العمل عليه قبل قيامها؟

يتمحور مينيستري أُف تول تايلز حول شؤون العالم الاجتماعية والسياسية الراهنة. أصبح التعصب والفساد داخل إيران وكذلك العالم بأسره يشعرني بغضبٍ هائل وخوف وارتباك، وفي المحصلة: عجز. حاولتُ رسم هذه المشاعر سمعيًّا من خلال المشاهد الصوتية في هذا الألبوم.

ذكرت في مقابلة سابقة لك مع باي نو مايند تو أس أنك بالتأكيد لا تقدم أيّة رسائل سياسية في أعمالك، هل أجبرتك الأحداث الأخيرة على إعادة النظر في هذا الموقف؟

لا. ما زلت لا أقدم رسائلًا سياسية. أعبّر فقط عن مشاعري ولا أخبر المستمع مباشرةً بما هو الصواب أو الخطأ. كانت موسيقاي وما زالت مجرّدة وبلا كلمات؛ لذا، يعود الأمر إلى الجمهور لتكوين آرائهم الخاصة والتواصل معها بالطريقة التي ترضيهم.

يمكنني سماع الكثير من التشابهات الصوتية والإيقاعية بين مينيستري أُف تول تايلز وسابقه ماجستيك نويز مايد إن بيوتيفول روتِن إيران، حتى أنه في بعض الأحيان، بدا مينيستري كما لو أنه النظير الأكثر تأمليّةً لماجستيك نويز الهائج. هل هما جزء من سلسلة موسيقية واحدة، أم أنهما فقط صُنعا تقريبًا في نفس الفترة؟

بالتأكيد نحا ماجيستك نويز مايد إن بيوتيفول روتِن إيران باتجاه مساحة العلاج الذاتي بالنسبة لي. ‌أما مع هذا الألبوم فحاولتُ بشكلٍ متعمّد أن أصوّر ما يحدث من حولنا.

بالحديث عن الصوتيات، هل يمكنك أن تخبرنا عن التكنيكات ومصادر الصوت التي استخدمتها في صنع الألبوم؟

كل الأصوات هي أصوات إلكترونية ومبنية على توليف الأصوات؛ لا يحتوي المشروع على تسجيلات آلات صوتية أو عينات مسمبلة. أسلوبا التوليف الصوتي المفضلان لديّ هما توليف الإف إم (FM synthesis) والنمذجة الفيزيائية (Physical Modeling)، وقد استخدمتهما بشكلٍ مكثّف في هذا المشروع، بين تكنيكاتٍ أخرى بالطبع.  لكن الطريقة التي برمجتُ فيها بعض الأصوات في قِطع معينة بدت وكأنها آلات أكوستيك.

هل يتضمّن عملك استخدام الأجهزة الصوتية (hardware) أو البرمجيات، أم يعتمد بشكلٍ تام على إحداهما؟ وما هي بعض تكنيكات المعالجة والمؤثرات المستخدمة في صناعة أصواتك؟

في العقود الثلاثة الماضية، استخدمتُ كل أنواع الأجهزة ومختلف البرمجيات ومزيجًا بينهما. صنعت موسيقى في بيئة برمجية اعتقد الخبراء والنقاد أنها صُنِعَتْ على وحدات توليف تناظرية (analog modular synthesizers)، كما صنعتُ موسيقى على جهازٍ واحد اعتقد الناس أنها أُلّفت باستخدام ماكس/إم إس بي.

هذا نقاش شائع مع طلابي في طهران: الأدوات ليست مهمة. المهارات والمعرفة والذائقة، وفي النهاية الحس الإبداعي، عوامل رئيسية للحصول على صوت محدد. صُنِع مينيستري أُف تول تايلز بالكليّة عبر آيبلتون لايف، باستخدام العديد من الأدوات المخصّصة وراكات المؤثرات (effect racks)

هنالك تركيز أوضح على الإيقاعات والموازين المتشابكة في الألبوم، وقد أجرؤ على القول حتى بوجود لمحات للجروف في تراكات مثل كنجارو كورت ورين أُف إنسانِتي، مقارنةً بأعمالك الأحدث. هل هذا شيء ستستكشفه بشكلٍ أعمق في إصداراتك القادمة؟

بالتأكيد. لدي ألبوم آخر سيصدر هذا العام، سيتركّز كله على الإيقاعات العميقة المكثفة. سيكون استمرارًا لألبوم هاردكور ساوندز أُف طهران.

يضرب تراك إنجريدينتس أٌف ريتشوالز المستمع ككومة طوب، فبجانب إرباكه للمستمع، فهو نقطة تباين ودراما عالية في الإصدار، خاصةً مع مكانه في منتصف الألبوم. هل يمكنك أن تخبرني أكثر عن كيفية تحقيقه؟

سِبَّريتنج إنجريدينتس أٌف ريتشوالز هو تحليلي للتقاليد التي تتحول إلى دوجما، مؤثرةً في الثقافات ثم في النهاية متفشيةً في المجتمعات كالسرطان. يتشكّل التراك من حركات متعددة مع طبقات من الأصوات الفردية المركبة على بعضها البعض، ما يخلق تناغمات جديدة تتفكك على طول التراك.

هل ستقوم بجولة لترويج الألبوم؟ أين؟

بلى. في الأغلب سأقوم بجولة حول العالم. سيكون هناك نسخة ستيريو ونسخة رباعية الأبعاد الصوتية. أعمل كذلك على معرض / إينستوليشن سمعي-بصري أود أن أقدمه في مساحات فنية.

خلال العقد الأخير، جاء بعض فناني الموسيقى الإلكترونية المفضلين لديّ من إيران، بالتحديد ناين تي أنتيوب وسلافيش أميني وساينت عبد الله وروبن شرفي وتمب إليوجن. برأيك مَن مِن الفنانين الآخرين تشعر أن الناس بحاجة إلى الاستماع إليهم؟

أدير شركة إنتاج محندقة اسمها ظبط صوت، والتي تصدر موسيقى إلكترونية تجريبية لمؤلفين إيرانيين. في ٢٠٢٣ صدرت عن الشركة سبعة مشاريع بديعة، وسيكون هناك المزيد في ٢٠٢٤. بإمكانكم الاطلاع عليها عبر الرابط.


يصدر ألبوم مينيستري أُف تول تايلز على تسجيلات سبكالت في التاسع والعشرين من فبراير الجاري.

أجريت المقابلة بالإنجليزية وترجمتها براءة فاروق.

المزيـــد علــى معـــازف