في مشهد في بيروت؟ | مقابلة مع زياد نوفل

أجرى المقابلة في بيروت رامي أبادير.

أدوارك في المشهد الموسيقي في بيروت متعددة، من أول الدي جاي والإنتاج والدعاية وتنسيق الحفلات لغاية امتلاكك لشركة إنتاج، بالإضافة لبرنامج في الإذاعة اللبنانية بقى له ٢٥ سنة. قبل ما نتكلم على دورك في كل المجالات دي على حدة، أحب أعرف انت بتعرف عن نفسك إزاي؟

أنا اليوم بعرّف حالي كمنتج موسيقي، بمعنى إن عندي ليبل بتنتج موسيقى تجريبية بديلة من لبنان وبنظم حفلات موسيقية لفنانين لبنانيين ومش لبنانيين.

طيب تديني نبذة عن بدايتك ومراحل تطور أنشطتك اللي بيها ممكن نفهم أكتر مراحل تطور مشهد الموسيقى التجريبي والبديل في بيروت؟

أنا كنت بشتغل في محل موسيقى في بداية التسعينات، ما كان في محلات بتبيع موسيقى بديلة أو تجريبية. في التنين وتسعين بلشت أشتغل في إذاعة لبنان. حدا كنت بشتغل معاه في محل الموسيقى عزمني أكون ضيف في برنامجه، رحت على برنامجه وقدّمت موسيقى فحبّوا شغلي وأخدوني كمنتج برامج في إذاعة لبنان في الفترة الليلية. المزيكا اللي كنت بقدمها كانت روك والإلكترونية والتجريبية والبديلة الغربية. في نفس الوقت كنت دي جاي في مطاعم وبارات وكنت بدرس في الجامعة اللبنانية. تعرَّفت على موسيقيين لبنانيين صاروا يعطوني موسيقاهم ألعبها في برنامج الراديو وصار فيه علاقات بيننا. بالـ ٩٦ – ٩٧ لما بلَّش فريق سوپ كلز كنت أنا بلعب موسيقاهم على برنامجي وصرت مع الوقت ألعب أكتر موسيقى الفنانين اللبنانيين اللي صاروا أكتر وأكتر يعطوني موسيقاهم.

بالـتسعة وتسعين بلشت أشتغل في محل موسيقى اسمه سي دي تِك، كان محل كتير مهم عشان كان يجوا الشباب الموسيقيين يعطونا أغراضهن والسي دي لنبيعلن بالمحل. بالألفين بلّشت شركة موسيقى تجريبية اسمها المسلخ، كمان صاروا يعطونا موسيقتهم لنبيعها. في نفس السنة بلش مهرجان ارتجال للموسيقى التجريبية، كمان كانوا يجوا على المحل يعلقوا البوسترات ويعطونا بروشورز السي دي تبعهم. المحل صار بدوره محور للأجانب اللي بيجوا على لبنان بدهم يعرفوا شو هي الموسيقى الجديدة في بيروت. المحل كمّل لـ ٢٠١٠ وكان له فرعين، واحد في الأشرفية والتاني في الحمرا، وهيدا كان شئ ذكي. بعد فترة قصيرة من الوقت صار المحل ينتج مجموعة سيديهات، السي دي الواحد بيجمّع موسيقيين من مشهد الروك وسي دي عن مشهد الجاز وسي دي عن مشهد الإلكترونيك وسي دي تبعت التجريبية والكلاسيكية. هيدا الشى عم بيصير من الألفين لـ الألفين وتلاتة. في ألفين وأربعة ألفين وخمسة خلقوا شركة إنتاج اسمها إنكوجنيتو Incognito. الشركة صارت تعمل إنتاج موسيقي هائل، موسيقيين لبنانيين وسوريين وأردنيين ومصاروة. كان فيه مجلة في نفس الفترة اسمها كوميوزيكشن، كان بينزل مع المجلة سي دي بيعطيك رؤية عن مشهد موسيقي عم بينخلق. والمهم إلي أنا شخصيًا، كنت أكتب فيها أحيانًا مقالات، والسيديهات كنت ألعبها ببرامجي طبعًا. بالألفين وستة لما صار في حرب الـ ٣٣ يوم مع إسرائيل، اشتغلت مع خيي مونما على ألبوم ثيرتي فور دايز وفريق اسمه سكرامبلد إجز على Happy Together Filthy Forever وعملت برودكشن لأول ألبومين لإلي. في نفس الفترة لحد الألفين وعشرة كنت بنظم حفلات كل أسبوع في مكان اسمه ذ بايسمنت. في الألفين وثمنية قررت أنا وزميلي وشريكي فادي طبال، اللي هو كان عنده ستوديو تسجيل اسمه تيونفورك، قررنا نعمل شركة إنتاج سوا اسمها صدع، قمنا بالإجراءات القانونية وسجلنا الشركة على إنها منظمة غير هادفة للربح.

بالتالي الشركة ما اتعملتش كبزنس أو إنكم تحققوا مكاسب أو مصدر للدخل عن طريقها. أومال إيه الفلسفة اللي قايمة عليها الشركة؟

كنا عارفين إنا ما راح نقدر نعمل مصاري من هالموسيقى. كنا بنطلِّع المصاري من الإصدار عشان نعمل فيها الإصدار اللي بعده وهالفكرة بعد اللي موجودة اليوم. يعني عم نشتغل عشان نفرّج هيدا المشهد ونساعد المشهد ونخلق هيدا المشهد. ما فيه هدف إننا نصير مليونيرية، الفكرة إن فيه موسيقى كتيرة بتطلع بلبنان وحابين نحصرها ونوثقها. خلقت علاقة بين برنامج الراديو وستوديو تيونفورك ورپتشرد (صدع)، أي فنان كنا منحس إنه إله قيمة موسيقية كنا بنعزمه على الإذاعة ليحكي عن موسيقاه ويلعب لايف ونسجل موسيقاه ونجمع موسيقى الفنانين كلهم وننزلها في مجموعة سيديهات اسمها رپتشرد سِشنز، نزلنا خمس أجزاء آخر واحد بـ الألفين و١٣.

عملتوا كم إصدار ولمين تحديدًا؟

إحنا بلشنا إصدار بالـ الألفين وتسعة واليوم صار عنا ١٨ إصدار، يعني متوسط اثنين أو ثلاثة بالسنة، خمسة منهم ألبومات تجميعية من رپتشرد سِشنز، وكلهم سيديات. بالـ الألفين و١٤ بلشنا نعمل ڨاينل لأنه سوقهن كان كتير ضارب ومطلوب، الإصدار كان لـ راديو كي في إم. وبالألفين و١٧ حننزل لـ كينيماتيك سي دي وفاينل يللي هو اليوم أكبر فريق روك تجريبي بلبنان. أنتجت لمونما، وهو خيي، وما عندي مشكلة أبدًا إني قول إني بعمل أكتر شي إنتاج لخيي. نزلنا خمس ألبومات تجميعية ونزلنا لثنائي فرنساوي اسمه إماجينيري ساوندسكايبس، نزَّلنا للراس ومونما ونزَّلنا لأندر ذ كاربت وراديو كي في إم. ونزلنا لـ كِد فورتين يللي هو مغني پنك لبناني ولمدام شاندلييه وسولو لـ فادي طبال وألبوم لـ باني تايلرز اللي هو مشروع لفادي طبال وشربل هابر.

طيب إيه الفترات اللي بتشوفها مؤثرة والمشهد انفجر ووصل فيها لقمته؟

بعتقد بالألفين وستة، الحرب مع إسرائيل صارت بفترة مواقع التواصل الاجتماعي كانت فعّالة وهالشي خلق كتير انتباه من العالم على لبنان، عن شو عم بيعمل الموسيقيين اللبنانيين كجواب عن هالأزمة السياسية. ودغري بعد انتهاء الحرب سافر كتير من الموسيقيين زي مونما وريس بيك ولومي وسكرامبلد إجز يلعبوا حفلات برا لبنان. أنا شخصيًا صرت أعمل مقابلات كتير مع صحفيين من بعد الحرب. الفترة التانية بـ ألفين وتسعة/عشرة لما بلشوا مشروع ليلى يصيروا معروفين وأنتجوا أول ألبوم إلهم، صار في اهتمام أكبر بالموسيقى اللي طالعة من لبنان.

إيه مدى أهمية مشروع ليلى للمشهد؟

مشروع ليلى كتير غيّروا الطريقة يللي بتنعمل ويا اللي بتنشاف وبتنعاش فيها موسيقى البوب / روك العربية. لأن قبل مشروع ليلى كان في ناس يا إما عم يعملوا موسيقى عربي بوب يا إما بغنوا بالإنجليزي يا إما كانوا عم يعملوا موسيقى تجريبية أو إلكترونية أو جاز حر أقرب للي بيعمله الغرب. مشروع ليلى قرروا يعملوا موسيقى مزيج من هالأشيا. في نفس الوقت مع مشروع ليلى كان فيه غير ناس عم بيعملوا نفس الشي مثل يمنى سابا، بس يمنى ما كان عندها نفس التقل لأن هم ست شباب صغار بالعمر خريجين جامعة لبنانية، حلوين مرتبين ومنفتحين على مثليتهم… إلخ.

من الألفين و١١ لدلوقتي حصل إيه في المشهد؟

اتفجر المشهد كله، صار فيه نوع من إدراك إنه نحن فينا نكون موسيقيين اليوم، نحن فينا نعيش من موسيقانا، نحن فينا نعمل يللي بدنا إياه، في منتجين، في مروجين، في أماكن للحفلات. هيدا طبعًا شكله كتير مثالي، فعليًا على الأرض فينا ننظم حفلة يجوا علينا عشرين شخص. في عندك مشهد روك وإلكترونيك وتجريبي وفولك تبلور حول فادي طبال والشغل اللي عم يعمله فادي طبال بستوديو تيونفورك، وكلهم ماشيين مع بعض. وبنفس الوقت في عندك الربيع العربي بالمنطقة وفي عندك الكفاح السوري وفي عندك انفجار الهيب هوب اللي هو شي بينكتب كتب عليه وما حدن عاطيه كامل اهتمام. الطريقة اللي انفجر فيها مشهد الهيب هوب بين مصر ولبنان وسوريا بتعطي كمان نوع من التوثيق للحرب الأهلية السورية والربيع العربي والثورة المصرية… إلخ. بعتقد إنه كتير مهم إنه حد يدرس علاقة انفجار المشهد في لبنان ومصر بشو عم يصير سياسيًا.

دي نقطة مهمة، عشان أنا بحس إنه في تعالي على ربط الربيع العربي بأي تغييرات حصلت في الموسيقى بالمنطقة. هل انت بتشوف الربيع العربي واللي حصل في المنطقة ليه علاقة بتطور المشهد؟

أنا شخصيًا بلاقي إنه إيه. يعني مثلًا مشروع ليلى ما بيكونوا ظاهرة عالمية لو ما بيكون في الربيع العربي. الربيع العربي ما هو ظاهرة سياسية، هو ظاهرة اجتماعية. حبسطها كتير، يعني مثلًا مشروع ليلى كتير سمحوا لشباب صغار بالعمر يللي عندهم ميول مثلية إنهم يقبلوا هالشي بنفسهن ويعلنوا عنه. الهيب هوب صار فيه تطورات هائلة حتى لو الكلمات مش سياسية. يعني العلاقة مش شرط تكون مباشرة بس بشوف إن العلاقة قوية. ما عم بحكي بس عن لبنان، عم بحكي عن مصر وسوريا. لما بلشت الحرب الأهلية بسوريا تلات أرباع الموسيقيين السوريين هاجروا على لبنان. صعب نعرف اليوم تأثير هيدا الشي على الموسيقى التجريبية اللبنانية، بس مثلًا الجيتارست تبع فريق طنجرة ضغط صار يلعب مع فريق الأطرش اللي هو فريق هيب هوب لبناني وصار يلعب كمان مع زيد حمدان. خالد عمران اشتغل جاز مع جاز تريوز بالحمرا والأشرفية، وبيلعب كمان مع عزيزة يا اللي بتغني بوب عربي وكمان لعب في مترو المدينة مع عبد الكريم الشعّار اللي هو بيغني طرب. صار فيه نوع من الخلطة. مترو المدينة كان أول مكان يلعب فيه إسلام شيبسي بلبنان يللي هو كمان ظاهرة كتير مهمة بالموسيقى الشعبية والموسيقى الشعبية هى نوع من التعبير عن الكفاح الشعبي اللي متعلق بطريقة ما بالربيع العربي. يعني حد مثل إسلام شيبسي ما كان فيه يصير بنفس الشهرة لو كان طلع من خمستاشر سنة. ممكن أكون مخطئ بس هيدا انطباعي.

طيب مع تدهور الربيع العربي هل بتشوف إنه له تأثير سلبي على الإنتاج الموسيقي البديل بالمنطقة؟

سؤال صعب. بس أنا بحس إنه فيه نوع من الركود، أنا بعتقد إنه صار له زمان ما في شي مهم موسيقيًا وجديد، شي بيغير. المشهد وصل للقمة في الألفين و١٤ بس بعدها صار فيه نوع من خيبة الأمل والإحباط، بفتكر خيبة الأمل اللي صارت على المستوى الشعبي والاجتماعي والسياسي ترجمت موسيقيًا بحالة ركود.

طيب إيه هي الصعوبات اللي بتواجه المشهد من حيث التراخيص وتنظيم الحفلات والجهات الرقابية؟

ما فيه صعوبة عندنا إننا ننظم حفلات وهو شي كتير هيّن على مستوى الموسيقى البديلة والتجريبية والإلكترونية، لأنه الجمهور ما هو كبير كتير بحيث الأمن العام ينتبه لك، انت ما بتخلق موجة أو بتعمل شى ملفت للأنظار. فإذا الكونسرت بيجي فيه من ١٠٠ لـ ٢٥٠ شخص ما راح تفرق مع حدا. لما بتكون بتحكي عن مهرجان مثلًا بيصير أصعب.

أنا صار لي عشر سنين عم أنظم حفلات واللي عم بيجوا هم نفس الـ ٢٠٠ – ٢٥٠ شخص. الأعمار متغيرة، حاليًا فيه أكتر صغار بالعمر. أفتكر هيدا راجع إن بيروت مدينة زي ما بيقولوا بارتي تاون، الناس بدهم يتسلّوا وإذا معهم شوية مصاري بدهم يصرفوهم عشان يتسلوا. الناس بدهم يتعرفوا على ناس، والموسيقى الإلكترونية والتجريبية مش اجتماعية، فيها بدنا نقعد ونتسمّع ونركز. بس الفرق أو الموسيقيين الأكتر انتشارًا زي فرق الروك ممكن نقول ١٥٠٠ – ٢٠٠٠ شخص وهي موسيقى كتير مسلية.

طيب إزاي عدد الجمهور الصغير بتاع الموسيقى الإلكترونية والتجريبية ممكن يكبر؟

بدك تبيعهن الحفلات أحسن وبطريقة مختلفة، مسألة دعاية أكتر، بدك فيديو. لازم تعمل فيديو كتير سكسي وتنزله وتسوقه على يوتيوب وإنستاجرام وفيسبوك وهيك. المشكلة مشكلة تسويق، وأنا عندي هالمشكلة مع فادي عشان ما بنشتغل ماركتنج.

المشهد الصغير ده قائم إزاي؟ بمجهودات ذاتية ولا منح ولا فيه بزنس؟

كله ذاتي. المنح بلى، إذا في بالموسيقى طابع عربي كتير قوي. يعني آفاق إذا ما بنقوللهن إنه بدنا نعمل تعاون بين مصر وتونس ولبنان ما بيعطونا منحة. من ناحية تانية أنا مش عم بعمل بزنس، لا أنا ولا فادي طبال (تيونفورك) ولا شريف صحناوي (مهرجان ارتجال). بس إذا بنتكلم على الروك صار فيه بزنس موديل.

بالنسبة للمنح إلى أي مدى ساعدت المشهد في لبنان؟

المنح كتير ساعدوا الموسيقى البديلة والتجريبية بلبنان. ساعدوا مثلًا مهرجان ارتجال، لإن ارتجال كتير أحيانًا عنده مشاريع فيها هادي النكهة العربية الشرقية، والمنح بيحبوا هادي النكهة وبالتالي كتير بيساعدوه — هيدا حقهن، يحبوا يللي بدن يعني. أنا كراپتشرد قدمت على آفاق أربع مرات ولا مرة بيجيلي مساعدة. بس في نفس الوقت الراس لما قدم على آفاق كي ما يشتغل مع فنانين هيب هوب بالمنطقة، جا له مساعدة. يعني أنا بلاقي الشي هيدا عظيم. بس الراس عم بيحكي بالعربي وعنده قضية، ولما يكون فيه قضية وهادي القضية بالعربي يصير أهين إنك تحصل على منحة. في نفس الوقت مشروع موسيقي مثل ملايين لشربل هابر ورائد ياسين وخالد ياسين حصل على منحة من المورد الثقافي، ليه؟ عشان تلاتهم من لبنان ومن عوالم موسيقية مختلفة وعملوا تريبيوت Tribute لعمر خورشيد. بس أنا كرابتشرد مستحيل أقدم منتج عشان يليق بالمنحة، وين الفكرة؟ بفضل أدفع من جيبي. معظم الأوقات عم بقدم موسيقى أمبينت وإلكترونيك من لبنان لجمهور صغير وبالكاد عم بقدر أطلّع الموسيقيين من لبنان وبالكاد عم بقدر أقدم حفلة برات لبنان، فأكيد ما راح أتوقع إن حدن راح يجي يقلي “إيه خد مصاري لتعمل فاينل ما راح حدن حيشتريه” عارف كيف؟ ما بزعل، أنا بعرف إن المنتج تبعي صعب.

فيما يخص الموسيقى الإلكترونية والتجريبة، البعض بيقول إنه مافيش مشهد، لدرجة إن المقولة دي تحولت لكليشيه، حتى في الأوقات اللي كان فيها حركة أكتر وأماكن أكتر الناس بتلعب فيها مزيكا. الكلام ده بيتم ترديده عشان دايمًا فيه مقارنة بيننا وبين نفس المشهد ده في مدن أوروبية. مقارنتنا ببرا أنا بشوفها مش عادلة، بس أفتكر إن بلد زى لبنان المقارنة بيها أسهل. فهل نقدر نقول إن بيروت فيها مشهد للنوع ده من الموسيقى؟

أنا بلاقي إن ببيروت ما في إلا مشهد. لبنان هي مشهد ومشاهد فرعية. وبلاقي إن في مصر في مشهد. في مشهد كان راكز على محمود رفعت وشركة ومهرجان ومكان ١٠٠ نسخة، وبعدين صار فيه فِنت وموقع مثل معازف مجلة الموسيقى الأولى والأخيرة من نوعها في العالم وموسيقيين كتار صار يكتروا مع الوقت. أنا بشوف إنه أي عدد صغير عم يشتغل في مجال موسيقي واحد لنفس الهدف هيدا هو مشهد. بلبنان فيه عندك مجموعة عم بيشتغلوا بالموسيقى التجريبية وهالعالم كلهم بيعرفوا بعض وبيروحوا نفس الأماكن وبينظموا حفلات بنفس الأماكن، هيدا هو مشهد. بيروت هي أكتر مجموعة من المشاهد الفرعية وفيها وصلات بيناتهن.

على مقارنتنا ببرا، نحن المجتمع بتاعنا بلبنان أو بمصر متكون بطريقة كتير مختلفة. حسن الضيافة والحميمية بين البشر والفضول مثلًا مانها موجودة بأوروبا وإنجلترا وأمريكا. المجتمع الأوروبي والأمريكاني بيشجع إنه يكون فيه مساحة بين الناس ونحن العكس وزيها كتير من العلاقات الاجتماعية المختلفة. إذا بدك تحول هيدا الشي على الموسيقى ونموذج المشهد عندنا مستحيل المشهد عندنا يظبط زى المشهد ببرلين أو باريس لأن العلاقات بين الموسيقيين اللي بيكونوا هيدا المشهد مختلفة تمامًا، فبما إنه التركيبة الاجتماعية مختلفة، فبالتالي التركيبة الموسيقية على مستوى المشهد مختلفة. الداينامكس مختلفة جدًا بين العالم، بين الفنانين والجمهور، بين الموسيقيين والصحفيين، وبين الموسيقيين والموسيقيين. مشهدنا هو انعكاس لينا، انعكاس لطريقة تعاملنا بيننا وبين بعض على مستوى الأفراد.

بالنسبة لمهرجان ارتجال، كنت عايز أعرف دوره إيه في المشهد؟

هو بلّش بالألفين مع موسيقيين لبنانيين، ولمدة طويلة كان بس لموسيقيين لبنانيين. بعدين لأن مؤسسين المهرجان، شريف سحناوي ومازن كرباج، كانوا كتير يلعبوا برّات لبنان بأوروبا خاصةً بباريس، فوصّل موسيقيين تجريبيين أوروبيين على لبنان وهيدا الشي ما كان موجود قبل. طبعًا هيدا المهرجان كان فيه صراع كتير ضده لأنه هي الموسيقى مانها كتير مفهومة ولا متاحة وما كتير يحبوها العالم. بس مع الوقت اتحول من مهرجان عائلي لمهرجان دولي عنده أساس وفريق تنظيم أقوى. وهلق صار فايت بالآي كاس نتوورك للمهرجانات العالمية وهيدا كله من ورا شغل شريف سحناوي. والشغلة الكتير مهمة إنه بيعمل مشاريع تعاون بين الموسيقيين اللبنانيين والموسيقيين الأجانب وكتير صارت علاقات بين الموسيقيين وبعضهم من ورا المهرجان. ومع الوقت صار المهرجان كتير معروف لأنه فتح على أنواع موسيقية كتير مختلفة.

على سيرة المهرجانات، كنت عايز أتكلم على المهرجانات اللي بتعملها رِد بُل، هل بتساعد المشهد ولا بتضره؟ شايف الموضوع إزاى؟

فيه أشياء منيحة وفيه أشياء عاطلة. مثلًا من سنتين قدموا حفل ببيروت بشارع مار ميخائيل بمحطة قطار مهجورة. قدموا باند من كل بلد عربي ومواهب كتير حلوة، هيدا الشي كان عظيم. الشباب الصغير بيحبوا اللي عم يعمله رد بُل لإنه سكسي والشباب بينجذب للشي السكسي. من الناحية السلبية فيه كتير إكزوتيكية بإيفنت زي إلكترو زجل يللي اتنظم بمكان كتير نخبوي اسمه جراند فاكتوري، يللي بدك تمرق بتلاتة ولا أربعة باونسرز وتحجز طاولة كتير غالية، وبالتالي أنا صرت خاضع للنظام بتاع جراند فاكتوري. هيدا أول درجة، تاني درجة هي المحتوى الموسيقي. جابوا واحد عم بغني زجل وطلبوا من منتجين إلكترونيك لبنانيين يركبوا بيتس على هيدا العمل، بس كل شي مرتجل بدون أي تحضير، وما ظبط هيدا الشي. وهيدا الجزء الإكزوتيك. المشكلة برد بُل هو لما يجربوا يركبوا نماذج أوروبية وأمريكية على مشهد لبناني عربي بدون ما ياخدوا بالاعتبار طبيعة الشارع.

اتكلمت في الأول على برنامج الراديو بتاعك، قد إيه ساهم في المشهد؟

الصراحة بلاقي إنه كتير بساهم في المشهد المحلي. هو بيتقدم أربع مرات بالأسبوع ومرة كل أسبوع بيبقى فيه برنامج ساعة بس للفنانين بالمنطقة، موسيقى تجريبية ومختلفة. وهيدا البرنامج الساعة باخده زي ما هو وبحطه على موقع الإنترنت تبعي. وبهالبرامج بلعب كل الناس اللي أنا بلاقيهم شخصيًا منيحين، من ألف لـتامر أبو غزالة لـمريم صالح لمونما لعمر العبد لـيوسف أبو زيد لإلك. وبعمل برامج تكون الموسيقى فيها بس روك أو إلكترونيك أو هيب هوب. لما انفجر المشهد في لبنان وبالمنطقة وصار فيه كتير هيب هوب كمان صار فيني أكتر وأكتر أعمل برامج فيها بس موسيقى منيحة من المنطقة مش أي موسيقى وخلاص.

تمام، وزى ما قلت لي بتاخد حلقات البرنامج وتحطها أونلاين على موقع راپتشرد بتاعك. فده ينقلنا لسؤال تاني: دلوقتي الدنيا كلها وبرامج الراديو اتنقلت على الإنترنت، هل ده ليه انعكاس سلبي على برنامج الراديو بتاعك؟

أكيد، أنا كل الوقت بتسأل ليه الإذاعة ما بتعمل أونلاين ستريمنج؟ ليه ما عندك بودكاست؟ جوابي هو دايمًا نفسه، إنه إذاعة الدولة ما بدها تعمل أونلاين ستريمنج. أنا فيني أعمل بودكاست بس بعدين شو حيصير؟ بعد تلت أربع سنين البودكاست حيختفي وحيجي شي جديد محله، من كام سنة مثلًا كان فيه ماي سبايس وبعدين صار فيه ساوندكلاود وباندكامب.

بس كدة الدنيا بتتطور.

إيه، بس فيه النهاية هو برنامج راديو، هو إني أطلع على الهوا ورا المايكروفون وأقدم موسيقى جديدة. وعملت شي أكتر من هيك وأخدت تسجيل البرامج هي وحطيتها أونلاين، وأخدت من قبل العروض الحية وعملت منها سيديهات، والسيديهات هي عملت منها حفلات. أكيد التكنولوجيا مهمة وأساسية وبحاول أعمل كل اللي أقدر عليه عشان ألحّق على كل شي، الموضوع كتير سريع.

طيب إزاي بتشوف مساهمة التكنولوجيا في المزيكا في المنطقة؟ وإزاي بتتعامل مع التطورات السريعة اللي بتحصل؟

سؤال كتير كبير ومشكلة، لإنه لما بلّشت باللايبل تبعي ما كان حد عم ينتج سيديهات، أول سي دي عملته قطعت منه ألف نسخة، كان كارثة لإنه بات فيه أربعمية منهن بالبيت، تاني وتالت ورابع سي دي… إلخ طبعت منهم ٥٠٠  نسخة كمان صار فيه كتير منهم بالبيت، هلق عم بطبع ٣٠٠ نسخة. المشكلة إنه فيه كتير قرصنة وفيه كتير موسيقى بتنتشر من ورا الإم بي ثري، واليوم كتير من الناس ما بقوا مهتمين بالإصدارات المادية، اليوم الناس مهتمين إنه يبقى عندهم هادرد ديسك أو فلاش ميموري مليان موسيقى وهيدا عمل  تخفيض قيمة للموسيقى. الناس مش مهتمين إنهم يشتروا هالسي دي الرائع بالتصميم والصورة الرائعة لفنانة لبنانية شابة اسمها كارولين ثابت. ما فيه حد مهتم بالمجهود المبذول بالسي دي، وأنا كتير عانيت من هالشي وصار عندي كتير إحباط لما وصلت لدرجة إنه عندي مخزون سيديهات بالبيت وما حد بيجي على الحفلات. وكان فيه شي اسمه پايرت بيروت دُت كُم هلق مسكّر، الموسيقى موجودة عليه ببلاش. مشكلة! التكنولوجيا من هالناحية مشكلة. بس هلق صار فيه حركة إحياء للسيديهات والفاينل والكاسيت. من ناحية تانية التكنولوجيا بتجيب أشيا كتير منيحة، مثل إنه الموسيقيين مانهم محتاجين يمرقوا بلايبل أو مدير تسويق حتى توصل موسيقاهم، كتير منيح إنه فيه باندكامب وساوندكلاود وميكس كلاود. ومانّي نخبوي وماضوي إنه أقول “لأ، إنتو حيوانات لازم يكون عندكن فاينل في البيت/ وسي دي” بحاول أتأقلم مع الموجود.

طيب عشان نقفل الحديث، عندي فضول أعرف مجموعة الموسيقى اللي موجودة عندك.

فيه عندي غرفة بالبيت فيها ست لـ سبع آلاف سي دي وألفين أسطوانة فاينل مجمعة على مدى سنين. يعني بلشت أشتري سيديهات لما كان عمري ١٨ سنة، هلق عمري ٤٥ فصار لي أجمع من وقت طويل والمجموعة في وقت معين صارت كبيرة جدًا لدرجة إني وزعت وبعت كتير منها. صرت ما أحب فكرة إني أنا مقتني وعم بشتري بس حتى أشتري. أنا لسا معتز بالإصدارات المادية للموسيقى، وما بتصور إنه يكون عندي شركة موسيقى وأنا ما أشتري موسيقى، بلاقيها كتير غريبة.


التقطت صورة الغلاف تانيا طرابلسي.