.
أنظمة التوصية هي حلول حسابية للتوصل إلى أفضل أو أقرب المنتجات المستحبة لمستخدم الخدمة. على مدار العقد الأخير تطورت هذه الأنظمة حتى نراها اليوم تتوغل في أبسط اختياراتنا اليومية على المنصات الاجتماعية. في نهاية الأمر هدف المنصات الاجتماعية إقناعنا باستخدامها، فتقوم بضخ ما نريد أن نراه وتحجب عنا ما لا نريد أن نراه. مع كل يوم من استخدام كافة المنصات يجري التعرف علينا بأدق – أو بالأحرى أحرج – تفاصيلنا. ما نحب أن نسمعه في الطريق إلى العمل يوم الاثنين السابعة صباحًا أو عدد مرات الاستماع لنفس الأغنية في الساعات المتأخرة من الليل. تراقبنا بدقة للتعرف علينا، حتى أصبح يصعب علينا التمييز إن كنا تعرّفنا على الشيء عن طريق صديق مقرب أم أوحي إلينا به من هذا الحل الحسابي.
مع وصول حصة سبوتيفاي النصيب الأكبر من سوق استماع الموسيقى عبر الإنترنت، ٣١٪ في ٢٠٢٣، زاد الاهتمام بنظام توصية سبوتيفاي حتى لم تعد خطوطه العريضة سرًا. بداية من ورقة إيكو نست Jehan, T., & DesRoches, D. (2011). The echo nest analyzer documentation. Prepared by: September, 2. التي تفصل طريقة تحليل الملفات الصوتية استحوذت سبوتيفاي على إيكو نست في ٢٠١٤ وكان نظام تحليل الملفات الصوتية لإيكو نست من أحجار أساس نظام توصية سبوتيفاي. وصولًا إلى الأبحاث التي تنشرها سبوتيفاي على صفحة الأبحاث والتطوير. نملك اليوم فهمًا واضحًا إلى حدٍّ ما عن كيفية عمل تلك الأنظمة، والتي تأتي بطبيعتها بالحل الأفضل. لكن بسبب تعقيد وصولها لهذه الحلول، يصعب علينا أن نرى بوضوح لماذا قامت بتلك التوصية بعينها. يوجد اليوم عشرات الأوراق البحثية التي تحاول تفكيك صندوق نظام التوصية الأسود بمحاولة النظر إلى نتائج التوصية لفهم كيف تتم.
ألخص هنا ما نعرفه اليوم عن نظام توصية سبوتيفاي. تتعرف أنظمة التوصية على الأغنية content-based عن طريق مصدرين؛ أولًا، يجري تجميع معلومات نصية عن الأغنية مثل اسم المؤدي، المنتج، شركة الإنتاج والتوزيع، لغة الغناء، سوق الأغنية المحلي … إلخ. لإثراء رموز الأغنية النصية، تقوم سبوتيفاي أيضًا بالتنقيب عن بيانات تتعلق بالأغنية من الإنترنت مثل كلمات الأغنية، والبيانات الصحفية والمراجعات. تُعالَج هذه البيانات باستخدام معالجات اللغة الطبيعية (مثل وورد تو فِك) لمحاولة استخراج الحالة العامة للأغنية ومساعدة الآلة في فهم البعد المجتمعي للأغنية عن طريق ربطها بكلمات معبرة.
المصدر الثاني هو تحليل بيانات الملف الصوتي نفسه، وبه شقين. يقوم الشق الأول على الأغلب على استخدام نسخة مطورة من نظام إيكو نست، التي يتم فيها استخراج ١٢ مؤشرًا للتعرف على الأغنية، منها المؤشرات المباشرة كالمفتاح، سرعة الإيقاع، السلم الموسيقي، نسبة المحتوى الكلامي والغنائي. بالإضافة إلى مؤشرات أخرى متطورة كمؤشر الحيوية Energy الذي يعبر عن مستوى طاقة الأغنية. فمثلًا الأغاني السريعة الصاخبة تسجل قيم أعلى في المؤشر مقارنةً بالأغاني البطيئة الهادئة. هناك أيضًا مؤشر التكافؤ valence الذي يقيّم الأغاني على مقياس خطي بين سعيد / مبتهج أو حزين / كئيب تعرض سبوتيفاي تعريفها لمؤشرات تحليل الملف الصوتي على واجهة البرمجة: https://developer.spotify.com/documentation/web-api/reference/get-audio-features.
أما الشق الثاني يقوم بفحص مقاطع الملف الصوتي ليحلل نقلات وتقسيمات الأغنية، ويفكك المقطع إلى مشتقاته. تستخدم هذه البرامج عادةً تحولات مفاجئة في تسلسل صوتي ما للكشف عن نهاية مقطع وبداية مقطع آخر. يكشف هذا التفكيك بطبيعته عن نوع محدد من المقاطع أو النقلات ويهمل نوعًا آخر تعرض الورقة في الرابط أهم التحديات التي تواجه برامج تحليل ملفات الصوت ومناقشة حلول مقترحة لمواجهة تلك التحديات: https://transactions.ismir.net/articles/10.5334/tismir.54#3-current-trends-and-open-challenges. يمكّن جمع تلك البيانات للآلة من تحليل الملف الصوتي واستخراج مقاييس حسابية لجنرا أو حالة مزاجية ما، وإن كانت متحيزة لافتراضات الآلة.
تقوم المنصة بمراقبة اختيارات المستخدم عادة ما يتم التفريق ما بين الاختيارات الصريحة والضمنية. فمثلًا عملية استماع لأغنية لمدة زمنية بدون انقطاع يمكن أن يكون مثالًا على اختيار ضمني بالاعجاب. قيام المستخدم بحفظ أغنية في قائمته الخاصة مثال على اختيار صريح بالإعجاب. عليها وتفاعلاته مع الأغاني والقوائم للوصول إلى توصيف دقيق لنوع المستخدم على حسب أنماط استماعه. إن كان المستخدم يترك قائمة الأغاني تعمل في الخلفية لجلسات استماع غير منقطعة أم يتفاعل مع المنصة بحيوية للبحث عن أغانٍ وفنانين جدد، فتجد المنصة فرصة لتحويل حركاته عليها لبيانات تخدم الخوارزمية في الوصول لتوصيات. ثمن قليل مقابل مد لا نهائي من تجارب موسيقية شخصية ومخصصة. يتم توصيف المستخدمين على أسس مختلفة، منها الفنانين أو الأغاني أو الجنرات أو الحالات الأكثر استماعًا، وبيانات حفظ الأغاني ومتابعة تفضيلات مستوى شهرة الأغاني والفنانين وتفضيلات أخرى ديموغرافية وجغرافية.
كانت تعتمد المنصة في السابق على نسخة تقليدية من أنظمة التوصية التعاونية collaborative filtering، والتي، باختصار، تقوم بتوصيف المستخدمين والأغاني لكتل وتحليل أنماط التفاعل بين تلك الكتل. تتنبأ بتقدير ما أن الأغاني الأقرب للكتلة التي أنتمي لها تمثل أحسن توصية. يمكن بالطبع تطوير نوعية مصفوفة التفاعل المستخدمة. فمثلًا استخدام أنماط الاستماع الكامل أو الحفظ فقط قد لا تكون كافية للتوصية بسبب مشاكل البداية الباردة cold start: يُشير المفهوم إلى الصعوبة التي يُواجهها نظام التوصيات عندما يتعرض لمُستخدم جديد أو لمحتوى جديد لم يسبق له التعامل معه. في هذه الحالة، يجد النظام صعوبة في توصية المحتوى المناسب لهذا المستخدم الجديد..
ابتعدت المنصة عن تلك الطريقة في ربط المستخدمين بالأغاني واتجهت لاستخدام القوائم الموسيقية كمؤشر أقوى لربط المستخدم بأغاني القوائم. لا تجد المنصة نقصًا في عدد القوائم، التي يبنيها المستخدمون، لتشكل نواة تمرين نظام توصيتها لفهم علاقات الأغاني والمستخدمين. عن طريق دمج كل المعلومات السابقة، مثل ربط الأغاني سويًا عن طريق تحليل ملف الصوت والمحتوى النصي واستخدام القوائم الموسيقية كإشارة لعلاقة الأغاني ببعض وبالمستخدِم، تقوم سبوتيفاي ببناء عائلة من أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تصل لحل لتلك العملية الحسابية لكن لا تستطيع شرحه.
بالرغم من إشارة بعض الأبحاث بأن المستخدمين يقومون بحفظ أقل من نصف التوصيات التي تقترحها المنصة، تظل التوصيات المخصصة وقوائم سبوتيفاي أهم عناصر رواج المنصة. تتيح لنا سبوتيفاي الحصول على بعض المعلومات التي تحتفظ بها عن قوائم التشغيل والأغاني في المنصة. من أجل فهم عملية الانتقاء وتوصية الأغاني ونوعيتها، أستخدم في الجزء القادم واجهة سبوتيفاي للبرمجة. أقوم بمقارنة بين نوعين من قوائم الموسيقى، بالإضافة إلى نوع ثالث أقدمه لاحقًا.
النوع الأول هو ألجوتوريالز Algotorials يأتي المصطلح من كون القوائم تستخدم خبرة المحررين في سبوتيفاي بالإضافة إلى نظام التوصية معًا algorithim+editorials والتي تُعد قوائمَ مختارةً مسبقًا من فريق تحرير سبوتيفاي ويقوم نظام التوصية بعرض مجموعة منها للمستخدم بناءً على ملف تعريفه. النوع الثاني قوائم من عروض شهرية لأشخاص ذوي خبرة في النوع الموسيقي، أو فنانين على محطات البث عبر الإنترنت editorials. تقوم هذه القوائم بالدور التقليدي لمحطات الراديو لإبراز آخر التطورات والاتجاهات في النوع الموسيقي. يمثل النوعان من القوائم اتجاهين في البحث عن الموسيقى؛ طريقة تستخدم نظام التوصية بالإضافة إلى تحرير جزئي، والنوع الثاني قوائم محررة بالكامل. أطلق على القوائم الأولى قوائم سبوتيفاي، والقوائم المحررة بالكامل قوائم الراديو في باقي المقال.
أحاول أن أحاكي تجربة مماثلة لمستمع يحاول أن يتعرف على موسيقى جديدة. اخترت جنرا الراب لكونها جنرا عامة بشكل كافي، حيث يكون سهلًا أن نجد قوائم عديدة تبحث عما هو جديد في هذه الجنرا. اخترت قوائم مثل راب كافيار والراب ميكس قائمة الراب ميكس هي قائمة من نظام التوصية بالكامل لكن تم تجميع البيانات عن طريق إنشاء حساب جديد لعزل تأثير الاختيارات الشخصية. وراب إنجلترا وراب ريوايند. تسجل هذه القوائم مجتمعة حوالي ١٧ مليون إعجاب على سبوتيفاي. استخدمت لقوائم الراديو ٢٠ عرض من متخصصين في موسيقى الراب من شهر يناير وفبراير ٢٠٢٤ من على راديو إن تي إس بالإضافة لقوائم باند كامب لأحسن أغاني الهيب هوب في ٢٠٢٣، تمثل هذه القائمة تقريبًا ذوق متخصصين في الجنرا. تم تجميع هذه العروض على قوائم سبوتيفاي واستخراج معلوماتها من واجهة سبوتيفاي للبرمجة.
بالنظر إلى الأغاني في القوائم فنرى في قوائم سبوتيفاي نسبة أكبر من أغاني لفنانين معروفين مثل كندريك لامار، جونا، دريك، في حين نرى نسبة أكبر من أغاني فنانين أقل شهرة على قوائم الراديو مثل سبايس جوست برب وجلوك٤٠سباز ويونس. تتشارك القوائم في أقل من ٣٪ (٥ من أصل ٢٢٠) من مجموع الفنانين. حين يتفق نوعا القوائم على فنان، تختلف نوعية الأغاني المختارة فمثلًا نجد ٦ أغانٍ لدريك في قوائم سبوتيفاي مقارنةً بأغنية واحدة فقط له – أقل شهرة – في قوائم الراديو. يمكننا بشكل عام أن نمثّل الأغاني المختارة في قوائم سبوتيفاي بأنها أغانٍ تتبع معايير الصناعة في جنرا الراب في مقابل أغاني قوائم الراديو التي تمثل في أغلبيتها أغانيَ من فنانين جدد أو فناني استوديوهات منزلية بشكل عام.
إن قمنا بالترميز للأغنيات بمقاييس رقمية وقارنا بينها بناء على الملف الصوتي وحده لا نرى فروقًا ضخمة بين مؤشرات درجة العلو والرقص والحيوية (شكل ١ اللوحات A,B,C). بالنسبة لدرجة العلو نرى أن أغاني قوائم الراديو تنخفض بـ١.٥ ديسيبل مقارنة بأغاني قوائم سبوتيفاي. متوسط مؤشر الرقص أيضًا أعلى بنسبة صغيرة في أغاني سبوتيفاي، في حين متوسطات مؤشرات الحيوية متقاربة. ما يشير إلى ما تكرر على مدار العقد السابق بسهولة حصول فنانين خارج إطار الصناعة المتعارف عليها على ديناميكية صوت الاستوديوهات الكبيرة.
بنظرة أقرب لمؤشرات الملف الصوتي، نرى أن موسيقى قوائم سبوتيفاي تعطينا نظرة متوقعة لموسيقى الراب التقليدي. نسبة عالية من المحتوى الكلامي مصحوبة بنسبة أقل من استخدام الآلات التقليدية (السامبلز في حالة الراب) ونسبة منعدمة من احتمالية أن تكون الأغنية مقطوعة آليّة فقط. تنجح هذه القوائم في مد المستخدم بموسيقى راب بالمعنى التقليدي لها.
في المقابل لا نرى نفس الصورة التقليدية للراب من أغاني قوائم الراديو. تشير الثلاث مؤشرات لنسب أعلى من المحتوى الكلامي والموسيقى واستخدام الآلات التقليدية (شكل ١ اللوحات D,E,F). ما يوحي بأن المستمع ربما يحصل على تجربة سمعية مختلفة في سبوتيفاي مقارنةً بعروض الراديو. مثلًا نرى أغنيتين لـ ليل أوزي فرت في النوعين، رغم أن كلاهما يمثلان أغاني راب بمحتوى كلامي على طول الأغنية، لكن في أغنية فاير ألارم من قائمة الراديو نسمع صوتًا أحدث يكون صوت الرابر فيه مضغوط ومشوه فتسجل ٠٫٠٣ في مقياس المحتوى الكلامي مقارنة بأغنية تونتي مينت، من قائمة سبوتيفاي، الأقرب بالمقارنة لصوت صناعة الراب الحديثة، إذ تسجل ٠٫١٢.
يعاد تعريف الأنواع الموسيقية بشكل دائم، وإن التزمت سبل التعبير بأشكال تعبيرية لفترة ما فسرعان ما تعيد تعريف نفسها لأنماط معاصرة. بالنظر فقط إلى مؤشرات الأغنية، قد تعطي قوائم الراديو المستمع تجربة أكثر ثراء في النوع الغنائي. بالنظر في مستوى التباين لمؤشرات أخرى، كسرعات الإيقاع أو ميزان الأغنية (شكل ٢) فتشير البيانات بأن قوائم الراديو بها تفاوت مقارنة بقوائم سبوتيفاي. يمنحنا مقياس التكافؤ إشارة أخرى لنوع تجربة الاستماع. يحاول مقياس التكافؤ تصنيف الأغاني رقميًا بين إيجابي / سعيد / مبتهج أو سلبي / حزين / غاضب بناءً على تحليل الملف الصوتي. يشير الرسم بوجود اضطرابات أقل في المزاج العام في قوائم سبوتيفاي التي تهدف بشكل أساسي إلى منح المستمع حصة سماعية غير تائهة وآمنة.
في الشكل ٣ اللوحة A، نعرض توزيع الأغاني على محوري الرقص والحيوية. يشير التوزيع إلى أن أغاني قوائم سبوتيفاي تتميز بالتركيز القويّ في نطاق أضيق مقارنةً بأغاني الراديو. هذا يعني أنها توفّر للمستمع جرعة محددة من الحيوية والرقص أكثر من أغاني الراديو، حيث نرى هناك تباينات أكبر على المحورين.
في اللوحة B، نكمل استخدام محور الرقص لكن نعرض توزيع الأغاني مع مؤشر شهرة الأغنية يتم حساب مقياس الشهرة للأغاني بناء على مقاييس مختلفة منها عدد مرات الاستماع في فترة زمنية محددة ومرات حفظ الأغنية. على المنصة. أود أن أشير أنه ليس الغرض شرح سببية شهرة الأغنية، لا يوجد معلومات كافية لمعرفة سبب شهرة الأغنية على المنصة؛ هل وجودها على القائمة أدى إلى شهرتها على المنصة، أم العكس. في كلتا الحالتين تتبلور النقطة الأولى هنا، حيث نرى ضيق نطاق محور الرقص لأغاني قائمة سبوتيفاي مع وجود فصل واضح على محور شهرة الأغنية.
نرى هنا ما تنبأنا به في أول المقال، أن قائمة سبوتيفاي تخلق تجربة استماع راب راقص بتغيرات أقل وأيضًا تسجل الأغاني نسب شهرة أعلى من أغاني قوائم الراديو. نرى أيضًا بشكل عام علاقة إيجابية بين محور الرقص ومحور الشهرة، وإن كانت هذه العلاقة أقوى في أغاني قوائم سبوتيفاي. تؤكد هذه العلاقة بأنه كلما زاد معيار الرقص للأغنية تكافأ بشهرة أكثر.
في اللوحة C، نعرض الأغاني باستخدام مدة الاغنية لنرى علاقة المدة بشهرة الأغنية. في المتوسط، أغاني قوائم سبوتيفاي أقصر بحوالي ١٨ ثانية مقارنةً بأغاني الراديو. يظهر التوزيع أيضًا مدد أغاني قوائم سبوتيفاي متمركزة حول متوسطها أكثر من أغاني الراديو التي نرى فيها تباينًا واضحًا. تظهر العلاقات أيضًا اختلافات في علاقة مدة الأغنية مع شهرتها، كلما طالت أغاني الراديو قلت شهرتها، ولكن كلما طالت أغاني سبوتيفاي زادت شهرتها على المنصة، ما يشير إلى اختلاف في مضمون الأصوات أيضًا بين القائمتين وبالتالي توحي بتجارب سمعية مختلفة.
في الجزء التالي، أضيف مجموعة جديدة من أغاني القوائم التي توصي بها المنصة أشير إلى هذه القوائم باسم Algorithm لأفرق بينها وبين قوائم سبوتيفاي المشار إليها في الأشكال باسم Algotorial.. تختلف هذه القوائم عن ما سميته بقوائم سبوتيفاي سابقًا بأنها لا تعتمد على مجموعة أغانٍ مختارة مسبقًا من فريق تحرير سبوتيفاي، وتعتمد في اقتراحاتها بشكل كلي على الذوق الشخصي للمستخدم. تظهر هذه القوائم قوة أدوات التعلم الآلي مثل الشبكات العصبونية الاصطناعية neural networks في كشف العلاقات المعقدة بين اختيارات المستخدمين والأغاني.
قمت باستخدام نفس الحساب الذي أنشأت به قوائم الراديو على المنصة فكل ما يعرفه نظام التوصية عني هو إعجابي بالأغاني في تلك القوائم. يعطي نظام التوصية أهمية أكثر لتلك الأغاني لأني أعطيته إشارة عندما تفاعلت مع الأغنيات بايجابية وقت حفظها في قوائم، ما يعني أنني أعجبت بها بدرجة عالية ولم تكن مشاركتي مجرد استماع عابر في الخلفية يفرق نظام التوصية في سبوتيفاي بين الإشارات الضمنية والإشارات الصريحة. عادة ما تتعامل أنظمة التوصية في الأغاني مع إشارات ضمنية مثل عدد مرات الاستماع، لكن مجرد الاستماع للاغنية لا يعني بالضرورة ان تقييم الاغنية إيجابي بالنسبة للمستخدم. هنا تتدخل الإشارات الصريحة كحفظ الأغنية، ما يشير لنظام التوصية بتقييم أكثر إيجابية مقارنة بالاستماع..
جمعت الأغاني من ست قوائم، أربعة للتوصية اليومية (دايلي ميكسز)، والقائمة الأسبوعية (ديسكفر ويكلي)، وقائمة الإصدارات الحديثة (ريليس رادار). استخدمت مؤشر شهرة الفنان لأنه من المؤشرات المهمة في نظام التوصيات على المنصة وتأتي أهميته من كونه متوسط شهرة أغاني الفنان التي تعكس تباعًا عدد مرات الاستماع الحديثة يعطي النظام الحسابي أوزانًا مختلفة لكل عملية استماع: عملية استماع في الشهر الحالي ستنال أهمية أكبر في حساب الشهرة عن عملية استماع من السنة الماضية.. نستطيع أيضًا من خلال فهم علاقات المؤشر مع مؤشرات الأغنية استنباط كيفية تغيّر تأثير تلك المؤشرات في مكافأة الفنان على القوائم المختلفة.
تظهر اللوحة A في الشكل الرابع العلاقة الخطية المتوقعة عندما نعرض على المحورين مؤشر شهرة الأغنية والفنان. لكننا نرى فصلًا واضحًا بين قوائم سبوتيفاي من جهة وقوائم الراديو وقوائم التوصية الشخصية من جهة أخرى. توصيات قوائم سبوتيفاي المحررة تقوم بتوصية أغانٍ ذات شهرة عالية من فنانين ذوي شهرة عالية أيضًا، ما يوحي أن مجموعة اختيار الأغاني للراديو منعزلة عن مجموعة اختيار أغاني سبوتيفاي من حيث شهرة الفنان والأغنية المختارة.
فَهم نظام التوصية ذوقي الموسيقي بناءً على الاختيارات في قوائم الراديو وسرعان ما بدأ بالتوصية بأغانٍ تظهر متماثلة مع قوائم الراديو على معظم المقاييس، أهمها مقياس الشهرة. من الواضح أن الذكاء الاصطناعي استطاع فهم تفاصيل تفضيلاتي الموسيقية فجمعني مع مستخدمين آخرين، وكتل أغانٍ أخرى، يتناسبون مع تقدير النظام لذوقي الموسيقي.
نرى أيضًا أن شهرة الفنان أعلى من شهرة الأغنية في ٧٠ بالمئة من أغاني الراديو مقابل ٥٣ بالمئة من أغاني قوائم سبوتيفاي، ما يشير أن قوائم الراديو تقوم بدور الراديو التقليدي، حيث أنها تختار أغانيَ حديثة أو غير معروفة لفنانين أكثر شهرة من أغانيها المنفردة. في المقابل نجد نموذجًا آخر لقوائم سبوتيفاي، حيث أنها توازن بين عرض أغانٍ تفوق شهرتها شهرة منتجيها أو أغانٍ من منتجين تفوق شهرتهم شهرة أغانيهم المنفردة.
ربما يلمح هذه التوازن بمحاولة سبوتيفاي لعب دورين، دور منصة راديو تقليدي لكن في نفس الوقت الحفاظ على احتمالات أعلى بوجود أغانٍ سمع بها المستخدم من قبل، وألفة المستمع بأغاني القائمة يكون معيارًا مهمًا، إن كان الغرض من القائمة هو خلق حالة من الارتباط مع المنصة وجذب المستمع المتوسط. يمكن أن يزيد ضخ أغانٍ غير مألوفة في القوائم من اغتراب تجربة الاستماع وبالتالي احتمالية الخروج من المنصة.
في اللوحة B في الشكل الرابع أوزع أغاني القوائم باستخدام عدد جنرات الفنان مقابل شهرته. بشكل عام يمكننا رؤية علاقة إيجابية بين كون الفنان متعدد الجنرات والشهرة على المنصة. متوسط عدد جنرات أغاني فناني قوائم سبوتيفاي ٢٫٩ في حين متوسط جنرات فناني قوائم الراديو ٢٫١. ما يعني أن قوائم الراديو بها فنانون متخصصون في النوع بدرجة أكبر من قوائم سبوتيفاي. تكافئ المنصة فناني قوائم الراديو بزيادة الشهرة مقابل انفتاحهم على جنرات جديدة بشكل أكبر من فناني قوائم سبوتيفاي. بمعنى آخر، التجريب يساهم بدرجة أكبر في شهرة فناني قوائم الراديو مقارنة بفناني قوائم سبوتيفاي.
في اللوحة الأخيرة C في الشكل الرابع نعرض توزيع مؤشر التكافؤ يُستخرج هذا المؤشر باستخدام الملف الصوتي فقط. الذي يعبر عن مدى إيحاء الأغنية بمشاعر إيجابية. أولًا نرى أن متوسط المؤشر لأغاني سبوتيفاي أقل من أغاني قوائم الراديو. في إشارة لما بيناه سابقًا بأن أغاني قوائم سبوتيفاي أقرب للراب التقليدي فتوحي بمشاعر ترقب، وغضب أو حزن أكثر من أغاني قوائم الراديو. أي أنه بالبحث عن الراب فإن المستمع يصادف باحتمالية أكبر في قوائم سبوتيفاي شكل الجنرا التقليدي مقارنةً بالقوائم الأخرى التي تعزز نوعًا مختلفًا من الراب به اتزان على مؤشر التكافؤ. ثانيًا، يظهر الرسم علاقة سلبية بين مدى ابتهاج الأغنية وشهرة الفنان في أغاني قوائم سبوتيفاي على عكس العلاقة في القوائم الأخرى. ما يكشف أيضًا عن ديناميكية مكافأة المشاعر السلبية، ربما نتاج ضغط مجتمعي، خصوصًا بعد الوصول لنسبة شهرة معينة.
أخذت سبوتيفاي في الآونة الأخيرة خطوات مهمة في هندسة تجربتها للخروج من كونها منصة استماع وأضافت الصفة التحريرية لتجربتها لإثراء تجربة الاستماع والمساهمة في توسيع آفاقنا الموسيقية Chodos, Asher Tobin. ’What does music mean to Spotify? An essay on musical significance in the era of digital curation.’ INSAM Journal of Contemporary Music, Art and Technology 1, no. 2 (2019): 36-64.. في هذا التقرير استُخدمت منصة البرمجة لمحاولة فهم الاختلافات في نوع موسيقي معين بين نوعين من المجتمعات الموسيقية؛ مجتمعات الأونلاين راديو ومجتمعات سبوتيفاي. وأخيرًا رأينا أيضًا اقتراحات المنصة المخصصة بناءً على الاستخدام الشخصي للمنصة. بالنسبة لمقارنات قوائم الراديو و قوائم سبوتيفاي المحررة فرأينا فيها اختلافات كبيرة في كيفية فهم كلاهما جنرا كالراب. ليس هذا غريبًا عندما نعلم أن أكبر ثلاث شركات لإنتاج الموسيقى تمتلك أكثر من ٨٦٪ من أكبر قوائم الراب على المنصة.
الممارسات الاحتكارية قصة قديمة الأزل وربما نظام التوصية مجرد انعكاس لتلك الممارسات. لا تزال نفس الأشكال الاحتكارية تهيمن على الخيال الموسيقى فتقوم بتحديد المنطق والخطوط العريضة للنوع الموسيقي، إن كانت عن طريق تحديد مدد الأغاني أو مدى ابتهاج النوع الموسيقي. بالفعل نرى اليوم العديد من المقالات على الإنترنت التي تحاول مساعدة الفنانين في تحديد استراتيجيات للوقوف على جانب الخوارزمية المشرق. لكن بالنسبة لشخص يحاول التعرف على جنرا جديدة، احتمالية وقوعه في فخ الصناعة أكبر على المنصة إن كان لا يعلم من أين يبدأ. في الجهة المقابلة، ينجح نظام التوصية في محاكاة حركة المستخدم على منصة. ربما هذا ما يدفعنا للقلق. هل ينجح نظام حسابي في معادلة تجربة إنسانية مثل التوصية بمشاعر جديدة، والتي تشكلنا على الأمد البعيد؟