.
عند صدور ألبوم بلايبوي كارتي هول لوتا ريد نهاية عام ٢٠٢٠، صُدم الكثير من جماهير الراب بصوت الريج تراب، فكانوا بين مؤيد ورافض. بين الفلوهات المتقطعة والنبرات الحادة وقدرته على التنويع فيها، وإيقاعات التراب العنيفة مع ألحان السنث السريعة، كان ذلك الصوت بلا شك ثوريًا رغم سهولة تكوينه وإنتاجه.
بعدها مرت ثلاث أعوام من التعاونات متفاوتة الجودة، تخللت التسويق الكبير لألبومه القادم بمشاركة منصات كبرى وحتى أندية رياضية جماهيرية، مثل بروسيا دورتموند الألماني. أصدر كارتي هذا الشهر وأخيرًا ألبومه المنتظر ميوزك، المكون من ٣٠ تراكًا بينها ٩ تعاونات رئيسية، ما قد يبدو إشباعًا لسنوات الانتظار.
على مدار هذا الكم من التراكات لا يخرج كارتي عن أسلوبه السهل، بل يبدي تراجعًا في عدد من نقاط قوته، وأبرزها الإنتاج، رغم مشاركة أسماء كبيرة مثل مايك دين، يي (كانيه ويست)، ميترو بومن، ووييزي.
جاء الإنتاج متوقعًا وكسولًا في معظم الألبوم، ٨٠٨ حادة، هاتس متكررة، وألحان باهتة، حتى إن احتوى التراك على مقدمة جيدة كحال إيفل جوردان مثلًا، سرعان ما تتبدد الحماسة ويتجه إلى إيقاع تراب معتاد بلا روح.
تفاجئنا تراكات مثل باك دورز، ووي نيد أول دا فايبز، التي تحيد عن صوت الألبوم، بعيدًا عن كونها تراكات كنا سنستمتع بها في ٢٠١٩ لا في ٢٠٢٥، ضمن بنية تبدو اعتباطية؛ وكأنه بهذا العدد والترتيب يبحث فقط عن ضربة على تيك توك.
نسمع أحد أفضل إيقاعات الألبوم في تراك رادار من إنتاج ميترو بومن، حيث يعود به إلى الكرانك، في حين يظهر كارتي بنبرة غير مناسبة وفلو باهت يضيّع جمالية البيت وعنفه. تتنوع نبرات كارتي على مدار الألبوم، دون أن ينجح في توظيفها في الأماكن المناسبة، عدا عن أنه يضيع ملامحها بإضافة كم هائل من الآدليبز والفوكال لاينز فوق بعضها، ما يعزز الشعور بالعشوائية.
قبل إعلان التعاونات توقّع الكثيرون وجود أسماء لها تاريخ مع كارتي، مثل دريك ويي، لكن من الواضح أنه جرى إبعادهم من مساحة الإلقاء والإبقاء على يي في الإنتاج فقط ودون ذكر اسمه، رغم القيمة الكبيرة التي كان من الممكن أن يقدموها للألبوم.
كانت فيرسات ترافيس سكوت بجانب فيرس كيندريك في جود كريديت أفضل ما في الألبوم، حيث يظهر الفرق الشاسع في القدرات بين كارتي وكل من كيندريك وترافيس في الكتابة والأداء.
كتابة كارتي في الألبوم معتادة في مشهد التراب الأمريكي، أو بالأحرى أصبحت معتادة بعد انهيار معايير المشهد بشكل دراماتيكي على مدار العشرين عامًا الماضية: قوافٍ متوقعة، سطور خالية من أي نوع من المهارات، مواضيع مبتذلة في الحديث العدمي المعتاد عن العاهرات، وأخطاء بالجملة في القوافي والأوزان؛ ما كان معديًا على مستوى التعاونات.
على سبيل المثال، توقعنا الكثير من سكبتا، ليقدم فيرسًا كارثيًا بفلو مترنح ونبرة خجولة بشكل غير معهود منه. بالطبع، اتّبع كلٍ من ليل أوزي ويانج ثج وفيوتشر حالة كارتي في الوقوع المستمر عن البيت، الطاغي على الألبوم.
حصل أسلوب الوقوع عن البيت على إقبال كبير من الجمهور الغربي قبل الرابرز، رغم كونه أحد أبرز نقاط ضعف المشهد الأمريكي. في كل تراك في الألبوم يقع كارتي من البيت مرتين على الأقل، ومع تقبل المشهد لهذا النوع من الأخطاء اعتاد الرابرز الكسل في ابتكار فلوهات والوقوع المستمر. أما في حالة عدم وقوعهم، فهم يستمرون باستهلاك فلوهات من تراكات مغمورة من راب ممفيس.
يستغل الألبوم نجاح ألبوم برات لتشارلي إكس سي إكس في مشهد البوب، ويسير على خطاه في الجماليات. يتضح ذلك في غلاف الألبوم، طريقة التسويق، قلة الجودة والتركيز على تكرار ما هو مُبتذل في مشهده، والتعاطي مع العدمية بطريقة مملة. طبعًا كحالة برات، لن يعيش ميوزك طويلًا رغم الهوس الحالي بجمالياته المؤقتة.
يمثل ألبوم ميوزك حقيقة سقوط مشهد التراب الأمريكي. الهوس بأسماء مثل كارتي، ليل أوزي، وتريبي ريد، والذين، رغم قصر فترة تواجدهم في المشهد، حلبوا أساليبهم بشكل كافي ليعفي عليهم الزمن. تنعكس هذه الحالة حتى على الأسماء غير المنخرطة في مشهد الأوتوتيون، مثل جلوريلا، سيكسي ريد، وباد بايب، وغيرهم ممن شاركوا في موجة الوقوع المتكرر من البيتات، مع الكتابة السيئة على إيقاعات مبتذلة هدفها الوحيد هز رأس المستمع.
أصبح الراب في حقبتهم يعتمد على قوة الإيقاعات وعنفها، دون النظر إلى مدى استهلاك تركيبها ودون البحث عن بديل طازج. على العكس، توجد رغبة واضحة في حلب التراب إلى آخر قطرة بجنرات فرعية لا تختلف كثيرًا عن الأساس، أو العودة إلى جنرات وأساليب سابقة مستنفذة وحلبها أيضًا، كحال ألبوم إمينم الأخير، أو الاستعانة بالجيرزي والممفيس والبايلي فنك في فترات سابقة من العام الماضي وقبله.
للأسف، يوجد انسحاق نسبي في مشهد الهيب الهوب العربي لهذه الجماليات، دون تحليل واضح لواقعها ونتائجها. مع ضعف مؤسسي الصناعة، وخلو المشهد من بديل واعد، وعدم وضوح مستقبل الجنرا، أصبح أي جديد يجب تكراره حتى يصبح منفرًا، وأي قديم جذاب للاستعادة بغض النظر عن قابليته لذلك. يعد ألبوم ميوزك الصورة المثالية لهذه الحالة.