fbpx .
issam caviar عصام كافيار

كافيار | عصام

هلا مصطفى ۲۰۱۸/۰۹/۱۹

بفضل قِصر مسيرته التي لا تتجاوز السنتين، تسهل ملاحظة التطور المتواصل في نتاج عصام الموسيقي. يصل تطور هذا النتاج إلى مرحلة جديدة مع كافيار التي صدرت قبل بضعة أيام، بعد أن مهدت له أغنيات صادرة منذ بداية هذا العام، مثل بونأني، وبافرا بالاشتراك مع إل غراند توتو. كافيار، التعاون الأول لعصام مع نار كوليكتف مستقلة مركزها فرنسا. بدأت عملها خلال العام ٢٠١٧ أنتجت خلاله أغنيتين مصورتين لفنانين مختلفين، تفصّل بعناية ثنايا الهوية الفنية لمغني التراب الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره.

“ما بقات محبة قالها حسني، نورمال” لا تقتصر استعانة عاصم بالمطرب الأحب لقلبه، الشاب حسني، على الاستعارة الكلامية للتعبير عن إحباطه العاطفي، بل يقتبس مقدمة أغنية ما بقات محبة كعينة أساسية في اللحن، في توزيع وضعه كينغ دودو هوجو دوستر منتج ودي جي فرنسي. يعتمد عزف هذه العينة على الأورغ للخروج بصوت آلة البان فلوت مدمجًا بالإيقاع على مقام الكرد، في صيغة رائجة في التسجيلات التسعيناتية، مما يمنح الأغنية سمة الحنين قبل الإصغاء إلى الكلمات حتى. كان عصام قد عمل السنة الماضية على تراك أسماه حسني، معتمدًا فيه أيضًا على عينة صوتية من أغنية الشاب حسني أنا ندبر راسي. سجّل التراك أول محاولات عصام لدمج التراب والراي. محاولة مزج نمطين موسيقيين، أحدهما دارج والآخر تراثي، في توزيع واحد لم يعد أمرًا غير مألوف تمامًا، لكنه في كافيار يتم بسلاسة دون أن ينتهي إلى نتاج هجين رغم حساسية المزج.

الكافيار في أغنية عصام هو رمز لجميع الأشياء التي بدت له كطفل صغير باهظة ونادرة وشهية ومترفة، أما مع مرور الزمن والمسافة التي ابتعدها عن منظوره الطفولي، أصبح لأشهى التجارب والعواطف مذاق عفن بطريق ما. “وأنا عايش غريب في بلادي براني” يروي عصام بهدوء ما يبدو تجربة جيله بأكمله، يشعر بالاغتراب في مدينته التي لم يسبق أن غادرها. يدرك الشاب غزارة عواطفه تجاه من حوله: والداه، والفتاة التي أحبها ومازال متأكدًا أن الحياة معها ستكون جميلة. لكنه يدرك كذلك أنه أفسد علاقاته بكل من يحب، والآن لا يود سوى الجلوس وحيدًا في منزله. “ناري توحش ماماي / كاسا كاسا باي نايت / سكران فطريق جاي سايغ / فقلبك بابا غي ضايف / فقلبك بابا غي ضايف فاك مشتاق لأمي / كازابلانكا (الدار البيضاء) كل يوم بالليل / سكران وأنا عالطريق / في قلبك بابا أنا ضيف.”

فيديو الأغنية الذي تم تصويره في الدار البيضاء، وأخرجه إلياس غريّب، هو مثال ممتاز عن تكامل العمل الفني البصري والموسيقي، حيث يُخرج كل منهما أفضل ما في الآخر على نحو يدفعك للتساؤل إن كنت ستستطيع الإحاطة بكافة الأبعاد العاطفية للأغنية لو كان للفيديو إخراج مختلف. نفض إلياس غريّب عن الفيديو كل كليشيهات الراب، استبدل صورة الفحل الواقف أمام سيارة فيراري حمراء بثياب فاخرة محاطًا بعارضات الأزياء، ليفتتح بصورة عصام الجالس بملل على مقدمة سيارة هوندا توشك نمرتها على السقوط، وتظهر خلفه وحدة سكنية من النمط المعماري المنتشر في الأحياء الفقيرة. تتابع التفاصيل التي تغرق الفيديو بالحميمية: الوالدان المتجهمان في استديو تصوير أمام خلفية مبهرجة يعتمدها المصورون المحليون معدومو الذائقة الفنية، الحلاق الذي يعقم موسًا بنار ولّاعة، حبال الغسيل المنشورة في كل مكان، غرفة الجلوس بأثاثها الشرقي البحت، انتهاءً بتنسيق الملابس كعنصر أساسي في الحكاية.

الهدوء الغالب على الكلمات والفيديو وطريقة الغناء، والذي يبدو منبثقاً من شخصية عصام نفسها، يمتد ليشمل مسيرته الفنية. ما اتضح لنا حتى الآن هو أن المغني الشاب قد أخذ كل وقته في السنتين الماضيتين ليستكشف شخصيته الموسيقية المستقلة ويصنع أغنياته على هذا الأساس. درس خطواته بعناية، آخذًا بعين الاعتبار تفاعل متابعيه مع كل أغنية أثناء تجريبه لأساليب مختلفة. أما مع صدور كافيار، فيبدو أنه قد توصل لأرضية ستمنحه إن استقر عليها كل المساحة اللازمة للابتكار، موسيقيًا أو في أسلوب كتابته المميز عن كل السائد في مشهد الراب / التراب المغاربي أو حتى العربي.

المزيـــد علــى معـــازف