.
G I F T
هكذا كُتبت
بخط Helvetica Rounded
وبحرف G بالأسود العريض،
وإلى جانبها رُسمت علبة على شكل مستطيل
مغلّف بشريط.
كان ذلك في صف الحضانة.
ميسيز سلوى،
التي بلغت سن التأقلم داخل المؤسسة التعليمية،
جعلتنا ننطق هذا الصوت معًا
“gggggggift” مثل “ggggggg”
Gift
أربعة أشكال مصطفة،
لا معنى لأيّ منها،
إلا باختلافها عن سائر الأشكال الأخرى؛
وبمقارنة تركيبها
بغيرها من تباديل التركيب.
كالهويات.
الأحرف الأربعة تعني “ما أُعطي طوعًا من دون مقابل.”
هدية.
شكراً لقاموس الماكينتوش.
بونجور موسيو سوسور.
ليس هناك أي علاقة مباشرة
بين شكل الأحرف أو صوتها،
وفكرة “ما أُعطي طوعًا من دون مقابل.”
كلّ ما يربط اشكال كلمة gift
بفكرة الـ gift
هو عرفٌ،
وما هو العرف إلا كلمة بديلة لـ أو المجتمع أو الناس
“يلي هم ناس وإحنا ناس”
بديلة لـ “الآخرون”،
جحيم سارتر.
يكاد يكون مضحكًا انه قضى حياته برفقة الكلمات.
تعلمت أن أقول منيوك،
لكني لم أدرك معناها إلا لاحقًا.
(عرفت في ما بعد أنها تعني “الذي انتاك”، وكما أغلب مفردات الشتيمة اللبنانية، قد تستخدم لنكء الجراح والإهانة عبر الإخصاء، أو للتعبير عن عشرة الخبز والملح/الذمّ في معرض التحبب.)
ارتدتُ المدارس الخاصة للبرجوازية اللبنانية. ارتدتها مجانًا. في تلك المدارس، يتعلم الطلاب الاّ يتلفّظوا بمفردات كـ منيوك علنًا. يستخدمونها على سبيل المزاح، في السرّ. لا يؤلف طلاب المدارس الخاصة الموسيقى بالعربية، فبالكاد كان يُسمح لنا أن نتكلمها. يستخدمونها على سبيل المزاح في العلن.
لم يبقَ لي أصدقاء من المدرسة. يُسمح لطلاب المدارس الخاصة بقراءة ربيع علم الدين. رواياته الانجليزية ليست ممنوعة هنا. أمّا ترجماتها العربية، فتصلنا بصعوبة. حصّن الطبقة العاملة ضدّ المعرفة،
مهما كان الثمن.
في ألمانيا، كلمة gift تعني السمّ.
الأحرف ذاتها.
اللفظ ذاته.
آخرون مختلفون.
هنا في بابل،
أصنع لك شيئًا.
هدية.
أشفّر أفكاري
في ما يجمعنا
إشارات وأصوات واناس آخرين
أقول أغنية
تَسمع سمّ
مهلًا.
أنت الذي تفكّ الرموز.
أنت الذي تحلّها.
أنا لم أقل سمّ.
أنت الذي سمعتَ.
قلت “مقارنة تحليلية لميثولوجيا عابرة للثقافات تستهل مبدئيًا بفكر بجوزف كامبيل لتقارن المراسم الديونيسية بالطقوس التوحيدية.”
عجبي!
كلاهما يموت ثم يعود
يحوّلان الماء نبيذًا
هما أبناء الله والله ذاته
هما صنيعة الآلهة حينما تخصّب الأرض.
أقول انظر.
تسمع عبادة الشيطان.
أنت الذي خلق الشيطان وعبادته،
حددته فابتدعته.
أقول بلع.
تقولون عبدة الشيطان.
دخلت للتو باتي سميث إلى غرفتي تغنّي:
“Jesus died for our sins
But he didn’t die for mine.”
كفرٌ:
“الكلام الذي يتعرض لله أو المقدسات أو يتجرأ عليهم.”
قاموس ماكينتوش، يا رفيقي الكسول الجبار.
ما رأيك بالعلم؟
لا أؤمن بالله،
ولذلك لا يمكن أن أقبل أنني “كفرت”
أليس الإيمان شرطًا مسبقًا للكفر؟
اللغة العربية
تتميز برفضها اتباع قوانين موسيو سوسور اللغوية.
شكرًا أحمد بيضون.
عضوي في المركزية الأوروبية الأكاديمية.
يدخل براين ويلسن إلى البار حيث أجلس،
يدندن God only knows
ينظر إلي لبرهة ويسأل:
“بصق أم بلع؟”
أقول بلع
بَ
لْ
ع
تبدأ الكلمة على شفتيّ
بَ
تتبع لساني إلى سقف حلقي
لْ
ثمّ تنتهي في حنجرتي.
ع
لا يمكنك قولها دون البلع.
الكلمة هي الدالّ والمدلول معًا.
تبًا، الطعم مرّ.
أذكر خربشات محمدية
في مجلات أوروبية.
أذكر سخط الناس.
أين كان السخط هذا،
عندما أعادت المجلات العربية نشرها؟
ليست الرسوم ما أغضبكم، أليس كذلك؟
غالبًا ما تبدو لي الكتابة من تحت الثرى أسهل، حيث أترك نواياي خارج المعادلة حتى لو كنت أعرف ما هي.
أتركها مشفرة. أتركها في السراديب حيث يجلس رولان بارت وميشيل فوكو يستمنيان فيما يحدقان في جثث كل من كتب ليُقرأ فينتشيا من فكرة قتلهما كل المؤلفين باستثناء نفسيهما.
ربما يجب ألا يأتي “موت المؤلف”،
إلا عندما تستحيل محاكمته أو محاكمة موته.
أتوقف للتساؤل عن الفرق بين انتحار المؤلف، في سبيل القارئ وقراءته،
وقتله، في سبيل القارئ وقراءته
ربّما على الجمهور الموت أيضًا.
أو ربّما ينبغي ألا تتم أية محاكمة.
ربما المحاكمات كلها مجرد مهزلة.
ربما على المؤلف أن يموت،
وكذلك القارئ،
ربما ينبغي للقراءة وحدها أن تبقى.
ربّما تتطلّب القراءة قارئًا ومؤلفًا، ولا قيمة لما أقوله الآن.
طب إخرس يا خول.
أفكر في جثمان والدي العاري على طاولة الرخام يغسله الشيوخ فيما العيون المبتلة تنظر ولا ترى. بدا جثمانه العاري جديرًا بالاحترام بطبيعته. غُسل الجثمان وعُطّر ورمي أرضًا وطُمر بالتراب. هي طقوس تطهير الجسد بالتربة اللعينة، وليمةً للديدان.
ساعاتٍ قبل وفاته، أمكث في السرير إلى جانبه في انتظار ما يشبه الوعي ليصلح دهرًا من الصراعات الأبوية. جلست عمتي قرب السرير تقرأ القرآن لساعات دون توقف، تهدهدنا بأنفاسها التي تختلط فيها أحرف “السين” بغصاتٍ وتنهدات. في لحظة ما بدت الترنيمة وكأنها وصلت إلى خاتمتها فرفعتُ عينيّ نحوها فقالت: “غطِّي بطنك، في ملايكة بالغرفة. جايين من شان أبوك، مش ضروري يشوفوا عارك.”
قلت “بيي عم بيموت. إذا الملايكة عندهن مشكلة مع بطني خليهن يبرموا وجهن.” لم تجِب.
بعد ساعات قليلة، توفّي بين ذراعيّ. لم يكن في الغرفة، لا عمات ولا ملائكة.
أذكر الزيارات إلى بيتها التي فُرضت على طفولتي في الأعياد الدينية. لوحات من الخطّ الإسلامي في كل مكانٍ ورفوف كاملة من كتب الفقه. حتى أنها كانت تملك مجسمات سخيفة للكعبة.
لا أذكر إني رأيت زنديها أو كاحليها. كانت تحتجب بمعطف أسود أو كحلي داكن. لم يكن ممكنًا أن يرى ذكرٌ كاحليها حتى لا يهتاج هيجانًا مبينًا.
كان علينا أن نخلع أحذيتنا عندما نزورها كما كنا نفعل عند دخول المسجد. لذلك كان علينا التأكد من أن جواربنا غير ممزقة خوفًا من فضح بابا ووضعه المادي أمام العائلة. الأحذية القذرة قد تنجّس وتسمّم تواصل المرء مع الله أثناء الصلاة حتى ولو كانت أحذية جديدة اشترتها لي أمي لهذه المناسبة تحديدًا.
قالت أمي هدية. هم قالوا سمّ.
في الحياة الحقيقية، أو ربما الفعلية، نحن نلبس أحذية. لعلّ الحياة نفسها نجسة. نجاسة.
أفكر في جسد علياء المهدي العاري إلا من جوارب مزركشة وحذاء أحمر على كرسي صغير. نُبذ جسدها. صرختم فتوى. ما الذي يخيفكم في كسّها؟ فهنا عاملتم الجسد وكأنه بطبيعته يستحق الازدراء. لوّثتموه وشتمتموه ورميتموه في عالم طاهر بعد أن غطيتموه بالتراب. هي طقوس تلويث الجسد، وليمة للديدان.
تقولون جمهور الحفلات،
أقول طاقة سياسية.
لقد جعلوا لتوّهم مسؤولًا
سياسيًا
يتراجع عن قرار منعٍ.
الآن أنظروا في عينيّ وقولوا إن الموسيقى ليس بإمكانها تغيير العالم.
قولوا إنترنشطاء.
قولوها.
إ مثل نشطاء
في حفلة الأمس طلب مني نيتشه اوراقًا نقدية. أعطيته مئة دولار مدركًا استحالة استرجاعها. ماهرٌ هو في جعل أصدقائه يدفعون عنه ولكننا لا نأبه. نظرت إليه يلف العملة كقشة طويلة. أخرج من بعدها هويته ورسم خطوطًا رفيعة على رخام الحمام يخطط بها ضوءًا وظلًا. عرض علي بعضًا منها ولكني رفضت فعقد حاجبيه مستنكرًا: ليش؟
شرحت كيف أنه لا يمكنني المخاطرة في التعاطي لأن للشرطة باعًا في تلفيق قضايا مخدرات للّواط وأنهم سيستغلون تحليل دمي لتشويه صورة العلمانيين والمتحررين الكويريين والنسويين والاشتراكيين والمقاطعين وكل من برأيهم يجب أن يُرمى خارج الصورة. سيستغلونني ليشوهوا الآخرين حتى لو كنت لا أمت لهم بصلة.
قال تمام
“المصاري بتضحك” قلت فيما كان يشمّ زيحًا بحركة مسرحية عنيفة قلما رأيتها خارج أفلام البورنو. “كلنا منستعملها دون تمييز. المصاري اللي بايدك هلق، ما بتعرف شي عنها. ما بتعرف إذا قبل ما توصلك، كانت بين إيدين مجرمين، تجار بشر، متحرشين بولاد، بين إيدين جندي إسرائيلي سرقها من جيبة فلسطيني بعد ما طخّه على الحاجز. بركي كانت وحدة بين مية مثلها مدفوعة لمهربين الكيبتاجون؟ بركي استعملوها تيدمروا حلب؟ ما منسأل المصاري عن ‘أخلاقها’ أو عن تاريخها، بس فرقانة معنا شو فيها تعملنا.”
قال تمام فيما أعاد تمسيد العملة، وقبل أن يعيد طويها ليضعها في جيبه قرأت: In God We Trust.
قلت تمام.
وخرجنا من الحمام الى الغرفة حيث كانت الملكات يرتدين زي دوروثي ويغنين Ding Dong the witch is dead.
أخذت صورة الغلاف من مدونة شُت أُف ويسكي. الستنسل في الصورة صممه ورشّه حامد أيام دراسته في الجامعة. كُتب النص بالإنجليزية ونقله للعربية حامد سنو وزينة حلبي.