.
كتب محمد أشرف هذا المقال لمعازف بالإنجليزيّة، وترجمته براءة فاروق.
تتكون الموجة الصوتية من صعودٍ وانحدارٍ مستمرَّين، حركة ضاغطة في وسطٍ ما في دورة من الانقباض والانبساط. تهتز أجهزتنا السمعيّة استجابةً لهذه الحركة، منقبضة ومنبسطةً بدورها كحال هذه الموجات. من النادر أن تحاكي الموسيقى، خاصةً البوب المعاصر، هذه الحركات الدقيقة؛ ولو نظرنا إلى أغنية أو أداءٍ ما من بعيد للاحظنا نبضات متتالية تتحرك وفق إيقاعات وأنماط أكثر استقرارًا. بهذا المعنى، تعكس الموسيقى استمرارية الحركة العادية: المشي، الركض، القيادة بسرعة ثابتة؛ وتركّز على الصورة الكبيرة بدلًا من التفاصيل الدقيقة.
في إصدارهما الأول لاتيسس، اختار المنتجان اللبنانيان جاد عطوي وأنطوني صهيون (إن بي) الاستغناء عن الأنماط المستقرّة هذه، وإزعاج الصورة الكبيرة عبر تفاصيل مجهرية ليخلقا نسيجًا من التراكيب الصوتية والمزاجات الغنية والمتطورة باستمرار.
تتضح أساسات مشروع الثنائي منذ تراك المقدمة (الإنترو). تواجهنا جليتشات مجهرية آخذة بالانقباض والانفراد، وموجات متكسّرة من سنثات منزلقة تفسح الطريق لاحقًا لكوردات جميلة. يقدّم الثنائي صوت المشروع إذًا خلال أقل من ثلاث دقائق ويلتزمان به إلى مدىً بعيد خلال باقي الألبوم، ليعكسا خلال التسجيل اضطراباتٍ واسعة النطاق عصفت بلبنان تحديدًا والعالم عمومًا خلال العام الأخير. بفضل طريقة بناءه، يبدو الألبوم متمكنًا من عكس هذه الظروف وتأملها.
نتابع توسع وانقباض ضربات ميكانيكية دقيقة وجليتشات شبيهة بطقطقات مقطوعة تِست باترنز لـ ريوجي إيكيدا؛ تتحايل هذه الأصوات على تلقينا للوقت وتنتقل من “اللانهائية إلى أصغر انقسام زمانيّ ممكن” كما يصفها كرتيس رودز، وكما درسها مارك فِل في أطروحته عن الأعمال في اشتقاق الصوت والأنماط، وفي الألبوم المصاحب للأطروحة مالتي-ستابيلِتي. كما تذكّرنا محاكاة الثنائي لانتشار الموجة الصوتية بآخر أعمال جوشوا يوستيس تحت مشروعي تلفون تل أبيب وسكند وومان. يمكن سماع هذا التأثير بوضوح في إيريدِسِنس، خاصةً مع الفلتر الرنّان الذي يعزز العنصر الإيقاعي في التراك. ما يميّز إن بي على كل حال هو حضور مستمر لفكرة الصورة الكبيرة، التي تضع العناصر الميكانيكية في سياقها عبر بادز رقيقة وأصوات عَرَضية تظهر كلّ حينٍ وآخر.
هذا الإحساس بالسياق مهم للألبوم ولمفهومه. تذكرنا السنث بادز باستمرار بأن هناك شيءٌ أكبر في الخلفية، بإمكانه أن يبتلع كل شيء أو أن يصبح مصدر راحة للمستمع. تتجلى هذه الطريقة بوضوح في تراكات مثل كوينز ويذ ميموري وخاتمة الألبوم كوزميك ويلز، حيث تقود مشاهد صوتيّة من سنثات أنالوج التراكات وتخلق إحساسًا قويًا بالتباين الصوتي. تتكرر سُحب من السنث بادز في ويك إنترآكشن، تتحرك أسفلها ضربات متناثرة يمينًا ويسارًا تستحضر صورًا مأخوذة من بعيد لمدينة صاخبة متخمة بالفوضى في وقتٍ متأخر من الليل. تظهر الفوضى في بقع بسيطة لامعة تسمح لها السنث بادز بالوجود. كما يخلق الثنائي تباينًا في الخامات الصوتية، ويزوّدان التراك بحافة ناعمة يمكن للضربات المسننة أن ترتد عنها ما ينتج مشهدًا صوتيًا أكثر اكتمالًا.
أظهر كلا الموسيقيان في أعمالهما الفرديّة السابقة لمحاتٍ من هذه المشاهد الصوتية، كما في عروض عطوي الحيّة أو في الموسيقى التصويرية التي ألّفها صهيون للوثائقي القصير بيتينج هارتس. يكمّل كلٌّ منهما الآخر ببراعة في إن بي، لينتجا كلًّا متماسكًا يعكس بشكلٍ كبير اضطرابات العام الفائت. يستخدمان أنسجة صوتية وأنماطًا وحركاتٍ متباينة ﻹنتاج مقاربة للاضطراب على خلفية أكثر بطءًا وسكونًا لموقع الاضطراب. بإمكان إن بي أن يكون دراسةً لفوضى الحياة اليومية وانعدام أهميتها في الصورة الأوسع للأشياء، وفي ذات الوقت دليلًا على التوجّه المحفّز للتفكير والجذّاب الذي بإمكاننا توقّعه من أعمال لاتيسس المقبلة تُثبِت هذه الطرق المختلفة في التفسير أن إن بي تجربةٌ جذّابة ومحفّزة للتفكير، وتمثّل مقدمة جيّدة لهذا المشروع الجديد.