مش نسخة واحدة | عودة بابلو إلى داما

من بدايته مع داما وصولًا إلى مروان بابلو، فترة ما بين الغلاف وعايز فين وانتهاءً بفري، ومن ثم الاعتزال والعودة بالألبوم المصغر كنترول ثم الانقطاع مجددًا، دار فينا مروان بابلو في الأربع سنين الأخيرة حول عدة نسخ من نفسه. عاد بابلو من فترة الانقطاع بثلاثة تراكات أستطيع القول بأنها أظهرت تغيرًا كبيرًا لديه كشخصية وأداء وكتابة. بدا أن الكفة مالت إلى التخبّط عامةً، مع ظهور بعض النواحي اللافتة.

نشهد في تراك برر برر برر الذي تعاون فيه مع أبو الأنوار تراجعًا لدى بابلو من ناحية الكتابة، يقابله تطور كبير عند أبو الأنوار. من ناحية الكلمات، قد تكون هذه أسوأ فترات بابلو حتى اليوم، نشعر عند استماعنا لها أنها تراكات أمريكية مترجمة إلى العربية، وفارغة من المعاني والسياق، وحتى الإحساس، ما عدا الغضب غير المفهوم أحيانًا. كأن بابلو ملّ من كونه رابر، أو أنه يضع أحيانًا بعض الكلمات فقط لملء الفراغات مع عدم وجود مقصد واضح. 

في بربري مثلًا يقول: “عارف إنك صورم وأناني / نفسك تطلع تيجي في مكاني”، بقافية ضعيفة ومتوقعة وحشو واضح. يستمر الحال كذلك في بقية التراك، إضافةً إلى سطور مباشرة وأحادية البعد من حيث المعنى. في برر برر برر أيضًا مثال آخر على القوافي المتوقعة: “هخش بأكبر ألماظة على الحبيبة / وحبنا يولع في الدرة تقوم حريقة”. من ناحية النبرات نجد بابلو بدأ يعود إلى شخصية داما، ما جعلني أظن في بضعة مواضع من تراك راكور أنني أستمع إلى داما لكن بجودة عالية، مع بعض الاختلافات والتطورات. لا يمتلك داما تلك النبرة المميزة التي تستحق استعادتها، خاصةً أن نعومة داما لا تناسب بابلو اليوم. استعمل مروان في بعض البارات نبرة شبيهة بنبرته في تراك نسخة واحدة الناعمة نسبيًا مقارنةً بنبرته المعتادة في فترة ما قبل الانقطاع مثل كنترول أو فري. لكنه أيضًا ظهر بنبرات جديدة بعضها مميز وغير معتاد في أي من شخصياته، أغلبها كانت تميل إلى الغضب والحدة كما في بربري وراكور أيضًا.

على الجانب الآخر، أتت الفلوهات متطوّرة وقويّة، كما في برر برر برر “دست عليكو ما اقصدشي …” و في بربري “إحنا لو بالفزبة برضه هنسبق …”.  وكثير منها مميزة وتعلق بالأذهان. كأن بابلو وجد حريته بالفلوهات خارج الأوتوتيون.

بالنسبة للإنتاج لا شك في قوة هادي معمر كمنتج على مستوًى عالٍ من الاحترافية، استطاع أن يحصل على مكانة عالية في مجاله في فترة قصيرة. يختلف معمر عن مولوتوف في أن لمولوتوف صوتٌ مميز في بيتاته مهما كانت أنماطها الإيقاعية مكررة، وتستطيع أن تميزها من سماعك مقدمتها، عكس معمر الذي يمكنك ملاحظة تفوقه على الصعيد التقني كما يظهر في الميكسينج والإتقان وجودة الإنتاج، في حين تخلو بيتاته من وجود صوتٍ مميِّز يعلق في الذهن. أعتقد أن معمر هو السبب في أن بابلو ترك الأوتوتيون واتجه إلى نبرة الصوت الخام، الذي يحاول دائمًا أن تكون عنيفة وحادة؛ وهذه طبيعة أغلب تعاونات معمر مع الرابرز الأمريكيين.

بابلو الآن في مرحلة تحوّل. فلوهاته قوية في معظم الأحيان، لكن كلماته ملتبسة. لا يزال في فترة انتقالية يحاول خلالها خلق صوت جديد له، والبحث عن الخانة التي تناسبه، مع قليل من العودة والحنين إلى الماضي، وفي نفس الوقت يحاول المحافظة على مستمعيه على مدار تجاربه في اكتشاف ذاته.