.
منذ ظهوره في مشهد الهيب هوب المصري كمنتج لمروان بابلو في تراك بربري، بدا أسلوب هادي معمر مغايرًا لأقرانه في المشهد. كان أكثر ارتباطًا بالهيب هوب الأمريكي، حيث أثبت نفسه بالفعل من خلال العمل مع فنانين مثل درايك وكونواي ذَ ماشين وآخرين تحت اسم جان بلو.
حاول هادي معمر الخروج من إطار المنتج، مستكشفًا موقعه في المشهد كرابر ذي صوت خاص من خلال ألبومين قصيرين، ليبدو مترددًا في أول إصداراته ضربة برق، ثم يظهر أكثر ثقة في ألبومه الثاني ذكريات المستقبل.
يعود معمر هذه المرة بألبوم مطوّل مكوّن من ١٢ تراكًا، وبالتعاون مع أسماء كبيرة. لخطوة كهذه احتمالان؛ إما أن يسير الألبوم في عدة اتجاهات دون رؤية واضحة، أو أن يقدم هادي كرابر ذي أسلوب وتصور مفاهيمي. لا يشبع الألبوم أيًّا من الخيارين، فهو يطمح للأخير لكن دون تنفيذ قادر على ترجمة هذا الطموح؛ مع ذلك تبرز قدرته كرابر ومنتج في عدة أماكن.
يتناول الألبوم ثيمات واضحة، حيث يوجه هادي نقدًا للمجتمع المصري من حوله من خلال عدسة غاضبة أحيانًا ويائسة أحيانًا أخرى، من خلال تركيزه على ثقافة الشارع. يظهر هادي كرابر واعٍ، وهي فئة من الرابرز شبه منعدمة الآن في المشهد المصري.
تبدو نوايا هادي طيبة وإلقاءه صادق، في حين تخذله قدرته الكتابية أحيانًا، فتظهر في كثير من الأوقات إما وعظية بشكل مفرط أو منفّرة بعض الشيء. يعكس الألبوم مجموعة من التناقضات من حيث الجودة، فبينما تقصر الكتابة، تعوضها القدرة التقنية التي شهدت تطورًا ملحوظًا، إلى جانب الإنتاج عالي الجودة.
يعتمد تراك أرض النفاق على بيت تراب تحرّكه رصة درامز ثابتة مصحوبة ببايس مشوه وسنثات موظّفة بعناية تخلق بيئة صوتية قاتمة. يلقي هادي فوقها بسلاسة سطورًا محكمة ومعبرة وتبرز قدرته على صياغة لازِمات جذابة:
“في ناس كتير مستكترين، متربصين، عايزيني أسيب
يا حول الله، أرض النفاق حلال فيها حرق المحاصيل
ما فيش ملاذ ولا في طوق نجاة، عالم شمال يغري الملايين”
كما تظهر أيضًا قدرته التقنية في تراك العظمة لله بالتعاون مع خالد روسيا وزياد ظاظا. رغم قوة أداء هادي هنا يطغى عليه أسلوب روسيا وظاظا.
تبدو كلمات هادي الحلقة الأضعف بين عناصر الألبوم. في حين نجد تطورًا واضحًا في الإلقاء والفلوهات والوصلات الغنائية وصياغة لازمات قوية، تفتقر كلماته إلى العمق اللازم للتعبير عن موضوعاتها، التي تأتي تأملية دون تماسك في سياقاتها، يصاحبها تركيب جمل ضعيف بعض الشيء، كما في تراك ينصر دينك بالتعاون مع كارتمان، حيث يلقي هادي بارات عن ما يحدث حوله من عبث في العالم متسائلًا عن أهمية التعليم. بارات تحاول أن تقول شيئًا لكن تبدو مرتبكة:
“في الدنيا العبث دي ما ينفعش الطيب إطلاقًا
دي عيال فراكة، جيت ع الفرازة
هنا كله ضرب ما فيش شتيمة، ما فيش بالراحة
شاب مكجول، فـ الخلق بتفجول
خدت إيه من شنطة الدراسة والقميص المكوي”
يحاول هادي تعزيز حالة الألبوم المفاهيمية عن طريق استخدام عينات صوتية من كلاسيكيات السينما المصرية، فيما يبدو توظيفها متناثرًا بعض الشيء وفي أحيان يفرط في المباشرة كما في تراك ينصر دينك وحتة منك، حيث تتكرر في الأخير جملة فاتن حمامة لـ عمر الشريف من فيلم صراع في الميناء بشكل أكثر مما يحتمله تراك بالكاد يتجاوز دقيقة ونصف.
تعاونات الألبوم من أقوى نقاطه بعد الإنتاج، وتبرز هادي كفنان ذي حس انتقائي جيد وخيارات ترفع من جودة الألبوم. كما يجيد توظيف الفيرسات سواء مع كارتمان في ينصر دينك أو مع خالد روسيا وظاظا في العظمة لله وليجي سي وما-بين في تراك الخاتمة معكوس.
لا ينحرف الإنتاج كثيرًا عن التراب إلا في لحظات قليلة، مثل تراك العين والناس، حيث يحاول هادي التلاعب بنغمات صوته على بيت تقليلي يحتوي على إيقاعات بوم باب وتكوين صوتي أثيري. نرى أيضًا في تراك الخاتمة، معكوس، بيتًا حالمًا يرتكز على عينة غنائية هادئة يلقي فوقها كل من هادي وليجي سي وما-بين سطورًا تأملية بأداء متناغم يجعلها من أفضل لحظات الألبوم.
في تراك عالم مجنون، يأتي هادي بكلمات مكتوبة بعناية وإلقاء بفلوهات متغيرة وديناميكية، ما يجعله واحدًا من أفضل أداءاته في الألبوم. كما نشهد أحد أفضل تراكات الألبوم في دواليب بالتعاون مع بابلو، حيث يظهر التناغم الواضح بين الاثنين، إذ بينما يظهر بابلو في الفيرس بأسلوبه المتمكن المعتاد يتفوق هادي في اللازمة.
تذكرني تجربة هادي معمر كثيرًا بتجربة كانيه ويست، حيث تتشابه عدة محطات للاثنين عند النظر إلى بداياتهما. صنع هادي اسمًا لنفسه كمنتج من خلال العمل مع جاي كول ودريك وبابلو، في مقابل عمل كانيه مع كومون وموس ديف وجاي زي في بداياته، إضافةً إلى هوس الاثنين بالسمبلة ورغبتهما في تغيير ودفع حدود الجنرا. الفرق هنا، أن أول ألبومات كانيه كان بالفعل كلاسيكيًا. ما لم ينتبه له هادي في رأيي هو ضرورة اللعب على نقاط قوته كما فعل كانيه، إذ نرى في كثير من الأحيان محاولات مبالغًا فيها لإثبات شيء ما في مساحات لا يتفوق فيها.
كان كانيه واعيًا لنقاط قوته بشكل كبير، حيث كان أول ألبوماته ذً كولدج دروب أوت لعبًا على تلك النقاط، من حيث الإنتاج والتعاونات والمواضيع، وحتى القدرة التقنية كرابر. ربما كان من الممكن أن يقدم هادي ألبومًا أفضل إذا استغل ووجه تركيزه لما يجيده، وتحرك في مناطق آمنة في البداية. أعتقد أن تأثر هادي بكانيه جعله في حالة دائمة من محاولة دفع حدود نفسه والجنرا، وهذا ليس سيئًا بالتأكيد، لكنه أسفر هنا عن عمل مشتت بطموحات عالية لا أكثر.