عندما صك الناشط المناهض للحرب كارل أوجلسبي مصطلح الجنوب العالمي، الذي يشمل الدوَل التي تعيش على الهامش محدودة الدخل كثيفة السكان وفقيرة البنى التحتية، لم يتنبأ أن مصطلحه سيشكل نجدة لمن يريدون التملص من عنصريّتهم واستعماريّتهم، فبدل التراتبية في مصطلحات العالم الأول والثاني والثالث، يصبح هناك فقط دول شمال ودول جنوب، إسرائيل في الشمال، وفلسطين في الجنوب.
تتهاوى كل هذه المصطلحات عندما تعجز دول الشمال عن الهيمنة على دول الجنوب رغم كل تفوقها وسعة مواردها. في هذه الأغاني توثيق لمحطات أيقونية في هذا الصراع، أصبح فيها الشمال أسفل الجنوب.
تدمير الأمريكان والدمى الجنوبية | رعب الأنفاق في فيتنام
عندما نفكّر بالحرب الفييتنامية الأمريكية، يبرز تلقائيًا كابوس الأنفاق الذي عاشه الأمريكان منذ دخولهم الحرب في أعقاب الحرب العالمية الثانية، متحالفين مع قوات فييتنام الجنوبيّة لمواجهة قوات الفييت كونج التحرريّة في الشمال. استمر فييتناميوا الشمال في توسيع شبكة أنفاق كوتشي على مدار ٢٠ سنة، بدايةً من حربهم مع الاستعمار الفرنسي، وكانت خطّهم الدفاعي ومكان التخفّي والعيش وتخزين العتاد، كما جرى تسميم بعضها بالأفاعي والعقارب واستخدامها كأفخاخ للأمريكان.
في أغنية أُنتِجت عام ١٩٦٨ بعنوان تدمير الأمريكان والدمى الجنوبيّة، يتغنّى هوانج ليم بسخرية حول الانتصار المحتوم، واصفًا كيف سيبكي الجنرال كريتون آبرامز قائد قوات المشاة الأمريكيّة كالأطفال ليلًا نهارًا، وكيف ستتحوّل طائرة بوينج ب-٥٢ إلى رماد والدبابات إلى توابيت. شبه ليم الأمريكان بفيلٍ في مستنقع، كلما اشتدت محاولاته للخروج غاص أكثر، في تشبيه للأنفاق التي ابتلعت آلاف الأمريكان. جرى تصوير الأغنية من قبل كوبيّين وعُرضت على التلفزيون الأرجنتيني.
مقدِّمة لخيرون | خليج الخنازير في كوبا
انتقالًا إلى كوبا، نستحضر غزو خليج الخنازير، العمليّة الفاشلة التي خطّطت لها الاستخبارات الأمريكية لقرابة عام ونصف، وانتهت خلال ثلاثة أيام في نيسان ١٩٦١. قامت وقتها مجموعة من الكوبيّين المنفيّين المدرّبين على يد الأمريكان بالتسلّل إلى كوبا، محاولين قلب نظام فيدل كاسترو. رست خمس سفن أمريكيّة وهي: هيوستون، ليك تشارلز، ريو إيسكونديدو، كاريبه، أتلانتيكو، وانتشر المرتزقة على شاطئ خِيرون، لكن الجماعات الشعبيّة تصدّت لهم في زاباتا حتى وصول الجيش الثوري الكوبي.
جرى توثيق الواقعة في أغنية مقدِّمة لخِيرون للمغني سيلفيو رودريجز بأسلوب نويفا تروفا الكوبي، الذي يُستخدم للتعبير عن قضايا سياسيّة وثوريّة، ويتميّز بحضور صوت الفنان وآلته فقط:
مع الموت، كلّ شيء يصبح حقيقيًّا
فتحوا بوّابةً في منتصف نيسان
ورُسِم اسم الوطن
بروح الرجال الذين لن يموتوا أبدًا
نداء | ماكيبا وجنوب أفريقيا
لُقبت المغنّية ميريام ماكيبا بماما أفريكا، والتي نفتها حكومة جنوب أفريقيا وجرّدتها من جنسيّتها عام ١٩٦٠، لأنها كانت صوتًا حرًّا ضدّ نظام الفصل العنصري. من أهم أغانيها التي تكشف معاناة السود أغنية كاوليزا، وهي نداء بمعنى أسرِع باللغة الزوليّة، يصرخ فيه الأطفال السود لتحذير أمّهاتهم من قدوم الشرطة.
أخلصت ماكيبا لقضية الحرية في كل مكان، فقدمت مثلًا أغنية أفريقيا التي غنتها بالعربية احتفاءً بثورة التحرير الجزائريّة في ٥ نوفمبر ١٩٥٤ ضدّ الاستعمار الفرنسي:
من ضحايا الليل في الجنوبْ
من زفير الأرض والقلوبْ
من الجنوب إلى الشعوب الأفريقيّة
وبناة الحريّة في ٥ تشرين
إلى شعب الثورة المجيد المظفّر
إلى أبناء نوفمبر
إلى القائد | جينيا بيساو فييتنام البرتغال
من أهم الصراعات الأفريقية التحرريّة التي تُوِّجت بالنصر كان نضال جينيا بيساو والرأس الأخضر في الستّينات والسبعينات ضد الاستعمار البرتغالي، في حرب سُمّيت بفييتنام البرتغال. قاد الثورة أميلكار كابرال مع الحزب الإفريقي للاستقلال لجينيا بيساو والجبل الأخضر PAIGC، لكنّه للأسف لم يشهد الانتصار، حيث اغتيل في كانون الثاني ١٩٧٣.
في عام اغتيال أميلكار تأسست فرقة سوبر ماما جامبو المكوّنة من ١٥ رجل، وأصبحت من أكثر الفرق الموسيقيّة شهرة في جينيا بيساو. كانت أغلب أغانيهم مشحونة سياسيًّا، ومن أبرزها أغنية إلى القائد التي تغنوا فيها بأميلكار قائد الثورة راوين قصّة التحرر.
يا جبل صرفيت | ثورة ظفار والصوت الجماعي
من مروج جينيا بيساو إلى جبل صرفيت في عُمان، حيث خلّدت أغاني الجبهة الشعبيّة لتحرير عُمان قصة ثورة ظفار في السبعينات، والتي حاولت أن تبني خطًّا شعبيًا ليحافظ على الترابط العربي والمقاومة ضدّ الاستعمار والسلطة:
يا جبل صرفيت
يا خطّي الأحمر
يا مقابر للجيوش العميلة
هكذا نمحو عدوّ المسيرة
بالمدافع والقنابل نديره
يا ممر هوشي ويا شرق الهادر
والإيراني طاح من بايشيله
من يريد الخافي لازم يغامر
والحمولة في المواقع ثقيلة