fbpx .
بحث | نقد | رأي

“ونعيد ونعيد ونعيد”: الاستعادة الجديدة للعنة سيزيف

هلال شومان ۲۰۱۳/۰۸/۱۷

 



بقي من قصّة سيزيف، الذي خدع إله الموت، لعنة كبير الآلهة الشهيرة: أن يبقى يحمل الصخرة حتى أعلى الجبل قبل أن تتدحرج منه، ليعود يحملها ويصعد الجبل لتتدحرج منه ثانيةً ويلحقها من جديد. تستعاد هذه اللعنة مع أغنية مشروع ليلىالجديدة: ونعيد ونعيد ونعيد التي أطلقها الفريق بعد نجاحهم في تجميع المال من مستمعيهم على الويب لإنتاج وتوزيع أسطوانتهم الجديدة رقّصوك” (تجربتهم هذه، ومضمون حملتهم الإعلامية #OccupyArabPop يحتاجان مقالة منفردة).

وُضِعَت الأغنية على صفحة الفريق على الفيسبوك بعد دقائق من انفجار الرويس في بيروت، وبعد أيام قليلة على المقتلة الدائرة في مصر، لتبدو أشبه بالأغنية الخلفية للجنون الدائر، المعروف مرتكبيه في حالة حالة مصر، والمجهّل مرتكبه حتى الآن في حالة لبنان.

تركّز الأغنية على التكرار الثابت، مستعيدة عذاب سيزيف الأبدي. لكنّها لا تقف عند حالة التكرار السلبي، فالطريق الذي بدأه الفريق منذ أغنيتهم الأولى رقصة ليلى، وأسطوانتيهم، بات أكثر وعورة. النزق الجماعي في الأسطوانة الأولى (مع الحفاظ على الأنا الواضحة)، وبعدما صار خلاصًا فرديًا في الأسطوانة الثانية، انقلب محاولة أولى للكلام عن جماعة ما في أغنيتهم الأخيرة بظهور تكراريّ للنون في بداية الأفعال.

لكأنّ الجملة / الرسالة التي سبقت فيديو كليب الفريق غدًا يوم أفضل“: “إلى جيل الثورة، وجدت طريقها إلى مضمون أغنية الفريق الجديدة. هنا يُعترَف بهذا الجيل، لكنه يبقيه مموّهاً، فالأغنية رغم كونها أغنية خلفية مصاحبة للأحداث، ما تزال تركض متأخرة عن الواقع بفارق عام أو أكثر بقليل.

تبدو الأغنية أقرب للمزج بين أغنيات سابقة عدة مع إعادة التشكيل. لا يبدو ذلك ممجوجًا ويمكن صرفه، أقلّه حتى الآن بانتظار باقي أغاني الأسطوانة، في منحى إثبات هوية عباراتيّة/ لحنيّة ما للفريق. “ورصاص ورصاص ورصاصمن أغنية وجيهمثلًا تصير ونعيد ونعيد ونعيدفي الأغنية الجديدة. المزاج المرعب الانتظاري في خلفية أغنية غدًا يوم أفضليعاد إنتاجه أيضًا، مع استبدال القهقهات هذه المرة بالصوت النفيري اللاحق لجملة يجي الربيع، والإبقاء على تكرار رتيب مقصود لنغمات الكيبورد، وتصفيق الأيادي الخافت المنظّم.

في الأغنية مقطعان. فيما يبدأ المقطع الأول ببزوغ الفجر للتوقف عن عد النجوم (انتظار)، قبل أن يعرّج على حمل الصخر ورميه (إرغام؟)، وينتقل لمشهد فتح العينين إذ تذرّ فيهما التراب (مجابهة أولى)، ثم ينهي برفض أكل بعض (مجابهة ثانية)، يحتفي المقطع الثاني أكثر بالمجابهة. نقرأ عن زعزعة القفص الذي صاروه، المقاومة حتى إهلاك الخيال المحارَب، التحليق والطيران ردًا على الزحف، استحمال الشتاء ليأتي الربيع حكمًابعده.

سطور المقطعين تُخرقان بالإعادات كل مرة (ونعيد ونعيد ونعيد) قبل أن تنتقل (وتُنهي) إلى إعادات نحوَّر كل مرة في نصفها الثاني: “قل لهم لسا واقفينأو قل لهم لسا صامدينأو قل لهم لسا شايفينأو قل لهم مش جيعانين”.

تبدو هذه الـ قل لهمأقرب إلى الحديث مع من يبدو قادرًا على التواصل مع الجماعات المسبّبة لكل هذا الجنون. فالحس الجماعي المموّه الذي يروّج له الفريق للمرة الأولى في مضمون الأغاني، بقي معزولًا. هو يعزل نفسه عن المتسبّب في كل هذا، ولو طاله، ويعرّفه حتى الآن، كجماعات مجهّلة بالضمير (هُم).

وفي الأغنية، يمارس الفريق ما صار يصح تسميته بهوايته، لتكرر الممارسة بتتالي الأغنيات: استرداد الكلمات المستخدمة من سياقها السياسي الاجتماعي وإعادة استعمالها في مزاجات أخرى. هذا الاسترداد أقرب إلى الهجوم على المعاني المؤطّرة لهذه الكلمات، منه إلى تركيز وتثبيت معانيها السابقة. لكنّه هجوم لا يُهاجم، لأنه لن يُفهَم أصلاً كنوع من الهجوم عند الطرف الآخر. إنه هجوم مجهّل أيضًا.

الأمثلة على المصطلحات المستردّة تشمل الزحف، والمقاومة، والشتاء والربيع (العربيين؟). يمكن هنا مثلًا العودة إلى مصطلح الصمودفي الأغنيات الملتزمةلملاحظة التوظيف الجديد في أغنية مشروع ليلى“. يتعدّى هذا التوظيف معنى الكلام إلى الموسيقى المصاحبة له: إذ ترسم مقارنة المارشات العسكريّة في الأغاني الملتزمة، بصولوهات الكمان صورة عن الفارق بين المعنى الأول الخارج من قراءة صلبة، والمعنى الثاني الخارج من قراءة حسّية مُشخصَنة. بهذا المعنى تبدو أغنية مشروع ليلىكالصّعود من الوادي بالصخرة المحمولة إلى القمة ومن ثمّ التهاوي، والصعود مرة أخرى، فيما تأبى أغنيات المارشات العسكريّة أن تغادر القمّة.

الأغنية تروي إذًا لعنة المجابهة المستمرّة في محيط محكوم بالجنون المكرور. إنه استمرار غير مستقيل، يحاول أخيرًا تعريف نفسه، بعيداً عن الاستكانة للنّزق السلبي. وهو استمرار فردي وجماعي في آن، محكوم بميوعة مطلوبة، ضدّ جماعات تجد في الإعلان عن الضعف واليأس خيانات لصلابة هويّاتها المبتغاة.

المزيـــد علــى معـــازف