.
تزايدت مؤخرًا محاولات خروج رابرز ومنتجين من إطار التراب. في مسابقة مولوتوف للمنتجين التي أطلقها مؤخرًا رأينا العديد من المنتجين يخوضون في الدريل بعدما أضافوا عليه طابعًا محليًا بمدّه بالشعبي، مثلما حدث من قبل في التراب. ويجز أحد الرابرز والمغنيين الذين يسعون إلى التغيير، وهو أمر جيّد ومن الطبيعي أن يصاحبه نجاحات وإخفاقات. بالنظر إلى إسهامه هذا العام نراه يسير حينًا على المعادلة الآمنة في التراب والتراب الشعبي بنفس الأداء والفلوهات والقوافي المتوقعة في مش فير وعفاريت الأسفلت، بينما فاجأنا بأداءٍ أكثر حماسًا وجاذبية في أسياد الصوت. جاءت محاولات ويجز في التغيير بشكل صريح في خد وهات بغنائه على بيت يميل إلى الريجيتون، وفي حتتك بتتك التي كانت في رأيي غير موفقة بسبب تعثره على ركوب بيت الدريل وأدائه العصاباتي المفتعل.
عادة ما يؤثر دخول مخرجي وصنّاع الإعلانات سلبًا على مشهد الراب، بسبب جماليات الإعلانات اللامعة التي تبحث أكثر عن الإبهار دون المحتوى. من ناحية أخرى فإن جرعة البوب التي سادت أعمالهم تكمن فيها إمكانيات لأخذ المشهد لمستوى جديد، لكن ذلك مرتبط بعدم تقديم الرابرز والمغنيين العديد من التنازلات.
في أغنيته الجديدة، كيفي كده، التي صدرت أمس بالتعاون مع ديسكو مصر، يسعى ويجز إلى التغيير أيضًا، ولكننا نرى وجهًا آخر مشبّع بجماليات الإعلانات أو ما أطلق عليه أغاني الوكالات، لتعلن الأخيرة عن استحواذها عليه. يمكن أن نتخيل بسهولة لوجو فودافون أو أورانج في الخلفية حتى تصبح كيفي كده إعلانًا لهذه الشركات. تظهر ألوان الفيديو لامعة والملابس براقة وطاقة الأغنية غافلة عن أي سياق محلي. تتزامن الأغنية وتشترك مع مهرجان الجونة في هالته المفتعلة وما يصاحبها من روح تفائلية تختلف تمامًا عن واقع مصري حقيقي رأيناه في أغانٍ سابقة لـ ويجز تخاطب جمهور الراب، مثل عفاريت الأسفلت ومنحوس.
في ظل ما يمر به مشهد الراب مع نقابة الموسيقيين تأتي الأغنية لتعبّر عن عالم آخر وتخاطب جمهور مختلف في إنكار صريح للواقع. لفتني اقتراب الفيديو من روح شارموفرز، التعريف الأمثل للكرينج (cringe)؛ لما يظهر الفنان بأداء يراد به كوميديا لكنها لا تصيب. في بداية الأغنية يستعين ويجز بـ “تحياتي للّي كنت باعتبرهم إخواتي” وهي جملة مستهلكة تلعب على الجملة الشائعة “تحياتي للّي دمّر حياتي”. على الرغم من إخراج الفيديو المُكلِف، أرى أن أغنية باظت بخفتها وقلة ميزانيتها نجحت في ما فشلت فيه كيفي كده. أنتج الأغنية ديسكو مصر وهو ثنائي بوب مكوّن من منتجيْن، تعاون من قبل مع مها غانم وشيرين عبده وأحمد بسيوني. يأتي إنتاج ديسكو مصر متوقعًا كأغاني الإعلانات، إيقاع فور تو ذَ فلور راقص بتأثير أفرو هاوس، بينما يقترب إلقاء السطور إلى بعض مقاطع الإلقاء في باظت. تظهر بعض الكلمات خفيفة وجذابة في حد ذاتها ولكن تكمن المشكلة الأساسية في الأداء.
كيفي كده في المجمل أغنية بوب صريحة قد تنجح جماهيريًا ولكن عند جمهورٍ آخر غير الراب أو المهرجانات وهو ما أراه البوب المصري الحقيقي. من ناحية كون كيفي كده أغنية وكالات فهي تتمتع بمقوّمات الجاذبية في ما عدا الأداء أو بمعنىً أصح توظيف ويجز في الأغنية. في مشاهد راب أخرى، لم يخدم إستيلاء عالم الإعلانات مشهد الجرايم مثلًا، بل أدى ذلك إلى تراجعه وغلبة الدريل بواقعيته الأكثر حدّة. يحدث ذلك تدريجيًا مع الدريل حاليًا مثلما حدث مع التراب في أمريكا من قبل، لذلك فإن اقتراب جماليات الإعلانات من فنان أو جنرا غالبًا ما تستنزفه ولا تضمن له أي نوع من الاستمرارية.