.
رامي أبادير ومحمد أشرف يضعان معرفتهما الواسعة في الموسيقى الإلكترونية عبر مختلف الجغرافيات والمشاهد، ليقدموا ما يجدوه ثلاثين أفضل ألبومًا إلكترونيًا صدرت عام ٢٠١٨.
رِزِت إل بي هو الألبوم الطويل الأول للثنائي البريطاني رِزِت بعد خمس سنوات من الإصدارات القصيرة والفردية والعروض الحية. يستمر الثنائي على نهج التكنو، يتخلله مشاهد صوتية عدة وفواصل من البيتس مع لمحة درام آند بايس، وبتركيز على المدى المنخفض. يعد رِزِت إل بي أكثر عمل لو-فاي أصدراه حتى الآن، تأتي فيه الجودة المشوشة المتسخة صريحة، مستغلين جمالياتها وإمكانياتها بشكل مبتكر من حيث الكتابة والأسلوب الإنتاجي. بذلك لا يصير إصدارهم على التايب مجرد صيحة أو حنين إلى صوت الماضي.
ما يميز هذا الألبوم أنه يخاطب فئة معينة من الجمهور، وهى التي ملّت الصوت اللامع والمبالغ في جودته باحثين عن صوت مشوش يلائم أذنهم القادرة على البحث عن الجمال وسط الضوضاء.
أثبت كريم لطفي نفسه ضمن مشهد الموسيقى المحيطة بعد نجاح تراكه فرٍش، الذي صدر ضمن ألبوم تجميعي أصدرته تسجيلات بان العام الماضي. يستكمل لطفي مشواره هذا العام بتقديمه عدة عروض في أوروبا وإصدار كيو-تي-تي-١٠. يضم الألبوم سبع مقطوعات من الموسيقى المحيطة التي تعكس مهارة لطفي المستمرة بالنضج في تصميم الأصوات والتحكم بتدفق طبقاتها. يمزج لطفي بين السنث بادز العريضة وكم من التسجيلات الميدانية وأصوات دقيقة، خالقًا مساحات افتراضية واسعة في أحيانًا مثل في سندايل راديو، وصوت أكثر حميمية مجرد من المؤثرات أحيانًا أخرى مثل في تراك جي تي أو. على مدار نصف ساعة يحافظ لطفي على الطابع الاسترخائي للألبوم الذي يجعلنا لا نمل منه مع الاستماع المتكرر.
جيتار الدواسة المعدنية والجليتش إلكترونيكا هما كل ما تحتاج لمعرفته عن هذا التعاون الذي كان حتى وقوعه بعيد الاحتمال. الشيء الوحيد الأبعد احتمالًا من وجود هذا التعاون هو نجاحه، بشدة. حتى بعد عدة استماعات، ]بقى من المفاجئ سماع صدام الدريل والدرامز المُتلعثمة بالبايس – اللذين يُعرف بهما آرون فانك (فينيشَن سنيرز) – مع المشاهد الصوتية للسلايد جيتار المفعم بالصدى الخفيف لـ لانوي. هما يتواجدان في عوالم مختلفة صوتيًا، وقد يبدو لأمر لبعض الناس مقحمًا، لكن إن منحت الألبوم فرصة التدفق ستستطيع سماعهما يقتربان من بعضهما، وحين يحدث ذلك، سيبدو كل شيء تلقائيًا. تلقائيٌ بنفس الطريقة التي يبدو بها طريقٌ سريع يقطع الغابة. هذا التعارض بين السكن والفوضى هو الشكل النموذجي الجديد، وهذا الألبوم امتدادٌ لذلك.
في ألبومه الثالث تحت اسم فِسل، يبتعد سِباستيان جاينسبورو أكثر عن أصوله في التكنو، متجهًا نحو مزيج من الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الحجرة. لا يعني ذلك أن البيتس اختفت تمامًا من مخزونه الصوتي، فقط لم تعد مركز موضع تركيز الموسيقى، وأصبحت تلعب دورًا مساعدًا للقطع الآلاتيّة التقليديّة الموجودة عبر الألبوم. يظهر الكورال والأصوات الكوراليّة والهاربسكورد والوتريات والإكسليفون في لحظةٍ ما أو أخرى في الألبوم، لكن الطريقة التي تتطور فيها الأصوات وأسلوب معالجتها كجزء من صورة أكبر هما ما يميزانه. عندما يصل الألبوم إلى ختامه مع تراك بابلو (لَڤ ذات موڤز ذ سَن)، تتبلور رؤية كوين أُف ذ جولدن دوجز في مزيج مُكثّف، متقلّب باستمرار ومذهل البراعة في البناء، من الترانس، الإلكترونيكا والموسيقى الكلاسيكية المعاصرة. هذا التراك أحد أقوى القطع الموسيقية الصادر هذا العام، لدرجة أنه كان من الممكن لهذا الألبوم أن يجد طريقه إلى هذه القائمة على أي حال بسبب هذا التراك وحده.
كان من الصعب تخيُّل ما سيقدمه بعد علامته الفارقة إميونيتي عام ٢٠١٤، لكن جون هوبكنز فعلها مرةً أخرى. في سينجُلاريتي، التراكات الأكثر ميلًا إلى الكْلَب مُشبعة بنفَس استعجالي، يبدو كل شيء أسرع ببضعة بيتات. ليس من الصعب تخيُّل تراكات مثل الحاملة لعنوان الألبوم وإمرالد رَش تتحول إلى جزء أساسي من أغاني نوادي الرقص لسنوات لاحقة. حين تهدأ التراكات قليلًا تبرُز المساحات بين الأصوات، وتصبح عبقرية هوبكنز المصمم الصوتي في الواجهة. ليس هناك دليل أكبر على ذلك أكثر من تراكَي سي أو إس إم ولومينَس بيينجز. في هذه التراكات تُخلق عوالم كاملة، ينعكس ذلك في المزج، فهناك التسجيلات الميدانية، السَب-بايس، الضجيج الأبيض والبيانوهات مع بعضهم ويكمِّلون بعضهم.
انتظرنا هذا الألبوم طويلًا، واستحق الانتظار.
التوازن عمادُ هذا الألبوم. تتواجد فيه الحواف المدببة والجمال بالغ الرقة في الوقت ذاته وبتلاحمٍ كامل، مجموعَين بدقّةٍ وتهذيب بات صعبًا معهما ألا يندرج الألبوم ضمن الأفضل لهذا العام. مع بيتات مُطعّمة بالجليتشات وسَب-بايس على خلفية موجات محيطية شبه مستمرة، يتتابع دخول وخروج النغمات من المزيج لتترك المستمع مع آثارٍ متفرقة تعلق بالذهن وتحفز على العودة إليها.
في إصدارهم الأول تحت اسم ٠إن٤بي، يبدو أن أبادير ومصطفى أُنسي تقدما إلى مستوًى آخر كمنتجين. فتشرق مواضع قوتهم على صعيد التركيب، إلى جانب الجروف وتصميم الصوت، مُشكلةً كُلًّا منسجمًا ومتقن الصنع. هذه بالتأكيد علامة تعاونٍ ناجح.
بعد غياب دام ستة أعوام قضاهم في تجميع وحدات السنث والتجريب بها، يعود ريتشارد ديفاين بواحد من أفضل أعماله ومن أكثر الأعمال مهارية من حيث تصميم الأصوات وإثارة للفضول. بينما اعتمدت أعمال ديفاين السابقة بمعظمها على الكمبيوتر فقط، ينجح في سورت/لايڤ بخلق موسيقى لوجاريتمية بفضل أجهزته لتكسبه أسلوب أكثر حيوية، فمن الممكن تبيّن عنصر الارتجال في معظم تراكات الألبوم. يعتمد ديفاين على عنصر التجريد من حيث الأصوات الفضائية التي تتحرر في بعض المقطوعات من عنصر التقيض بسرعة بيتس معينة، ليذكرنا بالمنتج الفرنسي كِبروس (توماس دِنيس) الذي رحل عنا في بداية العام الحالي. أما في مقطوعات أخرى فيراعي سرعة البيتس الثابتة متلاعبًا بأصواته المعدنية وخالقًا مشاهد صوتية غامضة.
سورت/لايڤ هو عمل معقد ومركب يستعرض من خلاله ديفاين مهاراته، مؤكدًا على وجوده على ساحة الموسيقى الإلكترونية التجريبية كواحد من أفضل مصممي الأصوات ومستخدمي وحدات السنث لهذا العام.
كان سيصل الأمر حد رمي عملة معدنية للاختيار بين هذا الألبوم، وثاني ألبومات رافايل أنتون إيريساري الصادرة هذا العام، سيريميري، لكن تفوق ميدنايت كلرز بتماسكه من البداية إلى النهاية. يعكس الألبوم نهاية العالم المقتربة بنتيجة أفعال الجنس البشري، ويتكشف تمامًا كما نتخيل ألبومًا يغطي موضوعًا بهذا الوزن، كئيبًا، مثقلًا بالذنب، قاسيًا. كلما ظهرت أبسط لمحةِ أمل سارعت أصوات الطنين لتقتلها، مذكرةً بأننا وصلنا إلى نقطة اللاعودة. سردية الألبوم واضحة على طول الخط، مع جدران الطنين الحاملة لتوقيع إيريساري لاعبةً دور الراوي، ففي مدها وجزرها دليل، بينما المستمع – منومًا – يتبعها إلى النهاية.
بالنسبة لشركة تسجيلات معروفة بقائمة مؤلفين كلاسيكيين معاصرين تُحسد عليها، مثل أولافر أرنَلدز ونيلس فرام ولوبومير مِلنيك، من المفاجئ أن يكون إصدارهم البارز لهذا العام ألبوم تكنو، لكن بِرسونا ليس أي ألبوم تكنو. يبث استعمال رايان لي وِست (رايفَل كونسولز) للبوليريتمية وحساسيته في استعمال الجروف إحساسًا بحركة إلى الأمام، بينما تناشد طبقات السنث المتحولة والمشاهد الصوتية المستمع ليتوقف ويتأمل. هذا التعارض هو ما يجذب المستمع للعودة إلى الألبوم، لأنه بقدر ما يبدو الألبوم سهل السماع في البداية، تكمن نقاط قوته في التركيبات المعقدة والتفاصيل.
الألبوم فاتن في أحسن حالاته، وهو في أحسن حالاته معظم الوقت.
بعد إصداراتها الناجحة في الثلاث سنوات الماضية وريادتها لموسيقى الفوتوورك، تجني جاي لن ثمار أعمالها بتعاونها مع مصمم الرقص البريطاني واين ماكرِجر وإنتاج موسيقى عرضه أوتوبايوجرافي.
على عكس ألبومَيها السابقَين، لا ينتمي أوتوبايوجرافي لموسيقى الفوتوورك بشكل صريح، بل يحمل طابع تجريبي يميل إلى موسيقى الآي دي إم بشكل خفي، ويتخلله بعض المقطوعات التقليلية. ما يميز هذا الألبوم هو تنوع صوته من حيث الذائقة الموسيقية، فيجمع بين البيتس المركبة التي تتلاعب بها بمهارة مثل في آنوتايشن وميوتايشن وبرميوتايشن، وبين التراكات التقليلية مثل في كاربون ١٢ وأنامنِسيز (الجزء الأول والثاني) وسِكند إنترلود. ألبوم يتميز بجودة الإنتاج والحرفية في عمل البيتس ومراعاة تدفق التراكات.
نَن ديسترَكتِف إكزامينايشن هو الألبوم الطويل الأول للمنتج الدنماركي الصاعد جايكُب، والأول لتسجيلات آنبا لصاحبيها ١١٢٧ ومانج. يكشف الألبوم عن تأثر جايكُب بموسيقى ألعاب الفيديو وفنانين مثل بِريال ولورينزو سني وأونيوترِكس بوينت نِفر، لكنه يخلق عالمه الموسيقي وبصمته الخاصة مستعينًا ببعض عناصر موسيقى الترانس. يتميز الألبوم بنغميته التي تتضح من خلال كوردات السنث بخاماته الغنية والآربيجيوز المستخدمة كعمود أساس، بالإضافة لإنتاجه والميكسنج المتقن.
يحمل الألبوم بصوته العريض ومساحاته الواسعة رؤية مستقبلية للموسيقى الإلكترونية تجعله واحد من أهم ألبومات هذا العام.
لن يكون من المبالغة قول إن سايف إنّ ذ هاندز أُف لَڤ من أكثر الألبومات التي يمكن تكرار سماعها لهذا العام. ربما كانت النوستالجيا هي السبب، الطريقة التي تبدو فيها أغلب النغمات الغنائية مفلترة عبر عدسات بألوان تسعيناتية. يضيف التنوع أيضًا إلى الجاذبية، لا تدمج معظم الألبومات بين البوب، الموسيقى الصناعية، الإلكترونيكا وموسيقى الطنين بالذكاء والانسجام اللذان يدمجهم بهما تومَر في هذا الألبوم، ما أنتج أحد أكثر الألبومات جاذبيةً والتصاقًا بالذاكرة لهذا العام.
أتحدى أي أحدٍ أن يجد مسيرةً استثنائية بثبات كالتي لـ إيان ويليام كرايج. منذ ألبومه الأول في ٢٠١٤، أ ترن أُف برِث، يُصدر ألبومًا واحدًا سنويًا، يختلف كلُّ منهم عن سابقه بشكلٍ بسيط، ويجتمعون في كونهم شديدو الجمال. يعتمد ثرِشُلدر على عناصر كرايج الصادقة والمجرّبة: صوته، حلقات الشرائط المتهالكة، وسنث بادز نافرة بين حينٍ وآخر. النتيجة كولاج أصوات ساحر، بقدر ما يجذبك دفءه للارتماء في حضنه، بقدر ما يفطر القلب. هذا ألبوم يغوص عميقًا في ذهن المستمع، مشرعًا الأبواب أمام مناطق كانت خاملة، ومستحضرًا ذكرياتٍ بعيدة لا تُستدعى كثيرًا، أو يتجنب صاحبها استدعاءها عادةً. لهذا ينجح الألبوم في تحقيق أثره، لأنه كما في حال كل عمل فني قوي، يتجاوز الظاهري إلى الباطن؛ ولا يبطئه كون الموسيقى رائعة عن غايته.
في فينِه، ثالث وآخر ألبومات ألِساندرو كورتيني تحت اسم سونويو، أخذ كورتيني كل ما ميّز ألبومَيه السابقَين، وجعله أكبر، وربما أفضل. بينما ستُشكّل نغمات البوب الممتعة أكبر عامل جذب بالنسبة للكثيرين، هذا الألبوم بين أفضل ما صدر في عامه فقط بسبب عمق أصوات كل تراك، والأثر العاطفي المحبب الذي يستمر حتى بعد انتهائه. أفضل مثالَين على ذلك هم أول تراك منفرد صدر من الألبوم، ثانكس فور كولينج، والتراك الافتتاحي آي دونت نو. كليهما يشد الأذن، ويتميز بنغمات سنث متموّجة ولوازم يسهل تذكرها والترديد معها، لكن ما يجعلهما تراكَين رائعَين يكمن في كل شيء يحدث باستمرار خلال تقدم كل منهما، كيف تتطور الأصوات وتلتحم مُشكلةً كُلًّا أكبر من مجموع أجزائه.
يبدو وكأن كورتيني أخذ كل شيء أبدعه في مشاريعه السابقة عبر السبع سنوات منذ أصدر ألبوم رِد، وسكبه بين ميول البوب لهذا الألبوم، لينتج أفضل ختام ممكن لمشروع سونويو، والذي سيترك معجبيه تواقين دومًا للمزيد.
فيوتشر فَيز هو الألبوم الأول لـ إل٤_إي على تسجيلات إيكو فيوتشرزم كوربُرايشن، إحدى الشركات الإنتاج الواعدة وذات صوت شديد الخصوصية، والتي تسعى إلى خلق عالم افتراضي مستقبلي. يمد إل٤_إي حدود الموسيقى الراقصة فيدمج بين الطابع الثابت، وبين التسجيلات الميدانية والتصميم الصوتي المستقبلي ليصل إلى قمة تألقه بتراك فوتيف أوفرينج. يشغل الألبوم بهذه العناصر المختلفة الخط الرفيع الفاصل بين الموسيقى الراقصة والموسيقى الصالحة للسمع. كما يحتوي الألبوم على ريمكسات من قبل أعضاء الشركة المنتجة، تروبيكَل إنترفَيس وهرباريوم وجِم تري، لإعطاء الألبوم صبغة تجريبية وتفكيكية. يعد الألبوم بداية قوية ومبشرة لـ إل٤_إي وإسهام قوي للموسيقى الراقصة غير التقليدية.
تجربة سماع هذا الألبوم غير سهلة، لكن مرة أخرى، لم يكن جايمس ليلاند كِربي (المعروف بـ ذ كيرتايكر) يومًا ممن يتيحون سماعًا سهلًا. يمكنني الذهاب أبعد من ذلك والقول بأن سماع هذا الألبوم في الظروف المناسبة يمكن أن يُخلّف ذهولًا وتعبًا جسديًا يستمران يومًا كاملًا. إلى هذه الدرجة قوة الألبوم غامرة. المرحلة الرابعة من سلسلة إفري وير أت ذ إند أُف تايم الشديدة الطموح – والتي تترسم خطى تأثير جنون المرحلة الأولى – هي الأكثر ظلامية في السلسلة حتى الآن. هنا، سيطرت الهلاوس، وبدأ يتلاشى كل ما تبقى من آثار السعادة الماضية، والتي تلمحها بين حينٍ وآخر فقط لتُلتهم بالشروخ والركود.
مثل تصميم غلافه، هذا الألبوم مُقبِض لكنه جميل بطريقته الخاصة.
بدأ المنتج المجري فاستو مِرسييه (رولاند ناجي) هذا العام بإصداره القصير: ألبوم وذ ناين لايفز، واختتمه بـ بولروم أُف ريكيور. في وذ ناين لايفز يستمر ناجي في معادلته الخاصة بالبيتس العنيفة والمتناثرة الغنية بالجليتشات والبايس، مثل في كاونت وذ مي وديكلوز ٢ وجور، ويفتح المجال للسنث في العديد من مقطوعات الألبوم ويصدرها بأصواته المعدنية الكثيفة.
ألبوم مشوق ومتعدد الأفكار، حيث لا يقيد ناجي نفسه بجنرا فرعية بعينها من الموسيقى الإلكترونية، لينجح في خلق موسيقاه المتفردة ذات البصمة الخاصة به.
في نَثينج إز ستيل، يغير الدي جاي والمنتج ليون ڤاينهول اتجاهه بالكامل، مبتعدًا عن خلفيته المتجذرة في الهاوس، إلى مساحة المؤلفين الكلاسيكيين المعاصرين من أمثال ماكس ريختر والراحل يوهان يوهانسن. بكونه ألبومٌ مفهوميّ مستوحى من هجرة أجداد ڤاينهول إلى نيويورك في الستينات، المروية عبر أعين أمٍّ شابّة إلى جانب روايات القصيرة وفيديوهات، نَثينج إز ستيل ألبومٌ طموح ويُقدّم أكثر مما يكفي ليرقى إلى مستوى طموحه. يمزج الألبوم أوركسترات، تريب هوب، تكنو وأصوات طنين، دون أن يبدو أيٌّ من هذه العناصر دخيلًا أو مُضرًا بالانسجام. تتبدّى كل حركة ببراعة، والنتيجة تحفة فنية من الموسيقى المعاصرة، التي بقدر ما هي متصلة بالأحداث الحالية بقدر ما هي خارج الزمان.
في ثاني ألبوم له هذا العام، يتعاون ويكلو (مايكل دين) مع فايك_إلكترونكس. يمزج الألبوم بين الموسيقى المحيطة والآي دي إم، حيث يعتمد على مشاهد صوتية غامضة وتشويش وخامات مجردة من جهة، وجليتشات ونقرات وعينات صوتية وسَب بايس في الواجهة وتلاعب بالإيقاع من جهة أخرى. يذكرنا الألبوم بعض الشئ بموجة الكليكس أَند كاتس التي ظهرت في العقد الماضي من حيث تصميم الأصوات الدقيقة، والاعتماد على التشويش والصوت المجرد، الأمر الذي بدأ يظهر تدريجيًا هذا العام بعد انقطاع دام ثمان سنوات.
فورم ثيُري ألبوم غني بالأفكار وقادر على التأثير بالمستمع ودفعه للاسترخاء. على مدار فترة قصيرة نجح مايكل دين في إظهار مكانته وسط مشهد الآي دي إم من خلال عروضه السمعية / البصرية المميزة بمهرجان ميوتِك وإصداراته على مدار العام الماضي والحالي.
من الصعب المبالغة في حجم تأثير إرث تسجيلات وَرب المبكر على الموسيقى الإلكترونية. يمكن لأشهر ثلاثة وقفت وراءهم، إيفكس توين وسابق الذكر أوتكر وبوردز أُف كندا، أن يسمعوا موسيقاهم في أغلب إنتاجات من أتوا بعدهم، ويمكن لهم بالتأكيد سماعها في أعمال سكي ماسك. الفرق بين كومبرو والألبومات الأخرى المتأثرة بهم أنه يأخذ تأثيرات إصداراتهم الماضية ويُنطقها بلسان الحاضر. يبدو كل شيء شبه مثالي، التراكات مبنية بدقة لافتة، ونجح الألبوم في مساره حتى النهاية. لا شك أن نغمات تراكات مثل رِف٨٦١٧ و٥٠ يورو تو بريك بووست ستعلق في ذهن المستمع لأيام.
في الألبوم كل ما يمكن أن يتمناه مستمع موسيقى إلكترونية، ولن يكون مستغربًا أن يُنظر لـ كومبرو يومًا ما على أنه يقف على قدم المساواة مع الألبومات التي أثرت به.
في الألبوم الثالث لهم، كَلتشر أُف باين، يكشف الثنائي اليوناني آيس_آيز عن جماليات مفككة، مستكشفين عوالم بديلة وجديدة للموسيقى الراقصة. يتميز الألبوم بصوت حاد وصاخب وعريض للخامات والعينات الصوتية، التي تتحول باستمرار وسط صدمات وكيكّات غارقة بالمؤثرات الصوتية. يخلق الألبوم تجربة سمعية فريدة تجعلنا في حالة ترقب مستمرة بفضل كشفهم عن مقاطع مركبة وغير متوقعة وبيتس غير مستقرة في نصف تراكات الألبوم. أما في النصف الآخر فيتفوقان في مد حدود الموسيقى الراقصة مكسبين إياها أجواءًا تجريبية. لا يقف هذا الألبوم الغني بالتصميم الصوتي عند هذا الحد، حيث يحتوي أيضًا على ريمِكسات لزولي وتِربو تيث سلابز وفلُكُش مالفانكشن.
في ألبومه السابق كان يو بروف آي واز بورن، الصادر عام ٢٠١٥ بعد غيابٍ لإحدى عشر سنة، ظهر شَتل٣٥٨ (دان أبرامز) بأسلوب يحيد بقدر واضح عن أعماله في أوائل العقد الماضي، حيث غلب عليه طابع درامي ومحيط ذو مساحات صوتية، مع تسجيلات ميدانية ومعالجة لآلات حقيقية. فإن كان هذا الألبوم قد تشابه مع العديد من الأعمال المحيطة الأخرى لفنانين كثيرين وقتها، فقد عاد في فيلد إلى أسلوبه المتميز الذي عهدناه في العقد الماضي كواحد من رواد حركة الكليكس آند كاتس، لكن بشكل أكثر تطورًا وتركيبًا.
في واحد من أكثر أعمال الآي دي إم نضجًا لهذا العام، والتي تغلب عليها الصبغة المحيطة الغنية بالجليتشات والأصوات خفية المصدر، يبدع أبرامز في توظيف الإيقاعات القائمة على الأصوات المايكروسكوبية مازجًا إياها بصوت التايب المشوش والسنث ليخلق خامات لو-فاي مميزة، ومقطوعات تتغير تدريجيًا بشكل سلس. بذلك يستعيد أبرامز صوت حركة الكليكس آند كاتس، مؤكدًا على استمرارها بشكل شجاع ليلهم العديد من الفنانين الذي ظلوا متحمسين لصوت تلك الحركة التقليلية.
إن كان يوجد تراك واحد يضُم كل ما يجعل من تِرمينال ألبومًا استثنائيًا، فهو أخطبوط. جميلٌ بشكلٍ مريب، مليءٌ بالتنويعات، ويتطور بشكلٍ يمزق كل التوقعات إلى أشلاء، ويبدو تلقائيًا في نفس الوقت. يبرهن التراك أيضًا على براعة زولي في تصميم الصوت والتدفق، ويُشكل مع بقية الألبوم أحد أكثر الأعمال ابتكارًا وفرادة لهذا العام. هذا ألبومٌ يُمسك بالمستمع منذ البداية ولا يتركه حتى يتلاشى آخر سنث بايس في التراك الختامي كونتينيو. ربما يتضح أن قرار زولي في تغيير اتجاهه هو أفضل قرار اتخذه حتى الآن.
تعامل ثلاثي السلو روك المينِسوتي لو مع الموسيقى الإلكترونية في ألبومه السابق بنجاحٍ لافت. لكن مع دبل نيجاتف، ألبوم الاستوديو الثاني عشر له، حقق الكمال. الألبوم دوامة من الضجيج والسكون، الهارمونيات الصوتية المعدّلة بالفوكودر والبايس الضخم، والنتيجة مبهرة. دبل نيجاتف خانقٌ بأغلبه، ولا يمهلك إلا للحظات قليلة، يعاود بعدها بناء التوتر المستمر على طوله، حتى إن أراد الثلاثي رفع التوتر هبطت موجة من الجمال والسكينة على المستمع. هنا فرقة على رأس حرفتها، ومع المنتج بي.جاي. برتن على دفة القيادة، لم تشُب رؤيتها شائبة.
بعد ٢٤ عامًا من ألبومه الأول، ثلاثي لو مرتبطٌ بالحاضر كما كان دومًا.
يتوج مقاطعة مسيرته بواحد من أفضل أعماله على مدار مشواره الفني. إن كانَ كنتُ علامة في صناعة البيتس، التي تعتمد على عناصر عدة أهمها هى العينات الصوتية التي يلتقطها من محيطه ليتلاعب بها، ناسجًا منه ثمانية تراكات شديدة التماسك ومنتجة بعناية. تأتي العينات الموسيقية بشكل مؤثر وذكي ضمن سياق الألبوم صابغًا إياها بالمؤثرات الصوتية والتشويش وسط أجواء موسيقية غامضة. يتميز إن كانَ كنتُ أيضًا بقدر كبير من التجريب، حيث يعيد تشكيل موسيقى التريب هوب ليصير واحد من أبرز الأعمال الإلكترونية في المنطقة العربية لهذا العام.
ظهر مقاطعة في الفيلم الوثائقي تحت أرض فلسطين متحدثًا عن تجربته في صناعة الموسيقى في فلسطين عبر السنوات، وأدى عرض حي فردي مميز في بويلر رووم رام الله.
الألبوم العاشر لأونيوتريكس بوينت نِفر (دنيال لوباتان) هو من أكثر ألبوماته السهلة في السمع، الأمر الذي قد يرجع إلى العديد من التعاونات الموجودة في الألبوم، على رأسها اعتماده على جايمس بلايك في إنتاج الألبوم. رغم ذلك فإن عنصر التجريب مازال متواجدًا، بالإضافة إلى صوت لوباتان الخاص المعتمد على مهاراته في التصميم والكولاج الصوتيَّين وأصواته الحادة وديناميكية مقطوعاته. يأتي ذلك بالإضافة إلى اعتماده على النغمية بشكل ملحوظ وعنصر الغناء. مع كل هذه العناصر يصبح إيج أوف ألبوم تجريبي أشبه بموسيقى تصويرية لفيلم.
صحيحٌ أن ألبوم لوباتان السابق جاردن أُف ديليت كان متواضع المستوى، لكن مع إيج أوف نلاحظ تعديل لوباتان لمساره وإنتاجه تراكات لا نستطيع التوقف عن تكرار سماعها.
على مدار إصداراتها القصيرة العديدة منذ عام ٢٠١٣، عُرفت سوفي بطابع تجريبي يجمع بين البوب والبايس والموسيقى الإلكترونية الراقصة ذات الأسلوب التفكيكي. تتوج سوفي معادلتها وتبدع فيها في ألبوم أويل أُف إفري بيرل، حيث تجمع بين البيتس المتشظية والجليتشات والبايس العنيف والسنث الحاد، لتصفعنا بجرعة مكثفة من التفكيك مثل تراكات فيس شوبينج وبوني بوي ونت أوكاي. توازن سوفي بين العناصر السابقة والطابع المحيط الحالم أحيانًا والملحمي أحيانًا أخرى، مثل في إز إت كولد إن ذ ووتر؟ وإنفاتيويشن.
يتنافر عالما التجريب والبوب بل ويعتبران متناقضين، لكن سوفي تذكرنا بعدم صحة ذلك في مزجها لهما بذكاء وحرفية، لتصل إلى المعادلة التي تجعل صوت البوب مقبولًا وغير لحظي لدى الفنانين التجريبيين، كاسرة ومتخطية حدوده. ألبوم ذو صوت جديد وشيق، حافل بالتصميم الصوتي البارع والمثير للفضول.
لاست تايم هو أطول ألبومات المنتج الكندي وولج (جرِج دِبيكي) التي نزلها على مدار مسيرته الفنية. على عكس إصداره الأخير دراجد الذي اخترناه ضمن أفضل ألبومات عام ٢٠١٦، والذي اتّسم بطابع مجرد ومفكك ومتحدي للمستمع، فإن لاست تايم من أقل ألبومات دِبيكي تمنعًا ومن أكثرها جاذبية.
يستعرض وولج هنا مهاراته كمنتج بشكل خفي. حيث يعتمد على النغمية بشكل واضح والبيتس الثابتة التي تذهب بعض الأحيان إلى المنطقة الراقصة مثل في دِبرِشارايزد، ليتخلى عن هذا الثبات بكسره الحاجز الزمني مثل في تايم دايلِشن، وبمد حدود الموسيقى الراقصة في بود_ي الذي يعد من أفضل تراكات الألبوم. يمتاز لاست تايم بتدفق تراكاته وتماسكه كأنه مقطوعة واحدة أو عرض حى شديد التشويق.
يبدأ هذا الألبوم العقد الثاني في مسيرة وولج، مُبشّرًا بشبابٍ طويل، ومؤكّدًا على بصمة شديدة الخصوصية ومستمرة بالتبلور.
https://open.spotify.com/user/112747514/playlist/0e6PWZZ9GEhkyr2zR262rF?
من حينٍ إلى آخر، يظهر ألبومٌ يُشعرك أنه علامةٌ فارقة، ألبومٌ سنتحدث عنه بعد عشرين عامًا من إصداره، ويصبع سقفًا يُقيَّم الآخرون بمدى اقترابهم منه؛ إن تي إس سِشنز (جلسات) ١-٤ أحد هذه الألبومات. عبر الثماني ساعات التي تستغرقها هذه الجلسات، يبدو أن ثنائي أوتكر يُطوّر كل جانب في موسيقاه. البيتات جنونية كما كانت دائمًا، لكنها أكثر جروفيّةً، صوت سنث الإف إم الذي أصبح توقيعهم الجمالي مُترّبٌ بعض الشيء، والأجواء والبادز أكثر خصوبةً، تصل ذروتها في متوالية الطنين في تراك أول إند. تتطلب صناعة ألبوم مزدوج مُقنع جهدًا مضنيًا بالنسبة لأغلب الفنانين والفرق، قَبِل أوتكر التحدّي وقدّم عملًا سلسًا يعادل أربع أضعاف الألبوم المزدوج.
اقتطع يوم إجازةٍ من العمل، استرخ في كرسيّك، واسمح للألبوم أن يحتويك. وُضع السقف الجديد للموسيقى الإلكترونية.
يكشف لنا أوبجكت في كوكوون كراش عن شخصية جديدة وجانبٍ أكثر نضجًا وغموضًا في موسيقاه، بعناية دقيقة بتصميم الأصوات، تكثيف ذائقته الصوتية، والاهتمام أكثر بديناميكية تراكاته. يثور أوبجكت على أعماله الراقصة ويتجه أكثر إلى عناصر الآي دي إم.
يغلف الألبوم بمشاهد صوتية غامضة تتخللها بيتس غير منتظمة ومقاطع صوتية غير متوقعة تتسلسل بشكل حيوي وسلس. كما يركز على الخامات الصوتية المركبة وأصوات سنث الإف إم المعدنية، بالإضافة إلى الجليتشات والعديد من العينات الصوتية. كوكوون كراش هو أفضل أعمال أوبجكت، ألبوم حافل بالأفكار والتفاصيل التي تتكشّف أكثر بعد كل سماع.
يعد هذا الألبوم بمثابة درس في تصميم الأصوات وفي دقة المِكسنج والإنتاج بالإضافة إلى خروج الفنان عن منطقته الآمنة.