.
ظهر المقال الأصل لكاتبه بِن بومون-توماس على صحيفة ذ جارديان في الثالث والعشرين من نيسان / أبريل، وترجمه إلى العربية فريق معازف.
أتى إعلان يوم الأربعاء من كبير المسؤولين الطبيين في الحكومة (البريطانية) كريس ويتي، والقائل بإمكانية استمرار العزل الصحي (social distancing) في المملكة المتحدة حتى نهاية العام، كخبر مريع للجميع باستثناء الأثرياء البيتوتيين، لكن الموسيقيون المحترفون سيكونون من الأكثر قلقًا.
على مدى عقود من التغيرات التقنية، أصبح الموسيقيون يعتمدون على أرباح الأداءات الحية على وجه التحديد. من قبل، كنتَ (كموسيقي) تنظم جولات للترويج لمبيعات ألبوماتك الجديدة المتوافرة على سي دي أو كاسيت أو أسطوانات؛ أما اليوم فلن تكسب سوى القليل من بث ألبومك، إلا لو كان ألبومًا شديد الرواج، وقادرًا على لعب دور في الترويج لجولاتك الحية. مع إقفال صالات الأداء – إلى جانب الأندية الليلية ومتاجر الموسيقى، حيث كان البعض يلعب موسيقاك، ما يوفر لك بعض الكسب الإضافي من حقوق النشر – يختفي جزءٌ كبير من مصدر دخلك.
تفاعلت منصة سبوتيفاي مع الصعوبات الجديدة التي يواجهها الموسيقيون عبر إضافتها لخدمة جديدة: زر، عندما يتم تفعيله من قبل الفنان، يسمح للمستمعين بإرسال تبرعات مباشرة للفنانين عبر خدمات المحفظة الرقمية: كاش آب وباي بال مي. بإمكان الفنانين أيضًا أن يستخدموا هذا الزر ليجمعوا تبرعات لإغاثة المتضررين من فيروس كورونا.
هناك الكثير مما يستدعي التحليل في خطوة سبوتيفاي هذه. أولًا، يضيف خيار التبرع مأزقًا أخلاقيًا لا داعي له. التصور العام عن الموسيقي المتوسط – شخص يعاني صداع الثمالة بعد استيقاظه من حقبة بيع السي دي الأكثر رخاءً ماليًا – أنه شخص يرتدي ملابسًا حصل عليها من شركة التسجيل، يسرَح ذهنه بينما يدون لازمة أغنية كتبها بعد أن خاض محادثة عميقة مع كلبه البولدوج الفرنسي. بالنسبة لهؤلاء الموسيقيين، أن يطلبوا أموال مستمعيهم لهم بدلًا من أن تذهب إلى أموال الإغاثة سيجعلهم يبدون دنيئين وأنانيين.
الحقيقة أنه، كما أخبرني عازف الجيتار الأمريكي كريس فورسيث في بداية هذه الأزمة، “لا يعرف معظم المستمعون ما مدى ضيق هامش الخطأ بالنسبة للكثير من الموسيقيين الذين نراهم على وسائل الإعلام. غالبًا ما يتقاضون نفس المبلغ الذي يتقاضاه سقاة البارات.” حاجة الموسيقيين للمال ملحة – لكن هل هي بإلحاح حاجة أولئك في قطاع الخدمات الصحية؟ كان على سبوتيفاي الإقدام على خطوة جمع التبرعات في سياقٍ مختلف عن السياق الذي يحاول فيه جمع الأموال للموسيقيين أيضًا. جمع هذين التصنيفين من التبرع لا يؤدي سوى للتخفيض من شأن كليهما.
يقوم مودل البزنس الخاص بسبوتيفاي بالفعل على جمع الأموال للموسيقيين، بطريقته البخيلة والمثيرة للتحفظ. تحقق الشركة دخلها عبر بيع اشتراكات وإعلانات، مدعومةً برغبة الناس بالاستماع إلى الموسيقى. يحوَّل بعد ذلك جزء من هذا الدخل إلى الفنانين على شكل عائدات ملكية إبداعية. يختلف معدل العائدات وفقًا للمكان، وما إذا كانت السماعات تأتي من أعضاء مشتركين في سبوتيفاي أو عبر الإعلانات التي يستمع إليها الأعضاء غير المشتركين، لكن هذا المعدل يظل منخفضًا في كلا الحالتين.
اتبعت منصة سبوتيفاي منهجيةً حذقة في توليد الاشتراكات المدفوعة وتحويلها إلى مصدر دخل: كانت تستقطب الناس بتجربة مستخدم ممتازة ومعدل إعلانات خفيف نسبيًا في النسخة المجانية من المنصة خلال سنواتها المبكرة، قبل أن ترفع الإعلانات إلى مستويات غير قابلة للتحمل تقريبًا، وتنتظر المستمعين حتى يقبلوا دفع عشرة دولارات في الشهر. يصرف العديد من مستمعي الموسيقى الاعتياديين اليوم بشكلٍ أكثر انتظامًا على الموسيقى مما كانوا يفعلون في عصر التنزيل أو السي دي. لكن طبيعة هذه المقايضة تغيرت جذريًا: الناس لا تدفع للموسيقى، بل لإزالة الإعلانات. الموسيقى متاحة على الحالتين.
لهذا تأتي إضافة زر “جرّة الإكراميات” كصفعة في وجه الفنانين: حيث يجري تقديمها من قبل الخدمة التي ساهمت بنفسها في كسر الرابط بين الفن والمال. عبر دفع عائدات الفنانين من قبل الاشتراكات والإعلانات على حدٍ سواء، أزال سبوتيفاي عن المستمع عبء الدفع للفنانين، ثم عبر تخفيض نسبة العائدات المدفوعة للفنانين، جرفت سبوتيفاي القيمة المالية للموسيقى، التي دعمها كل من المستمعين وشركات التسجيل في السابق. بينما يساعد زر جرة الإكراميات على تعويض الأرباح الضائعة للجولات، إلا أنه يحمل اعترافًا ضمنيًا من قبل الخدمة التي تقدمه، سبوتيفاي، بأنها لا تدفع ما يكفي للفنانين – أدلى موقع أمازون باعترافٍ ضمنيٍ مماثل عندما كشف نهار الخميس أنه دفع ٢٥٠ ألف باوند استرليني للكتاب المتضررين من الفايروس.
لو عزلناه عن سياقه، يبدو زر جرة الإكراميات كبادرة جيدة. تعيد هذه البادرة إلى حدٍ ما فرض الرابط المالي القديم – إذ تشكل عقدًا شبيهًا بالعقد الذي نوافق عليه عندما نشتري سي دي، بمعنى أن أموالنا تذهب إلى فنان واحد. ثقافة المعجبين هي إحدى أكبر الممتلكات غير الملموسة التي قد يحظى بها موسيقي ما. كالمحرك، تضخ الطاقة في شعبيته، وتمول أسلوب حياته بشكل غير مباشر من خلال شراء المقتنيات الترويجية، تذاكر الحفلات وسواها. عبر إتاحة الفرصة لإرسال مبالغ مباشرةً للفنانين، يصبح هذا الرابط غير الملموس ملموسًا مجددًا، ويستطيع الفنانون العيش على حسن نوايا وحماس جمهورهم. ربما سيشعر البعض بالنفور الأخلاقي من هذه الحوالات التي تكشف طبيعة العلاقة بين الفن والتجارة بطريقة مباشرة وفجّة؛ البعض قد يشعر بعزّة النفس، بأنهم ليسوا موسيقيين متسولين. لكن الواقع الدراماتيكي للوباء سيكتسح على الأغلب كافة الاعتراضات المماثلة.
سنستمر بسماع الموسيقى عبر منصات البث خلف كل هذه الجدليات – إذ أن هذه إحدى الطرق الوحيدة التي بإمكاننا سماع الموسيقى خلالها اليوم. يستمر سبوتيفاي بتحقيق الأرباح من البث، مع استقرار مصروفاته التي كانت ضخمة للغاية خلال سنوات تطويره، وعلى نسب عائدات الفنانين أن ترتفع بانسجام مع أرباح المنصة المتزايدة باستمرار؛ يجب على سبوتيفاي ألا ينسحب من دوره كوسيط، وألّا يصدّر مهمة دعم الفنانين بالكامل للمستمعين عبر الإكراميات، إذ أن وجود المنصة بحد ذاتها قائم بفضل وجود ومشاركة هذين الطرفين.
بالنسبة للمستمعين، فإن مكتبة سبوتيفاي الواسعة بشكلٍ مذهل والعالية الجودة هي إحدى أعظم الأمور التي حدثت للموسيقى على الإطلاق، لكن لم يكن لهذه المكتبة أن توجد دون الفنانين الذين يرفعون أعمالهم عليها كل يوم. ربما على الاشتراك في سبوتيفاي أن يكلف أكثر – التنافسية بين شركات منصات البث المختلفة أدت إلى تخفيض قيمة الموسيقى، وربما حان الوقت لتصحيح هذه المشكلة. سيتطلب ذلك إعادة الاعتبار بالطريقة التي نقيم (نحدد القيمة المادية) بها الموسيقى، وعلى سبوتيفاي ومنافسيه أن يقودوا هذا التغيير. أما بالنسبة للآن، تبرعوا لموسيقييكم المفضلين، اشتروا قمصانهم، قدروا موهبتهم، ولا تدعوا الشركة التي صنعت ثروتها من جهد الموسيقيين بلا محاسبة.