.
رغم التقدير المبالغ به لبعض إصدارات هذا العام مثل ألبومات سنيل ميل وذَ وور أون درجز، وغيرها من تجارب حذرة متوسطة العطاء، تتفوّق الأسماء في هذه القائمة بمزيد من التجريب والإبداع ضمن الجنرات الفرعية الكثيرة للروك، والارتجال والابتكار في مساحات الآلات المدخلة والتوزيع. كما حمل لنا أسلوب الكتابة قصائد ملحمية في بعض الأحيان، وأغنيات أخرى تقليلية الصياغة، وعميقة الإحساس. لنستمتع بالروك هذا العام كان لا بد لنا من حذف تاريخ السماعات الخاص بنا، والاستماع بشكل حيادي يرحب بالاختلاف والتجديد.
على عكس معظم اختيارات القائمة، يفتقر هذا الألبوم إلى مساحة التجريب والاكتشاف والتوسع على صعيد الموسيقى. ما من مخاطرة أو تقديم لما لم نسمعه مسبقًا. لكن في المقابل، يقدم أسلوب الكتابة درجة من النضج والعمق التي تفتقدها العديد من فرق الروك الشابة الجذابة. في ألبوم إجنورنس حكايات كثيرة، فيها ما في أسلوب كتابة القصة من دراما وتطور، وأوصاف وتشابيه صاخبة للأحداث الاعتيادية، وتبقى مع ذلك قابلة للتأويل وتحمل الكثير من المعاني. نصل إلى نقاط الذروة في الألبوم مع أغنيات روبر، وسِبَّرايتد التي تذكرنا بأسلوب باتي سميث التقريري المندفع في الكتابة والغناء في ألبوماتها السبعيناتية الأولى، التي كانت تشعرنا أنها قد اختبرت جميع المشاعر والأحاسيس الإنسانية وجاءت للتحدث إلينا عنها بثقة وخبرة، وبالطبع بعمق وإحساس عالٍ.
تمارا ليندمان، المغنية وكاتبة الكلمات هي العضو الثابت الوحيد في مشروع ذ وِذر ستايشن منذ ٢٠٠٦. تؤكد ليندمان بعد خمسة عشر عامًا في عالم الروك المستقل أنها ما زالت تملك الرؤية المتجددة لما تود التعبير والحديث عنه عبر إيقاعات ثابتة، وأسطر الكمان والبيانو الكلاسيكية القصيرة والمتناثرة على امتداد الألبوم وكأنه مهرّبة خفية لتنضم إلى التوزيع.
لا يتكرر كثيرًا أن يصل ألبوم عالمي إلى ساحة الروك الأمريكية / الإنكليزية محلية المشهد بامتياز؛ وإن حدث، فالغالب أن يكون ألبومًا قادمًا من شمال أوروبا، أو من اليابان ربما، ومن أمريكا اللاتينية غالبًا. منذ سنوات، ومن مقر إقامته في النيجر، حظي إمدو موكتار باهتمام متصاعد من النقاد والمهتمين بالتنقيب عن الموسيقى الجديدة والمختلفة حول العالم، الذين رحبوا بهذا المزيج النادر لموسيقى الطوارق والسايكدليك روك. هذا العام، ومع صدور أفريك فيكتيم، انتزع موكتار اعترافًا حاسمًا باسمه كعازف جيتار من العيار الثقيل، ومؤلف موسيقي استطاع تقديم نوعين من الموسيقى دون أن يخرج بمزيج هجين، أو نوع جديد من الفيوجن الذي يقوم به الرجل الأبيض خلال إحدى رحلاته إلى البلدان النائية.
ما يقدمه موكتار ليس مزيجًا حتى. لم تنجح هذه الوصفة عبر وضع جميع المكونات في إناء كبير وخلطها. على العكس، تسير رؤية موكتار بوضع أبرز عناصره الموسيقية من إيقاعات الطوارق، والجيتار الكهربائي في خطوط متوازية لا تتداخل ولا تعترض بعضها. نحصل بالنتيجة على موسيقى روك ذات نكهة استثنائية لم نختبرها مسبقًا، باستثناء بعض الأغنيات مثل تالا تانام التي تذكرنا بأسلوب فرق الفولك روك الأمريكية مثل فليت فوكسز وبون إيفر.
قبل بضعة أسابيع، أعلنت أديل أن سبوتيفاي قد استجابت لطلبها بإخفاء زر التبديل العشوائي Shuffle ضمن التطبيق، للحرص على أن يستمع المستخدمون إلى الألبومات بترتيب الأغنيات الموضوع من قبل الفنان. “لا نصنع ألبوماتنا بكل هذه العناية والتدقيق في ترتيب الأغنيات بلا سبب” علقت أديل عبر تويتر. المؤكد فعلًا هو أن الاستماع لأي ألبوم بشكل كامل هو رحلة متكاملة جرى تصميمها لخلق مزاج معين. يظهر ألبوم فور ذَ فرست تايم مثالًا بارزًا عن الألبومات التي يجب الاستماع إليها ضمن الترتيب الأساسي الموضوع، إذ يفتتح بمقدمة موسيقية ملحمية، يمكن اعتبارها بسهولة افتتاحية الروك الأفضل لهذا العام.
عبر أكثر من خمس دقائق كثيفة التوزيع متصاعدة الزخم يقدم لنا فريق بلاك كنتري نيو رود، في الألبوم الأول في مسيرته عبر تسجيلات نينجا تيونز، رؤيته الموسيقية المتكاملة ضمن جرعة مكثفة يتداخل فيها الآرت والإكسبريمنتال روك، مع حلي جاز بارزة وجريئة، وكأنهم يضعون كل ثقلهم وإمكانياتهم في هذه الدقائق التعريفية التي ستحدد علاقة المستمع بهم. يهدأ هذا الزخم فيما يلي هذه التقدمة، لنجد أنفسنا أمام ألبوم بوست بانك، مؤلف من ست أغنيات تمتد لأكثر من أربعين دقيقة مكتوبة بانفعالية شديدة لتروي أحداثًا ومشاهد بأسلوب مبتكر كما في أغنية ساينس فير. إلى جانب التوزيع المدروس كثيف الطبقات، والأداء الصوتي التعبيري القوي، يحظى فريق بلاك كنتري نيو رود ببداية متقدة لمسيرتهم، تجعل توقع القادم مهمة صعبة.
واحد من الألبومات البسيطة بجميع عناصر صناعتها، والتي يجد واحد على الأقل منها طريقه إلى قائمة أفضل الإصدارات في نهاية كل عام. جمهور واسع في عالم الروك مازال يشجع ويفضل ويبحث عن الموسيقى التي تبدو أنها مسجلة مباشرة في كراج المنزل دون إضافات إنتاجية ضخمة. عبر هذا تدخل سارة تادزين خلف اسم إلومناتي هوتيز لتعرّفنا عن نفسها بذكاء، وهضامة، وزعرنة، وتفرض شخصيتها بجرأة ضمن الألبوم الثالث في مسيرتها. تتحدث حينًا عن مواضيع عامة بأسلوب صارخ وملون وانتقادي، وتنتقل حينًا إلى أسلوب أكثر مكاشفةً وشخصية وحميمة، لتشعرك في الحالتين أنها صديقة مقربة تعرفها جيدًا، تألف آراءها وأفكارها، وتدعمها بالكامل في كافة صراعاتها.
كذلك، تتعدد المزاجات الموسيقية من أغنية لأخرى، فما من إطار واحد يجمعها، وإنما نخوض في كل منها كتجربة منفصلة. تتداخل العديد من الجنرات الفرعية على امتداد الألبوم لنجد أنفسنا في المحصلة أمام صوت روك أصيل لا يتبع لقواعد زمنية معينة.
منذ تأسيس الفريق عام ١٩٩٣ لم تعتمد مسيرة لو على أغنية أو ألبوم ضارب، أخذ الفريق وقته ليطور ويشذب صوته ونتاجه ضمن مسيرة تصاعدية طويلة الأمد. لسنوات طويلة كانت مساحة التجريب والاختبار ضئيلة. عملوا بالمقابل على تعزيز بصمتهم ذات الصوت الموحد المنخفض، مضحين في سبيل ذلك بإمكانيات التجديد. في ألبومهم دبل نيجاتيف الصادر عام ٢٠١٨ بدا أن الفريق اتخذ قرارًا برفع السقف، وتحدي نفسه بتقديم صوتهم المعتاد ضمن مقاربة جديدة، لتأتي النتيجة متفوقةً على كل ما سبقها، ويستمر التحدي الذاتي هذا العام مع وصول ألبوم هيي وات. كمن يحرك قاربًا صغيرًا مجدفًا به ضمن بحيرة كبيرة وهادئة لا تعرف الأمواج، تتابع الأغنيات الواحدة تلو الأخرى بانسجام ووحدة صوتية مصممة بعناية.
هيي وات كبسولة صوتية معزولة عن العالم الخارجي، تختزل في داخلها نوعان من الأصوات فقط، أحدهما نقي، والآخر مشوش. ما بين هذا النقاء والتشويش، ومساحة التقائهما ثم عزلهما المضبوطة وفق توقيت مثالي، تتخلّق مساحة راحة تتيح الاستماع إلى مقاطع غنائية مكتوبة باختزال لتعبر عن تأملات كبيرة وأسئلة واسعة.
https://www.youtube.com/watch?v=k4-eY_e1YS8&t=761s
الاستماع إلى فريق سبيريت أُف ذَ بيهايف أقرب إلى ركوب قطار الملاهي: رحلة سريعة تخوض عبرها العديد من المراحل والسرعات والمشاعر المتناقضة. تستمتع بالتجربة المتطرفة غير المألوفة إلى أقصى الدرجات، ثم تشعر بعدها مباشرة أن في ذلك شيء من المبالغة المتعبة أو غير المرغوبة. المهم أنك ما إن تنقضي الرحلة حتى يعاودك إغراء أن تخوضها من جديد.
يثير الألبوم الفضول تجاه كيفية صناعته وتركيبه، فمن الواضح تعدد الرؤى والأساليب بداخله، وكأن كلًا من أفراد الفريق رمى مجموعة من الأفكار، ثم نفذ الجميع كل الاقتراحات دون استثناء. يخلق ذلك نوعًا من الفوضى والعشوائية، لكن من النوع المحبب الذي يمنع الملل. يدعم ذلك إنتاج مبتكَر متعدد الطبقات، يتأثر بجنرات كثيرة ثم يحتكم إلى النويز ليمنحه هويته المطلقة.
يكمل إنترتينمت دِث ما بدأه الفريق في ألبومهم الصادر عام ٢٠١٨، هايبنك جيركس، في رسم هوية موسيقاهم وتحديدها. بالنظر اليوم إلى الألبومين سويًا، نشعر أنه ما قد يبدو كنقاط ضعف أو هفوات في أسلوب الفريق، هو في الواقع تفاصيل مقصودة، مفصّلة ومتروكة في مكانها لتشي بالثقة الكبيرة بالنفس لدى صنّاعها، وتخلق شعورًا مضاعفًا بالجاذبية.
من بين شريحة واسعة من فئة مغني / كاتب أغنيات النشطة في السنوات الأخيرة وهذه السنة بالذات، تمتلك لوسي دايكس أسلوب الكتابة الحرفي الأبرز. تكتب كل حكاية، وكل مشهد، وكل موقف على درجة من العناية والدقة التي تشعرك أنك معني به وجزء منه. في ألبومها الطويل الثالث هوم فيديو تستعرض لوسي ذكريات ومواقف تبدو بعيدة، لكن آثارها وتبعاتها تستمر حتى اليوم، وتجبرها على أن تعود لتخبرنا عن القابع بصمت في منحنيات ذاكرتها بشعرية وحميمية كبيرة. تأتي هذه السردية لمجرد الحديث، دون أن ترتبط بأية أحكام أو تصريحات.
يكاد أسلوب الكتابة السينمائي هذا الملم بالتفاصيل والشخصيات والخلفيات يمنح الألبوم تصنيفًا مبتكرًا خاصًا، وكأنه مجموعة قصصية موسيقية. يدعم الإنتاج الموسيقي أسلوب الكتابة ويحيط به بعناية وحذر ربما كانا مبالغان في بعض الأحيان. كانت الحكايات لتحظى بالمزيد من الاهتمام لو أن الإنتاج اختار مفاجأتنا بحركات من خارج كتيب إرشادات إنتاج الإندي روك المتفق عليه. مع ذلك، يبقى هوم فيديو من تجارب كتابة السهل الممتنع المتفوقة لهذا العام.
كأنها موجة جديدة، أو إعادة إحياء للبوست بانك في مسقط رأسه، إذ شهدت الأعوام القليلة الماضية ولادة العديد من فرق وألبومات البوست بانك الجديدة. من شايم، إلى بلاك ميدي، وبلاك كنتري نيو رود، ثم سكويد بألبومهم الطويل الأول الصادر منتصف هذا العام. المثير للاهتمام هو أنه رغم اشتراك هذه الفرق في المنشأ والهوية والجنرا، يبقى صعبًا للغاية استبعاد أحدها أو صرف النظر عن إصداراتهم، إذ يجتهد كل منهم لإيجاد صوت جديد ومتفرد، يستلهم ويتأثر ولا يستنسخ.
في برايت جرين فيلد يتناغم أسلوب الغناء بشكل مثالي مع أسلوب الكتابة الساخر والناقد للذات بشكل أساسي. يبذل الفريق جهدًا كبيرًا في صياغة مصطلحات جديدة للتعبير عن العزلة والضياع والرفض، مستندين إلى الميراث الإنكليزي الموسيقي الكبير المتخصص في هذه الثيمات. لو وجدنا طريقة لنعود بالزمن، آخذين معنا أغنية من الألبوم مثل بادلينج وسلمناها مكتوبةً على قطعة ورق إلى سيكس بيستولز مثلًا، فالغالب أنهم كانوا سيؤدونها بلا نقاش.
موسيقيًا، يود الفريق إخبارنا أنه لا يخضع لصوت أو تصنيف واحد، فنجد بانك ودَب وفانك، وحتى جاز، بتوزيع يضَمّن الإيقاعات والبايس والساكسفون والترومبيت وكامل عائلة الكمانات وغيرها. يأتي برايت جرين فيلد عبر تسجيلات راب ريكوردز التي تنبش عميقًا كل عام بحثًا عن أكثر الأصوات طموحًا واختلافًا لتقدمها إلى جمهور أوسع.
كثيرًا ما تصل الإصدارات الأولى للفرق الجديدة بشيء من الخفة، خفة الموهبة اللامبالية التي لم تثقلها بعد التجربة والتوقعات والنجاحات والهوية المحددة الثابتة. إلى جانب الخفة الشديدة، يقدم لنا فريق دراي كلينينج عبر جهد جماعي جرعات متداخلة من الخيال والصور السريالية والاستعارات الساخرة، وكأنهم يكتبون مشاهد سينمائية ليخرجها سبايك جونز وتشارلي كوفمان سويًا. “جئت لأصنع حذاءً من السيراميك / وجئت لأحطم ما صنعته / جئت لأتعلم كيف أختلط / جئت لأتعلم كيف أرقص / جئت لأنضم إلى مجموعة الحياكة / جئت لأنسج يدويًا سريرًا من طابقين لنفسي خلال بضعة جلسات” تغني فلورنس شو، أو تتلو الكلمات وكأنها التحديث الجديد المعاصر والضجِر من جوني ميتشل.
بالنقيض مع أي انطباع أو إحساس يولده غناء فلورنس، تأتي موسيقى الفريق صاخبة توحي في البداية بأنها موسيقى بوست بانك بامتياز، إلى أن تبرز لطخات من السنث بوب، وتبدية التوزيع لأسطر الجيتار على الإيقاعات في كل مرة، ضمن إنتاج مدروس ومضبوط بإحكام من قبل جون باريش، المنتج الذي عمل طويلًا إلى جانب بي جاي هارفي من بين كثيرين.
موسيقى دراي كلينينج سيرك بهيج وغريب، ترى بداخله ما تستمتع بمشاهدته دون أن تفهمه فعلًا، ودون أن تمانع ذلك. كل منعطف من خيمة السيرك الدائرية يزدحم بالسحرة والبهلوانيين، يشتتك واحدهم عن الآخر مع بقاء شعور الدهشة متتابعًا ومستمرًا. ما إن تدخل خيمة السيرك هذه حتى تكتشف مشقة الخروج أو المغادرة.
شكّل هذا الألبوم نقطة حيرة كبيرة لهذه القائمة. كيف نصنفه كجنرا؟ وإلى ماذا ينتمي هذا الموكب الاستعراضي النشط والمهيب الغني بالأصوات والآلات وتأثيرات الثقافات المختلفة؟ لحظات مفصلية في الألبوم تجعله يرسو على شاطئ الروك قبل أن يبحر بعيدًا من جديد، وإكزينيا قبل كل شيء بنت لنفسها مسيرة انطلقت من الفانك والسنث روك مع مدخلات من الآر آند بي. لكن الواضح هو أن الرؤية الموضوعة لهذا الألبوم أوسع وأشمل من جنرا وانتماء واحد، والنتيجة النهائية المضبوطة والمنسجمة بشكل مثالي تجبرنا على احترام هذه الرؤية ولوي الخطوط التعريفية المحدِدة عند الحديث عنها.
أونا روزا فضاء ضبابي الحدود تخوضه دون الاعتراف باتجاهات أو وجهة، تتصل فيه إكزينيا مع جذورها اللاتينية، والأصوات المرتبطة في ذاكرتها بانتمائها هذا. تغني في الألبوم بالإنكليزية والإسبانية، وترفض في الوقت ذاته تأطيرها ضمن الصورة النمطية اللاتينية كما تشير في أغنية دونت بوت مي إن رِد: “إسألني إلى أين أتجه لا من أين أنا / أتحدث بثلاث لغات وأنت بالكاد تتقن واحدة / الأطفال الذين تضعونهم في أقفاص يبدون وكأنهم قد يكونون أبنائي / تنسون أننا كنا هنا حينما ربح الغرب.”
إلى جانب كتابتها لأغنيات الألبوم جميعها، تشترك إكزينيا بإنتاجه مع شريكها ماركو بوتشيللي، الذي تعاونت معه كذلك في ألبومها بلاك تيري كات الصادر عام ٢٠١٦. مع بوتشيللي تصنع إكزينيا اليوم لنفسها هوية صوتية أصلية ومختلفة، تضعها بين الأصوات الأكثر إثارة للاهتمام في جيلها.