.
خلال العام الماضي، تابعت عن قرب تسجيلات ليمبو تايبس من خلال إصداراتها وبرنامجها الشهري على راديو نوودز. لفتني في هذه الإصدارات التزامها بجماليات محددة لا تحيد عنها، تفتح مجالًا للتعرّف على العديد من المنتجين المغمورين، بالأخص المهتمين بالتجريب في عالم اللو-فاي والعينات الصوتية المتهالكة والانغماس في الأجواء المحيطة؛ لعل ألبوم دايف ريفلكس سرفيس مثال دقيق على ذلك. يركّز برنامج راديو ليمبو بالمثل على الإصدارات الحديثة في الدَب والدَب ستِب واللو-فاي هيب هوب، مع إدخال كولاجات إذاعيّة قديمة كمواد داعمة، وتفاعل حي من مقدم البرنامج ومؤسس تسجيلات ليمبو تايبس، تايتس ١٢ (بيت هايزل).
ينطلق ألبوم تايتس الجديد، بلود سيركس، من هذه الجنرات، صاهرًا إياها في بوتقة واحدة، لينحت منها اثني عشر تراك تتخذ الدَب عمودًا فقريًا لها. إذا كشفت أعمال هايزل السابقة، مثل إصداراته على زمزم ساوندز، عن علاقته بالدَب والدَب ستِب وثقافة البايس وصناعة البيتات عامةً – كونه قادم من مدينة بريستول، بؤرة هذه الأنواع – فإن ألبومه الجديد بمثابة تركيز لخبرة تمتد لقرابة عشر سنوات.
يعتمد بلود سيركس على جميع عناصر الدَب، الإيكو ديلاي، السبرينج ريفرب، والتلاعب بالفراغ الصوتي والتركيز على الهوكّات والبايس الغليظ. لكن بينما يركز العديد من المنتجين على الإطار التقليلي للجنرا، وعلى الفراغ الصوتي – كي تتنفس المؤثرات الصوتية وتأخذ مساحتها الزمنية، يضرب هايزل بهذه المعادلة عرض الحائط. يعتمد هايزل في تراكاته التي تنطلق من سرعة ١٤٠ نبضة في الدقيقة على الجمل النغمية والخامات الغنيّة، دون تعارض أو تزاحم مع المؤثرات الصوتية والإيقاع. ينجح هايزل بهذه النغمية في بناء مفهوم الألبوم، الذي يتمحور حول سيرك متنقل وكرنفال صارخ ذي مزاجات متقلّبة.
يأتي تأثير الدَب ستِب واللو-فاي بشكلٍ خفي، إضافةً إلى العيّنات الصوتيّة الغامضة غير المستهلكة، للدفع بحدود الدَب وإثرائه. كما يتنقل هايزل عبر الزمن بشكلٍ ساحر ومائع، إذ يصعب في مقاطع كثيرة تفرقة العينات الصوتية القديمة من الألحان التي يلعبها بنفسه، كون جميعها بعيدة عن أسلوب الدَب التقليدي.
يبدأ الألبوم بتراكي بلود سيركس وبيزي داي، اللذَين يكشفان عن قدرات عالية في المزج ودقة في اختيار العينات المجمّعة من أقراص فاينل. يكبس البايس الثقيل المتأرجح على صدر المستمع ويغمره تمامًا، وتظهر الأصوات البشرية كأشباح آتية من بعيد وغارقة في الديلاي، بينما تقبع أصوات الميديا في الخلفية، سواءٌ كانت طقطقات الفاينل أو هسيس الشرائط.
يلهو هايزل في كويْلا رذم بالمؤثرات بإحكام، لينتج عنها جليتشات أنالوجيّة تنسجم مع طابع التراك الارتجالي. يصل التلاعب بالمؤثرات إلى قمته في أوفر بورد، ليجري توظيفها كأسلحة صوتية تضمن تغيّر التراك باستمرار. نتبين في التراك صدى الدَب ستِب من خلال البايس الثقيل المذبذب، الذي يظهر مرة أخرى بشكلٍ بارز في ديفوتد شادو، التراك ذو اللحن الإدماني الذي تتخلله عينات غنائية متناثرة. يكشف التراك عن أحد معالم الأسلوب الإنتاجي لهايزل، أي خياره الواعي على مدار الألبوم بعدم استخدام عينات إيقاعات قديمة وفواصل إيقاعية (Breaks) على خلاف منتجي الدَب الكلاسيكيين، حيث تعتمد الأصوات الإيقاعية على تسجيلات ميدانية مركّبة مثل السناير ذي الطبقات المقرمشة والمائية. كما يستعرض المنتج في التراك مهاراته في التلاعب بمشغّلات الأسطوانات، الأمر الذي نتبينه مرة أخرى في جرو تشارت.
تتميز أقوى تراكات الألبوم، جاما وتايم إنفايجن تو، بالمجال الصوتي المنخفض الممتلئ والكيك النابضة، إلى جانب آلات النفخ المنقوعة في الديلاي والإيكو التي تثري المزاج الهلوسيّ، والخامات الإيقاعية المفتتة والهوكّات التي تعلق بالأذن. يتخلل الألبوم فاصلين قصيرين، جوبيتر لووبس وتايم إنفايجن وَن، يكشفان عن الطابع الصريح للو-فاي هيب هوب بإيقاعهما المتثاقل وتأثير ألحانهما المخدّر. يقترب السيرك من نهايته، ويتوق المستمع إلى مزيد من التراكات، فلا يخذله تايتس ١٢، مضيفًا مزيدًا من الأفكار الإنتاجية في هوت آير. ينثر قصاصاته الصوتية المركّبة بحرفية، فيتوه المستمع وسط التسجيلات الميدانية والعينات الإيقاعية والكيبورد الخافت والمؤثرات، قبل أن يصل إلى التراك الأخير، إبيتاف. يتطرق التراك إلى منطقة بينية بين الهيب هوب والدَب، بطابع ملحمي مناسب للختام.
خلال ما يقرب من أربعين دقيقة، يأخذنا تايتس ١٢ إلى عالمه اللعوب، القادر على أسر المستمع بتفوّقه في تفاصيله الدقيقة وألحانه الجذابة. يأخذ بلود سيركس مسافة آمنة من إحياء الدَب، ويبدو كطفرة وإعلان عن الإمكانيّات الكثيرة التي لا تزال كامنة في الجنرا.