لم تقدّم هيفاء وهبي نفسها يومًا كـ مطربة. كانت من البداية متصالحةً مع الفن الذي تقدّمه، فتعلم جيدًا أين تتحرّك، متى تغيب ومتى تعود. تلهو أمام الكاميرا وهي تغنّي، وتعبث بين الحدّين المتلازمين: فلا نراها تغني من دون فيديو كليب، حيث الشكل بأهمية الصوت إن لم يكن يسبقه. تعود هيفاء في أغنيتها الجديدة توتة التي كتبها شادي نور ولحّنها بلال سرور ووزعها رامي بليزن بعد سلسلة نكسات في حياتها الشخصية والمهنية، تعود من نفس المكان الذي تركتنا فيه: مواجهةً مشاكلها العاطفية بالرياضة والرقص (وارتداء الفرو الأحمر ـ طبعًا).
في توتة لا نجد مفاجآت في موسيقى هيفاء. صوتها لا يزال على ما هو عليه منذ عملها الأول أقول أهواك (٢٠٠٢)، يتحرك في مساحة آمنة وغير مزعجة، تحت موسيقى إلكترونية وإيقاعات سريعة لها الغلبة. أما كلمات الأغنية فتكرر ذات الخطاب القديم الخاص بالانتصار على الجرح والحبيب، مستخدمةً معجمًا مألوفًا، سمعناه من قبل في إنت تاني (كلمات أمير طعيمة): “لأ عندك خليك أنا وقلبي حلفنا عليك لايمكن تاني نرجع ليك يعني خلاص ماتلزمناش”، وسنرى (كلمات منير بو عساف): “سلامات سلّم عحبك روح، سلامات شلتك أنا من الروح، سلامات منك حبيبي روح، وانسى كل اللي كان.”
تتفق هذه الكلمات مع الشخصية التي تحاول هيفاء بناءها في أغانيها وفي حياتها الحقيقية عبر مقابلاتها الإعلامية، شخصية المرأة القوية التي تنتقم لنفسها ولباقي النساء من غدر الرجل، والتي بات لها تقدمها منذ ظهورها الكبير عام ٢٠٠٢ حين شاركت في تدشين موجة جديدة من الغناء الخفيف، أو ما يُسمى بالمصطلح النقدي الشعبوي “الفن الهابط.” تقول في أغنيتها الجديدة: “لا هاحتاج مهلة أنا زي الفلة / وحكايتك خلصت وخلاص / انتهت وكسرت القلة / كانت غلطة ولا ليها أساس“، ثمّ تحاول تمديد صلاحية معاصرتها للجيل عبر إضافة عبارات “روشة” مثل “وآدي بلوك على الفيسبوك/ واسمك أنا هعمله ديليت.” تلقي هيفاء بكلماتها بطريقة تقترب من القول أكثر من الغناء، تسرده وترقص، وتنظر إلى الفتيات اللواتي يرافقنها كمن يخبر قصة أو نميمة.
الفيديو المرافق هو الإنتاج الحقيقي. نشاهد الحبيب الخائن في أول ٢٥ ثانية، ثمّ يمضي وتختفي معه الصورة التقليدية للعاشق الولهان الملوّع والتائب، إذ تحتل هيفاء وصديقاتها الشاشة، وتستأثرهي بالبطولة المطلقة كما في كل أغانيها. لكن حتى في البطولة ترفض هيفاء التنويع. تفرد مخزون أنوثتها كاملًا في وجه المشاهد، دون أن تتصرف بهذه الأنوثة. تكتفي بالاستخدام التقليدي للإغراء، الذي تريده في كل مرة شابًا، وجريئًا، لكن الأكيد أنه ليس مفاجئًا. ربما كانت هيفاء تثير الجدل في السابق، لكنها رضيت خلال السنوات العشر الأخيرة بالاكتفاء بإعطاء جمهورها ما يريدون. قد يكون هذا ما سمح لها بأن تصبح نجمة، لها جيش من الجمهور والصحافيين الذين يساندونها، ولها مدرسة خرّجت عشرات المغنيات الأخريات اللواتي فشلن تقريبًا جميعهن في الوصول إلى ما وصلت إليه من نجاح ونجومية، رغم استنساخ تجربتها بالشكل والإنتاج الفني.
فنيًا، تعرّض المخرج سليم الترك لاتهامات بسرقة المشاهد. هناك مشاهد مستلهمة من أغانٍ مصورة بالفعل، لكن الخلاف في كونها مسروقة أم مقتبسة، فيما يشبه تحية إلى أغانٍ مصورة أيقونية في مجال الإغراء، الأمر الذي لا يخفض من قيمة الفيديو بل يضيف إليه شيئًا من أيقونية الأغاني المصورة التي يقتبس منها. هناك شيء من كيفك إنت لـ ميريام فارس، ليه بيداري كده لـ روبي، بوس الواوا لـ هيفاء نفسها، وما هو أكثر من اقتباس من الأغنية الهندية Lovely. أما هيفاء فتبدو رشيقة، فرِش fresh، شابة، يليق بها الحب والانتقام من الخيانات، ترقص داخل دائرتها المقفلة ولا تخرج منها. لم تسعَ إلى جذب شريحة جماهيرية مختلفة عن الهايفاهوليكس (اسم جمهورها) وقوامه آلاف المراهقين، ولم تسعَ إلى إبراز جانب آخر من قدراتها (المحدودة عموماً في الغناء) كما فعلت في التمثيل الدرامي تحديدًا.
تركن هيفاء إذًا إلى مساحتها الآمنة، وتقدّم ما نجحت في تقديمه منذ أول عمل لها، لا تغامر، ولا تراهن، ولا تبتكر. ربما نعتب عليها لقيامها بذلك، أو على العكس نشكرها على معرفة حدودها، ونقدر جماليات الخفة والهيافة، التي قد لا تقوم هيفاء بسواها، لكنها تقوم بها بخبرة عقدٍ ونصف.