.
يحمل عنوان ألبوم سلوثاي الثاني اسمه الحقيقي: تيرون، الأمر الذي بشّر – وربما وعد – بمصارحات أو اعترافات شخصية وصادقة. لكن ذلك لا يبدأ حقيقةً قبل الوصول إلى التراك الثامن في الألبوم المؤلف من أربع عشرة أغنية مفصولة بعنف إلى نصفين، بفرق هائل في الصناعة بينهما؛ وكأننا أمام ألبومين قصيرين صادرين في أوقات مختلفة.
تتشابه الأغنيات الأولى من الألبوم – أغلبها قصيرة تنتهي قبل أن يبدأ الاعتياد عليها، وكأنها مقدِّمة لشيء مهم ننتظر الوصول إليه في الأغنية التالية، فلا نجده. يكاد لا يوجد مقطع واحد بتدفق متماسك وانسيابي قادر على خطف انتباهنا. تريدنا الكلمات أن نصدّق أن سلوثاي وصل إلى برّ الأمان، واجتمع مع الرابرز الناجحين ذوي الخبرة الطويلة في الكار، ليخبرونا معهم أنّهم الأفضل والأسرع والأكثر موهبة. نوع التبجّح الذي علّم بداية سنوات الضجر في مسيرة إمينم قبل عقدٍ من اليوم.
يبدو سلوثاي بأسلوبه هذا مصطنعًا إلى درجة قد توقفنا عن متابعة الاستماع. لكننا نتابع الطريق باحثين عما يذكرنا بألبوم سلوثاي الأول نوثينج جريت أباوت بريتين (٢٠١٩)، أو متكئين على الفضول تجاه أي مقطع يحمل ردًا أو تعليقًا على دراما سلوثاي خلال حفل توزيع جوائز الإن إم إي العام الماضي.
عندما صعد سلوثاي لتسلّم جائزة، بدأ فجأةً بتوجيه تعليقات إلى مقدمة الحفل كاثرين رايَن، اعتبرها بعض الحضور مسيئة لرايَن والنساء بالعموم. تصاعد الأخذ والرد بين سلوثاي والجمهور، فتدخلت الحراسة ورافقت سلوثاي خارج المنصة. أعلنت رايَن لاحقًا أنها لم تشعر بالإهانة من تعليقات سلوثاي، لتنهي بذلك الجدال وتنقذ مسيرة الرابر. حتى بعد اعتذاره، وضعت هذه التجربة سلوثاي في مواجهة مباشرة مع ثقافة الإلغاء. عوضًا عن إنكار التجربة، اختار تيرون مواجهتها، فأصدر عام ٢٠٢٠ أغنية إنيمي التي تحدث فيها عن الحادثة.
يعود سلوثاي للتعليق على ما مرّ به في أغنية كانسلد المسجّلة مع سكيبتا. يبدو في الأغنية كطفلٍ تعرّض للتنمر من أولاد الحارة فركض إلى البيت عائدًا بأخيه الكبير. يهيمن سكيبتا على الأغنية بمقطع ناري زاخر بالاستعارات والأسطر اللاسعة الباعثة على التفكير، ملقيًا بظلّه على سلوثاي. يتكرر ذلك في مازا (اختصار لكلمة مازالين، التي تعني الجنون في العاميّة البريطانيّة) المسجّلة مع آيساب روكي. يحمل روكي أكثر من نصف وزن الأغنية على كتفيه، وتخفي أسطره نديّةً أكثر من مودّة اتجاه غريمه البريطاني: “أوصل تايلر وأمضي / أضيء شعلة، أقذف زجاجة مولوتوف / أوقعها، ثم: مازلتوف!”
بذل منتجو الألبوم بقيادة كويس داركو جهدًا في إضفاء بهرجة وتعقيد في الإنتاج على نصف الألبوم الأوّل، ساعين لإضفاء بعض الاتساق على المقاطع المبعثرة. لم يكن ذلك ضروريًا في النصف الثاني، الذي يستقبلنا بتوزيعٍ تقليلي في الأغنية الانتقاليّة بلاي وذ فاير، حيث تهدأ الإيقاعات وتترك خشبة المسرح لـ سلوثاي وبعض المصارحة الحقيقيّة. تنتقل الأغنية التي بدأت مع أسطر من قبيل: “أنا أفضل شيء حصل للعالم منذ اكتشاف الكهرباء”، إلى: “كثيرًا ما أشعر أن رأسي موضوع في الخلاط / أتنازل مع العديد من الوعود الفارغة / إن أحببت هذا العالم على عيوبه فلن يخيب أملك.”
مع وصولنا إلى أغنية آي ترايد، نلمس اختلافًا جذريًا على مستوى الكتابة والإنتاج: “أنا مصاب بمرض / ها أنا أتعامل معه / يجعلني ذلك أشعر بأنني أغرق / باستمرار وطوال الوقت.” نجد أنفسنا أمام دفتر مذكّرات مكتوبٍ بانهماك وشغف، يحاول سلوثاي من خلاله الاقتراب من كل اضطراباته الشخصية ومعاناته وصحته النفسية، متفحصًا كلّ ذلك بحذر بأطراف أصابعه، كأنّه يعاين عملًا فنيًا. تخرج أغاني نصف الألبوم الثاني بترجمة جديدة للسرديّة المعهودة حول المعاناة التي تتحول إلى إبداع.
في أغنية فيل آواي، يستعين سلوثاي بـ جايمس بلايك لأداء ذروة الألبوم العاطفية، بعد أن أعلن سابقًا عبر إنستجرام أن الأغنية مهداة إلى أخيه الذي توفي طفلًا. بعد تمهيد سلوثاي الطريق بمقطعٍ ولازمة مكتوبَين بإحكام، يتولّى بلايك الدفّة في المقاطع الأكثر حميميّةً وحنيّة. يطفو صوت بلايك بشاعريّة فوق توزيع ثنائي الموسيقى الإلكترونية الإنكليزي، ماونت كيمبي.
تبدو أغنية الختام، إي دي إتش دي، كإحدى تلك الأعمال التي لا نستطيع اقتباس أسطرنا المفضّلة منها لأنّ كل المقاطع تتنافس على هذا اللقب وتستحقه. تجمع الأغنية تأثيرات من الهيب هوب الكلاسيكي مع إنتاج التراب المعاصر ولمسات سول، على طريقة تايلر ذ كرييتر. تستمد اللوازم ذات الأسطر القصيرة جاذبيّتها من مفرداتٍ غنيّة إيقاعيًا، بينما تأتي المقاطع المكثّفة بجمل طويلة مترابطة، أقرب إلى السرد القصصي، تنساب بسلاسة وسط إنتاج اقتصادي.
يظهر التخبيص والاستدراك كنسق في مسيرة سلوثاي مؤخرًا، إذ تعثّرت مسيرته عدّة مرّات، قبل أن يستعيد توازنه ويتابع المسير. خلال نصف الألبوم الأوّل، يبدو تيرون وكأنّه على وشك الوقوع على وجهه – تغرينا بعض الأغاني بالغطس لنكتشف أن القاع ليس بالعمق الذي تخيّلناه. ثم يأتي النصف الثاني، يكشف لنا عن أعماقٍ جديدة غير مسبورة، ويطمئننا بأنّ كل ما سبق لا يتعدّى كونه مطبّاتٍ بسيطة في مسيرة رابر لا يزال ينتظر الظروف الملائمة لتقديم أفضل ما لديه.