خربان | سادات العالمي وويجز وعمرو حاحا

عندما بدأ سادات العالمي منذ ثلاثة أشهر بالتوجه نحو الراب، كان السؤال الرئيسي الذي طرحه العديد من مستمعي الراب والمهرجانات على السواء: لماذا؟ ولا أعتقد أنه من الممكن مراجعة مهرجان خربان دون الإجابة عن هذا السؤال.

لم يعاني سادات بعد انفصال ملوك السعادة، إذ حافظ على تعاوناته القديمة وأصدر المهرجان الناجح تلو الآخر، ليصبح مع الوقت مغني المهرجانات الفردي الأكثر شعبيةً. بسبب غياب المنافسة المباشرة على المدى القريب، ومستفيدًا من وفاء جماهيره، وجد سادات هامشًا للتجريب، راغبًا بأن يواكب المجددين في المهرجانات كـ علاء فيفتي وأوكا وأورتيجا والصواريخ وسواهم، لينطلق من نجاحه الحالي المستقر إلى محاولة تأمين استمرار نجاحه في المستقبل.

لكي نفهم هذه التعاونات والتجارب التي يخوضها سادات، يجب أن نميز بين نوعين منها. النوع الأول من التجارب تبدو كـ عزومات، لا يسعى إليها سادات لكنه لا يرفضها عندما تأتي إليه، كتعاونه الأخير مع سايبرس هيل، والتعاونات التي تطلب منه عن طريق استوديو ١٠٠نسخة. هذه التعاونات تصيب وتخيب، وتحمل نبرة استشراقية إكزوتيكية في بعض الأحيان، لكن الأهم من ذلك أنها لا تعد جزءًا من مشروع سادات، لأنها لا تحصل على نحو ممنهج. النوع الثاني هي التعاونات التي يهندسها سادات العالمي ويطلبها بنفسه، والتي تحسنت فيها اختياراته بشكلٍ هائل خلال الفترة الماضية، منتقلًا من رابرز منتهي الصلاحية كـ إم سي أمين إلى نجوم الموجة الجديدة في مشهد الراب والتراب في مصر، مروان بابلو وويجز.

عودةً إلى السؤال الأوَّل، لماذا أخذ سادات هذا التوجه مؤخرًا؟ أعتقد أن هناك سببين قد يكون أحدهما أو كلاهما صحيحًا. الأوَّل أن سادات يعتمد على هذه المواهب الشابة لدفع مشروعه وأسلوبه إلى الأمام، خاصةً باعتباره فنانًا أدائيًا بشكلٍ أساسي، يبرع باختيار تعاوناته وتأدية أعماله بأفضل شكل، لكنه غير ضليع بالتأليف والكتابة والتوزيع، الأمر المعهود جدًا في المهرجانات، حيث يقوم كل ذو اختصاص باختصاصه. أعتقد أن الريمكس المهرجاناتي لـ عايز فين كان بداية مثيرة، استكشف فيها سادات ما يمكنه الاستفادة منه من تعاوناته مع الرابرز على صعيد الديناميكية والكلمات، وربما وجد في مروان بابلو ندًا على مستوى الغناء واستمتع في العمل معه.

في أغانٍ مثل خلينا أصحاب وعزبة الجامع، لا يجذب سادات هؤلاء الرابرز إلى المهرجانات، بل يذهب إليهم بنفسه. كلا الأغنيتين هما أغاني تراب تقليدية، يشارك فيهما سادات بأدوار محددة دون أن يتسبب وجوده بتغيير الكثير. في هاتين المناسبتين على وجه التحديد، وفي المناسبة التي دعى فيها سادات ويجز لأن يؤدي معه في فرحٍ شعبي، أعتقد أن هدف سادات هو منح سمعته وشهرته لمروان وويجز، ومساعدتهما على حرق المراحل والوصول إلى الجمهور العريض في مدة أقصر، أي أنه يتبناهم. هذا التبني يفيد سادات أيضًا، إذا يدفعنا إلى رؤيته كعرَّاب للمشهد، تعدى بنجاحه مرحلة المنافسة وأصبحت العلاقة الوحيدة التي قد تقوم بينه وبين موسيقيين آخرين هي علاقة وصاية ودعم.

في مهرجان خربان، أعتقد أن سادات يستفيد من ويجز ويقدم له خدمة كبيرة في نفس الوقت. بدايةً، يبدو هذا المهرجان كالرد الذي انتظرناه طويلًا من سادات على مهرجانات مثل إلعب يلا ولأ لأ وبالحب، التي خرجت جميعها بمسافات واسعة عن الشكل التقليدي للمهرجان ونحتت أصواتها الخاصة. يحقق مهرجان خربان هذه المهمة، معتمدًا على إحدى أفضل توزيعات عمرو حاحا منذ وقتٍ طويل، الذي انفتح على طيف واسع من التأثرات بالموسيقى الإلكترونية الراقصة الرائجة، واستطاع الاستفادة منها دون التفريط بروح المهرجان. قدم أبو عمار أيضًا كلمات استثنائية، لاعبًا على ثيمات هلوسية بمعجم محلي غني بالتشابيه والمجازات، تتأرجح بإمتاع بين الطرافة والسوداوية: “عنيا مدبلة ودماغي منملة / جوا دمي صيدليات / حياتى مكعبلة وديونة متلتلة / مبيصبروش، دول ديلارات.”

يتصدر سادات وويجز المهرجان كنجمان متساويان بالجاذبية يدوران حول بعضهما البعض. أسلوب سادات خشن في جوهره ومصقول في أدائه، يقدم متعتان متناقضتان في نفس الوقت. بدأت خبرته في غناء المهرجانات تتجلى كثقل أدائي، تدركه وتستمتع به بغض النظر عن جودة العمل، يذكرني بالرابرز الذين التصقت سمعتهم بصوتهم، كـ جاي زي وكانيه وست. أما ويجز، فيبدأ بالتحول أمامنا من رابر موهوب وصاعد إلى ظاهرة قادرة على اكتساح ساحات الموسيقى الرائجة في مصر خلال وقتٍ قصير. تفيض ملامحه ووقفاته الباردة بكاريزما هادئة، بينما يتجول صوته براحة في الطبقات الوسطى ليذكرنا مرةً أخرى بأنه قادر على الغناء خارج أطر الراب والتراب والأوتوتيون. شخصيًا، لدي الاستعداد والرغبة بسماع ألبوم كامل بصوت ويجز حتى لو كان خاليًا من بار راب واحد.

يحتوي مهرجان خربان على أكثر من جواب جيِّد لمن يتساءل حول سبب توجه سادات إلى رابرز كـ مروان بابلو وويجز. فمن جهة، تمكن مشروع سادات الفردي أخيرًا من تحقيق قفزته الكبيرة والجريئة نحو تملك صوته الخاص، وتأمين نجاحه وربما سيطرته لسنوات أخرى بعد في المستقبل. من ناحية أخرى، لا يمكننا تخيل استغلال أفضل من هذا لسعة تأثيره في المرحلة الحالية.