.
هذا الجزء الثاني من سلسلة مقالات حول تاريخ الدَب. سيصدر جزء من السلسلة يوم الأربعاء من كل أسبوعين.
في النصف الثاني من الستينات، أظهرت الحشود تململًا من حركات رقصة السكانكيج السريعة؛ جعلت مقطوعات السكا بإيقاعها الحيوي من ساحات الرقص مكانًا إضافيًا لبذل المجهود، بدلًا من الاستراحة والاستمتاع بالموسيقى بعد ساعات العمل. في هذه الفترة، هيمن كوكسون دود على المشهد الموسيقي في جامايكا، بإنتاج عشرات المقطوعات شهريًا لشركة تسجيله استديو وَن، أمام مرأى غريمه ديوك ريد الغارق في مشاكل مادية منعت شركة تسجيله تريجور آيل من دفع أتعاب العازفين، خاصةً عازفي الأبواق. في خطوة حذقة، استغنى ريد عن آلات النفخ رغم أساسيتها في السكا – أزاحها بالكامل، وترك مكانها خطًا ثابتًا مفتوحًا للاعبي البايس، فخرج من تحت مظلة السكا بمقطوعات تعتمد على البايس جيتار بدل الأبواق.
عملت تسجيلات تريجور آيل مع فرق مختلفة عن الفرق الكبيرة المتواجدة في استديوهات كوكسون، لتقليل كلفة الإنتاج. من بين هذه الفرق، تعاون ديوك ريد مع المغني آلتون إليس وفريقه ذَ فلايمز. لم تكن أول أغنية أثمر عنها هذا التعاون مجرد أغنية سكا أخرى. تركت الفرقة المؤلفة من خمسة أعضاء، بلا عازفي آلات نفخ، مجالًا لإشباع اللحن بصوت البايس جيتار لـ جاكي جاكسون الملقب بـ كليفسون، والذي عُرف بتأثره بلاعب البايس الأميركي جايمس جاميرسون، وبموسيقى الموتاون الأمريكية الأفريقية.
جاء آلتون إليس، المغني الذي كان غائبًا خلال فترة رواج السكا، بمزاج مختلف لتسجيل الأغاني، رافق الإيقاع الهادئ بالغناء على طريقة مغني البلوز، وقد عرف لاحقًا بـ عرّاب الروكستيدي:
“عام ١٩٦٥ سميته الروكستيدي، أول أغنية روكستيدي كانت جرل إف جوت أ دايت. ما زال الإيقاع الحيوي حاضرًا، حتى أن كوكسون دود اعترف أن هذه الأغنية هي التي قلبت الموازين وجعلت استديو تريجور آيل هو الرقم واحد على الجزيرة بدلًا من استديو وَن.”
ضمت فرقة ذ فلايمز أيضًا لاعب الجيتار لين تايت، الذي أسس في نهاية ١٩٦٦ فرقة ذ جتس، وعمل مع المغني هوبيتون لويس على إنتاج أغنية تايك ات إيزي. سمح الإيقاع البطيء والكلمات المريحة للحشد المتعب من الرقص بالتمايل، وكأنه يتخفف من تعب العمل، ما جعل من تايك ات إيزي أول أغنية روكستيدي تغزو ساحات الرقص، وتوالت إنتاجات الروكستيدي في جامايكا بعدها حتى نهاية الستينات.
على ناصية الشارع أمام تسجيلات استديو وَن، وقف ثلاثة شبان متململين من تصرفات منتجهم، وباحثين عن حل للهرب من قبضته. سرعان ما فسخت فرقة ذ مايتالس، التي أسسها فريدريك هايبرد الملقب بـ تووتس، تعاقدها مع استديو وَن بسبب المعاملة السيئة من كوكسون دود، وانتقلت إلى العمل مع برنس باستر عام ١٩٦٦، الذي أنتج لهم أغنية برودواي جانغل. حكى تووتس في هذه الأغنية، التي غلبت عليها ثيمة الاستهزاء، عن طريقة تعامل كوكسون دود مع الفرقة، وعن أساليب احتكاره البشعة لعدّة من مقطوعاتهم: “لقد قُتلنا في الغابة / على يد رجل.”
مع نهاية الستينات، بدأت المنافسة تحتد بين شركات التسجيل، مثل تسجيلات بفرليز التي أسسها المنتج الصيني الجامايكي لزلي كونج، وتعاون مع فرقة ذ مايتالس. في هذا الوقت، بدأ العازفون الآتون من فرق الروكستيدي بالانضمام إلى تسجيلات بفرليز، مثل لاعب البايس جاكي جاكسون، وأنتجوا أول أغنية جاء فيها لفظ الريجي سنة ١٩٦٨، لِتس دو ذ ريجي، والتي كتب كلماتها تووتس.
“انتشر مصطلح ستريجي في جامايكا، وكانت صفة تُطلق على الفتيان الذين لا يظهرون بشكل جيد أمام الفتيات. ذات يوم عندما جلسنا لكتابة أغنية، كانت الموسيقى في رأسي وقلت ستريجي – ريجي، وكررت لفظ ريجي دون أن أعلم بأنه سيصبح اسمًا عالميًا لهذه الموسيقى.”
استمرت تعاونات المايتالس مع تسجيلات بفرليز، ليصدروا عام ١٩٧٠ ألبوم الرجل القرد، الذي احتوى أولى مقطوعات الريجي برِشر دروب. استطاعت فرقة ذَ مايتالس الدخول بهذه الأغنية إلى ساحات الرقص، وتمسكت بالغناء باللهجة المحلية لـ كينجستن، دون انجرار إلى محاولات اللفظ العشوائية للإنكليزية. أُعجب الجمهور بتمسك الفرقة بالتقاليد الريفية الجامايكية، وطالب المستمعون بلعب أغنية برِشر دروب لأكثر من خمس مرّات متتالية في إحدى حفلات مكبرات الصوت.
راج الريجي في بداية السبعينات، وظهرت الفرق القريبة شكليًا من فرق الروك. احتوت الفرقة على لاعب جيتار، لاعب بايس، لاعب مفاتيح، طبول، مع غياب واضح لآلات النفخ في معظم الأغاني، لتغيب معها معالم البلوز تمامًا. أما خصائص البنية الإيقاعية، فظهرت بصوت الضربات المتكررة على الإيقاع المبكّر (off-beat).
واحدة من هذه الفرق التي بدأت أيضًا من استديوهات كوكسون دود، هي ذ وايلرز. عام ١٩٧٠، خرجت ذ وايلرز بأول ألبوم ريجي مع تسجيلات بفرليز. سمي الألبوم ذ بست أف ذ وايلرز. حملت هذه الأغاني التي غنّاها قائد الفرقة بوب مارلي ثيمات مختلفة، من حب الطبيعة إلى الدخول في تعاليم الراستافارية، وأيضًا حب الوطن والانتماء بهدف إبعاد الحرب الأهلية.
تعامل بوب مارلي مع المنتج الجامايكي لي بيري، المعروف بـ لي سكراتش بيري، وأقنع فرقته بتسجيل ألبومي سول ريفولوشين وسول ريبلز، ليعاد إنتاج الألبوم الثاني في بريطانيا لشركة تسجيل ذ تروجان، التي اختصّت في إنتاج ألبومات الموسيقي الجامايكية، لكن هذه الخطوة لم تنجح في إيصال صوت الريجي إلى العالمية.
من نجح بهذه الخطوة هو المنتج ورجل الأعمال البريطاني كريس بلاكويل، الذي أسس تسجيلات ذ آيلند. بعد إنتاج ألبوم سول ريبلز، ذهبت الفرقة في جولة إلى الولايات المتحدة، حيث التقى مارلي مع بلاكويل، واتفقا على إنتاج ألبوم كاتش أ فاير. سُجلت الأغاني في جامايكا، ثم عاد بها المنتج إلى بريطانيا ليعمل على إصدارها عبر استديوهاته. فتح هذا الألبوم أبواب النجومية أمام ذ وايلرز. سنة ١٩٦٧، عندما كانت الفرقة في مرحلة إنتاج الروكستيدي، صدرت أغنية ستير إت آب، ثم أعيد إنتاجها في ألبوم كاتش أ فاير بتوزيع مختلف. جاء أداء بوب مارلي مختلفًا عن النسخة الأولى، استطاع مجاراة الإيقاع بالحيوية المطلوبة دون الاضطرار إلى تلوين صوته بطرق مصطنعة أو تقليد طريقة غناء البلوز، لتصبح هذه الأغنية من الضربات المبكرة التي مهدت الطريق أمام ذ وايلرز، والريجي، نحو العالمية.
مع بداية السبعينات، عمد المنتجون إلى استخدام عناصر من مقطوعات قديمة عرفت بالريذيم (riddim)، أضافوا إليها غناءً حيًا بأصواتٍ جديدة، في واحدة من الاستخدامات المبكرة للسامبلينج في جامايكا. بينما انتشرت موجة الدَب بلايت في مختلف أنحاء الجزيرة، دأب المنتجون على الاستعانة بمهندسي الصوت الذين تحولوا إلى علماء في تفكيك أغاني الريجي على أجهزتهم المحلية، والخروج بأول نوع موسيقى إلكترونية من جامايكا، الدَب.