.
قبل حوالي العام، أصدر أوكا وأورتيجا ما أصبح مع الوقت أنجح مهرجان على الإطلاق، ولا يزالان حتى اليوم تحت وطأة من هذا النجاح غير المحسوب.
بعد صدور إلعب يلا، كان من السهل أن ينظر جمهور أوكا وأورتيجا العالمي الجديد إليهما كـ فرقة الضربة الواحدة في حال لم يصدرا مهرجانًا ناجحًا آخر، أن يخسر أوكا وأورتيجا كل ذلك الزخم وتستمر مسيرتهما وكأن شيئًا لم يحصل. تحت هذا الضغط، جاء مهرجانهما الأوَّل بعد إلعب يلا كتشبث حزين بلحظة النجاح: مفشوخيتو، نسخة شعبية من ديسباسيتو – مهرجان استخدم كل حيلة شريفة ومخزية ككتابة كلمة ديسباسيتو بالعربية والإنكليزية في عنوانه على يوتيوب في صناعة الموسيقى لتسوّل الثلاثة ملايين مشاهدة التي حققها، فقط ليثبت أن أوكا وأورتيجا دخلا مرحلةً جديدة من النجاح، سيحافظان خلالها على وتيرة المشاهدات المليونية.
بعد مفشوخيتو، عاد أوكا وأورتيجا إلى جلدتهما بمهرجان كلها أبطال، مهرجان تقليدي يشبه أعمالهما السابقة لـ إلعب يلا إلى مدًى بعيد، من النوع الذي قد يصيب وقد يخيب. حقق المهرجان مشاهدات متواضعة لم تتعدَّ الربع مليون، وبدا كنهاية قاسية لضجّة إلعب يلا. في ظل هذا السقوط السريع من عشرات الملايين إلى الربع مليون خلال شهرٍ واحد، قرر أوكا وأورتيجا إعادة النظر في مسيرتهما، ولم ينشرا خلال العام الماضي سوى ثلاثة مهرجانات.
ما يلفت الانتباه في إصدارات أوكا وأورتيجا الأخيرة، أنهما لم يعودا إلى الشكل التقليدي القديم للمهرجان منذ كلها أبطال، إذ أن هذا الشكل يتطلب المجازفة، يتطلب إصدار عدة مهرجانات حتى يضرب واحد من بينها، لكن يبدو أنهما يحاولان قدر الإمكان تأسيس وتيرة مشاهدات مليونية، اختراق جماهير أوسع من جمهور المهرجان التقليدي، وعدم العودة إلى ما قبل إلعب يلا.
بدلًا من المهرجان التقليدي، أخذ أوكا وأورتيجا بالبحث عن معادلة جديدة تضمن لهما هذه القفزة. كانت أول محاولة في مهرجان جود بوي الصادر قبل عشرة أشهر، والذي استعاد بعض ملامح إلعب يلا، كاللازمة الأكثر صخبًا بشكلٍ واضح من المقاطع، وخطاب التنمية البشرية / الوعظ الأخلاقي الذي أصبح الركيزة الوحيدة الثابتة في أعمالهما، إما لاعتقادهما بأن هذا الخطاب ساهم بنجاح إلعب يلا، أو أنه يساهم بنجاح مغنين آخرين دارجين اليوم مثل أحمد مكي، أو حتى كرد على الهجوم العنيف الذي تعرضت له المهرجانات من حلمي بكر وأمثاله بكونها موسيقى منحلة فنيًا وأخلاقيًا، خاصةً وأن أوكا وأورتيجا تعرضا لحصة ظالمة من هذا الهجوم كونهما كانا في واجهة المهرجانات منذ وقتٍ مبكِّر. أتى جود بوي بصوتٍ منعش وإن لم يكن مكتملًا بعد، وتجاوز مع الوقت المليوني مشاهدة، فبدا كنقطة بداية لأسلوبهما الجديد، لكنهما عندما استخدما نفس المعادلة في مهرجان أمي الصادر بمناسبة عيد الأم، بعد تهدئة الصخب قليلًا احترامًا للمناسبة، انتهى بهما الأمر مجددًا إلى أقل من ربع مليون مشاهدة.
بعد مهرجان أمي، لم يصدر أوكا وأورتيجا أي جديد لنصف عام، ما قد يكون الانقطاع الأطول في مسيرتهما. خلال نصف العام هذا حصل الكثير، أحدث لأ لأ تغييرًا عنيفًا في ساحة المهرجانات، أصبح محمد رمضان الـ نمبر وَن في معدلات المشاهدات، بدأ فيفتي وسادات بإعادة اختراع أسلوبيهما، حتى شحتة كاريكا، زميل أوكا وأورتيجا السابق في فرقة ٨٪، أخذ خطوة موفقة نحو صوت جديد في مهرجانه الأحدث. وسط مشهدٍ كهذا، لم يعد أوكا وأورتيجا قادرين على العودة إلى قديمهما، كان الأمر ليبدو كانتحار، خاصةً بعد أن رفعا توقعات جمهورهما بانقطاع الأشهر الستة.
أصدر أوكا وأورتيجا مهرجان سوري منذ أيام لإنهاء هذا الانقطاع. يحمل سوري نفس العقلية وراء جود بوي، لكن بسعي أكثر شراسةً وإلحاحًا وراء الانتشار والنجاح الشعبي. يكفي نصف استماع للمهرجان ليتضح كوكتيل الاقتباسات الصوتية والبصرية من محمد رمضان وإكستنتاسيون الأمر الذي لاحظه العديد من المعلقين على يوتيوب، حيث أثبتت أساليب الاثنين شيوعهما وسط جماهير المهرجانات والتراب في مصر والعالم. بين خطاب التنمية البشرية ولوبات محمد رمضان الإلكترونية واللازمة الكلامية القصيرة وشيء من تراب إكستنتاسيون الخفيف الغنائي، بدا أن أوكا وأورتيجا يحاولان مجددًا العثور على رأس خيط لتصميم صوتهما الجديد الذي سيحقق ملايين المشاهدات في كل مرة، ويعزز مكانتهما في كتيبة المهرجانات الآخذة باكتساح ساحة البوب، في مصر على الأقل.
ظاهريًا، يبدو أن الرياح تهب في اتجاه أوكا وأورتيجا بالفعل، ثلاثة من مهرجاناتهم الخمسة الأخيرة قد تجاوزت المليون، وهذا معدل يحلم به الكثير من مغني المهرجانات. لكن بينما تمنحنا المهرجانات المليونية لـ فيفتي وسادات مثلًا شعورًا بأنها منصات قفز ستؤدي إلى أماكن أعلى وأبعد، نشعر عند الاستماع إلى مهرجانات أوكا وأورتيجا الأخيرة أنها تضع كل تركيزها وتصل إلى آخرها في المليون والمليونين سماع التي تحرص على تأمينهم كل مرة. كل مهرجان يستنفذ خدعًا إنتاجية بعضها صالح للاستعمال مرة وحدة، ليترك الثنائي بأرقام أكبر وشخصية أصغر ومستقبل أقل ثباتًا.
أتى إلعب يلا من الطيش الإبداعي الذي تعرف به المهرجانات، من تجربة متهورة غرائبية لدرجة أن الناس عندما تداولوه للأيام الأولى لم يصدقوا ما كانوا يسمعونه. بعد نجاح إلعب يلا، حرم أوكا وأورتيجا نفسيهما من هذا الطيش، حرما نفسيهما من شرطٍ أساسي للنجاح في الموسيقى، وهو الفشل (كل حينٍ وآخر)، وأصرَّا على التشبث بلحظة النجاح، حتى لو عنى ذلك التخلي عن الراديكالية التي أنجبت هذا النجاح في البداية.