.
كتب أيمن قناوي المقال بالفرنسية، وترجمه هيكل الحزقي.
فيلينجن-شفنينجن، ألمانيا الغربية، الثاني من حزيران / يونيو ١٩٦٧. دخل أربعة موسيقيين تونسيين يتقدّمهم صالح المهدي مصحوبين بآلاتهم إلى الاستوديو الأيقوني إم بي إس، الذي كان معروفًا وقتها باسم سابا. كان أمامهم رهان وحيد هو عزف المزود، الموسيقى الشعبية الأبرز في تونس، بمصاحبة موسيقيّي جاز. لم يخطر في بال الحاضرين وقتها بأن الألبوم الذين هم بصدد الإعداد له، نوون إن تونيزيا، سيدخل تاريخ إصدارات الجاز الكبرى في العالم.
عرف الجاز فورةً مهمة خلال الستينيات وانتعش مع انتشار الجاز الحر وظهور حركات طليعية نشأت خلال الخمسينيات، واستفادت من أفول البيبوب الذي لم يعد قادرًا على استيعاب كل ذلك الزخم. انفتح أمام موسيقيّي الجاز سيل هائل من التأثيرات القادمة من أوروبا وبقية أنحاء العالم، من اليابان إلى أفريقيا مرورًا بالبرازيل والهند. نصّبت شركة إم بي أس / سابا اهتمامها على استيعاب ذلك الزخم من خلال إصدار سلسلة أسطوانات تحت عنوان جاز ميتس ذَ وورلد، أشرف عليها هانس جورج برونر، مالك الشركة الألمانية وأحد المتيّمين بالجاز، بمساعدة خواكيم بِرِندت منذ سنة ١٩٦٢.
كان نوون إن تونيزيا خامس ألبومات هذه السلسلة. خاض بِرِندت، المعروف باسم بابا الجاز، أول تجارب التهجين بين الموسيقات الغربية والشعبية حول العالم، لكن مشروعه كان في حاجة إلى دفعةٍ قوية. وجد بِرِندت ضالته أخيرًا في جورج جرانتز، عازف البيانو السويسري. خلال إقامته في مدينة الحمامات سنة ١٩٦٤، حضر جرانتز سهرة فلكلورية لفرقة محلية حرّكت فيه فكرة مزج الجاز مع الموسيقى الشعبية التونسية. وجد جرانتز تقاطعات مثيرة بين الموسيقى التي سمعها في تونس والجاز الوضعي (model jazz)، خاصة مقطوعة ماي فيفوريت ثينج لجون كولتراين وصوت الساكسفون خاصته الذي بدا له قريبًا من الموسيقى المغاربية البدوية. على امتداد ثلاث سنوات تعددت خلالها زياراته إلى تونس، غاص جرانتز في عمق الموسيقى المحلية وإيقاعاتها وارتجالاتها، ووضع نصب عينيه جمع موسيقيين من تونس مع عازفي جاز. سخّر جرانتز وقته وجهده لإتمام مشروع الألبوم الذي راوده، لكنه قوبل بالسخرية من طرف المنتجين. كان بِرِندت وحده، مِن بين جميع المنتجين الذين طرح عليهم جرانتز الفكرة، مَن تفاعل معه بحماسةٍ وراهن على مشروع الألبوم.
اتصل بِرِندت بصالح المهدي، زرياب الموسيقى التونسية كما يُطلق عليه. بجانب سمعته كأحد كبار الموسيقيين في تونس، جمع صالح بين وظائف متعددة وشغل إدارة قسم الموسيقى والفنون داخل وزارة الثقافة والمعهد الوطني للموسيقى والرشيدية في نفس الوقت، كما لعب دورًا كبيرًا في دفع مسيرة عليّة ونعمة للبروز، بالإضافة إلى مساهمته مع صليحة من خلال تلحينه لبعض أغانيها. على صعيدٍ آخر، يمتلك الرجل مكانةً خاصة في الدوائر الرسمية، فهو الذي لحّن النشيد الرسمي القديم للبلاد، ألا خلدي، من كلمات جلال الدين النقاش. نشأ صالح المهدي وسط بيئةٍ موسيقية كلاسيكية، وكان والده عبد الرحمن المهدي من شيوخ المالوف المرموقين ومقربًا من خميس الترنان الذي احتك به صالح فيما بعد وأخذ عنه صنعة الموسيقى. تشبّع صالح بالتراث التقليدي وأسس سنة ١٩٦٢ الفرقة الوطنية للفنون الشعبية التي مهدت للمهرجان الدولي للفنون الشعبية. اتجهت الدولة آنذاك إلى مأسسة الفنون الشعبية، قبل إعلان بورقيبة قطيعته مع المزود بدايةً من السبعينيات.
وجد صالح المهدي في مشروع الألبوم فرصةً لدعم الموسيقى التونسية التقليدية عبر مزجها مع الجاز، واختار مجموعة من العازفين المقربين منه ضمّت جلول عصمان على المزود ومختار سلامة على الزكرة والبندير، بالإضافة إلى حطّاب الجويني على الطبلة والدربوكة والبندير. من جهته، اختار جرانتز عازفي الجاز خاصته بناءً على مدى معرفتهم وإلمامهم بخصوصيات الموسيقى العربية. ضم جرانتز عازف الساكسفون الأمريكي صاحيب شهاب وعازف الكمان الفرنسي جون لوك بونتي والألماني إيبرهارد فيبر على الكونترباص، مع السويسري دانيال هامر. حظي جرانتز بمكانة مميزة في المشهد الأوروبي، ولعب في مهرجانات مرموقة مثل برلين ونيوبورت وأنتيبس. ذاع صيت جرانتز قبل ذلك الوقت من خلال ألبوميه جاز جوز باروك وجاز جوز باروك ٢: ذَ ميوزيك أُف إيطاليا، وأظهر تمكنًا واضحًا في التلاعب بِالجنرات والانتقال بين تأثيراتٍ صوتية متنوعة.
استغرق تسجيل الألبوم في استوديو سابا يومين فقط. في البداية، أراد خواكيم بِرِندت التسجيل في تونس لاختصار تنقل الموسيقيين المحليين، لكن غياب استوديو بالمواصفات المطلوبة لـ سابا هناك عطّل الأمر. من المعروف عن سابا مدى تطلّبهم على مستوى الجودة، وامتلاكهم استوديو بتجهيزات ذات تكنولوجيا عالية جذب العديد من موسيقيي الجاز للتسجيل لديهم، مثل أوسكار باترسون وبايدن بوال وآرتشي تشيب.
دخل صالح المهدي والموسيقيون إلى الاستوديو. ساد جو ثقيل وخيّم إحساس بعدم الراحة لديهم في البداية. أقرّ جرانتز لاحقًا بأن ذلك الاختيار غير صائب، إذ أُخرج الموسيقيّون التونسيون من حاضنتهم الطبيعية إلى بيئة غريبة عنهم. جلس كل فردٍ من المجموعة إلى ميكرو التسجيل المخصص له. استوى صالح المهدي في جلسته، عدّل ربطة عنقه الحمراء وشرع في عزفه على الناي متبوعًا بِـ جلول عصمان ومختار سلامة وحطّاب الجويني في طابع الصالحي، إحدى الطبوع الشعبية في تونس، مع فواصل حذرة للكونترباص والبيانو المرافق. امتد العزف على دقيقة مثّلت مدخلًا للألبوم من خلال مغرب كنتاتا، أهم مقطوعة بحسب صالح المهدي.
تتكون مغرب كنتاتا من سبع حركات سُمّيت أغلبها بأسماء الإيقاعات الشعبية: استخبار، غيطة، علاجي، جربي، مربّع، بونوارة، فزاني. افتتح صالح المهدي الاستخبار بإحدى أبيات الغزل للشاعر الشعبي عبد الرحمن الكافي: “لولا لعج البرق من منحرها / ولا غدينا في ظلام شعرها”، تبعته نقرات طبلة وإيقاع، واختتم بضربات هاي هات مهّدت لصوتٍ قوي وحاد لمزود جلول عصمان. خَفَت التوتر تدريجيًا في الاستوديو وانخرطت بقية الآلات في العزف، تخللتها لحظات من التنافر والتجانس أثارت جوًا غريبًا ومثيرًا.
اتخذت الأصوات شكلًا مموجًا في تشكيلة جرانتز: يبدأ التونسيون بالعزف ويرخون وتيرته والإيقاع تدريجيًا لفسح المجال لفرقة الجاز للعب الارتجالات. كرّر جرانتز نفس البنية في كل حركات المقطوعة الرئيسية، مغرب كنتاتا، من أجل احتواء الأصوات القوية للمزود والزكرة. ارتكز تجريب جرانتز على النقلات الصوتية وخلق ترابطات عبر ترصيف الأصوات جنبًا إلى جنب أو مطابقتها فوق بعض. اجتهد مهندس الصوت ويل فورث في التقليل من حدة التنافر الصوتي بين الجاز والموسيقى التونسية الشعبية، رغم محدودية درايته بخصوصيات الموسيقى التونسية. رغم بعض النقلات المغرية، تعثرت توليفة الصوت وعززت الانطباع بأن المزج لم يكن منصهرًا تمامًا، وإنما كانت هنالك موسيقتان؛ تطغى إحداهما على الأُخرى.
من الصعب الحسم حول ما إذا كان نوون إن تونيزيا ألبومًا مكتمل المعالم أو مجرد جلسة لعب موسيقية تخلّلتها بعض نشازات الصوت. تشهد نهاية مقطوعة غيطة من الألبوم على ذلك، إذ بدا صوت الكمان لجون لوك بونتي هائمًا ومتنافرًا بشدة مع بقية الأصوات. كان الفرنسي الأكثر تحفظًا تجاه المشروع برمّته، ووصفه بـ المزج المستحيل وغير النقي The return of jazz (interview de jean luc ponty dans un journal / un magazine ’Serra’ annee 1968).، مستهدفًا بشكلٍ مباشر عدم قدرة الموسيقيين التونسيين على التأقلم مع الجاز. من المهم الإشارة إلى أن حصة التسجيل لم تدم أكثر من أربع ساعات. قضى الموسيقيون اليوم الثاني لإقامتهم في التعرف على بعضهم وأعادوا الاستماع إلى التسجيلات. تبدو تلك الظروف، التي كانت ضد إرادة جرانتز، قد ساهمت في الانحراف عن تصوره النهائي للألبوم. في نفس السياق، يشير الباحث التونسي محمد علي كمون إلى أن ضعف دراية كل فريقٍ بموسيقى الآخر قد ساهم في سطحية الألبوم جماليًا. أشار مارتن بليدر في نقده للألبوم بأن نقطة الضعف الرئيسية تمثّلت من الأساس في غياب المزج المتقن وتلصيق عوالم موسيقية متباعدة. بالرغم من إشادته بـ جرانتز، تعلّل مارتن بأن الخصوصيات الإيقاعية واللحنية للموسيقى التونسية حدّت من القدرة التعبيرية للجاز. على صعيدٍ آخر، أثار الألبوم حماسة أنصار ما يُسمى بـ موسيقات العالم.
احتل ألبوم نوون إن تونيزيا فور إصداره طليعة الألبومات الخمس، جاز ميتس ذَ وورلد، وراء بوسا نوفا. احتفى بعض النقاد بطليعية جرانتز وجرأته في المغامرة مع موسيقى غريبة عنه Dowbeat, les critiques (wolfgang laade, pfleiderer).، ما شجعه على إعادة لعب مقطوعات الألبوم مرات عديدة طيلة ثلاثين سنة من مسيرته بإشراف المنتج بِرِندت أو بدونه. صرّح جرانتز في وقتٍ لاحق بأن المنتج مارس سلطة أبوية على الألبوم. ركّز جرانتز كل اهتمامه على الألبوم، مدفوعًا برغبته في تجاوز الماضي العسكري لألمانيا النازية والتسويق لمصالحة تاريخية مع الجاز. اعتُبِر الجاز خلال الحكم النازي موسيقى غريبة لا تستجيب للمبادئ الحضارية والثقافية للمجتمع الألماني تحت الدعاية الوطنية الاشتراكية.
في نصّه التمهيدي الذي كتبه على غلاف الألبوم، أثار بِرِندت حفيظتي كتونسي. تجلّى ذلك بشكلٍ خاص في استعماله لمصطلح “بدويين” عند الإشارة إلى الموسيقيين التونسيين. تكرر المصطلح مراتٍ عديدة في النص. اعتقدت في البداية أن صالح المهدي ورفاقه قد اختاروا تلك التسمية، لكن لم يكن الأمر كذلك. كشف استعمال المصطلح عن رؤية بِرِندت الاختزالية لتاريخ المغرب الكبير واختصاره في تسمية بدويين، دون أي اعتبار للخصوصيات الهوياتية والثقافية لشعوب المنطقة. طغت رؤية استشراقية فجة على تناول بِرِندت للألبوم، الذي أشار ضمنًا إلى صالح المهدي ورفاقه كمجرد عازفين هواة ومغنّين بدو، والحال أن جلول عصمان مثلًا كان ضمن إطارات وزارة الثقافة وأحد أعضاء اللجنة المكلفة بإنشاء مركز الموسيقى العربية والمتوسطية، كما عمل لفترةٍ طويلة كمستشار وخبير في الموسيقات الشعبية.
تلخصت فلسفة بِرِندت في تقديم الألبوم كلقاءٍ بين جاز معاصر قادم من أوروبا المتحضرة، وموسيقى غرائبية بدوية. بالرغم من معارضة جرانتز لهذا التوجه الاستشراقي، إلا أن بِرِندت بسّط رؤيته بشكل واضح في نص الغلاف المرافق، من خلال تشديده على أن فكرة الألبوم تمثلت من الأساس في إخراج موسيقى عتيقة بعمر مئات السنين من تحت الأرض حتى يكتشفها العالم ككنزٍ دفين.
هل كان بِرِندت يبحث بشكلٍ موارب عن الانتصار لهوية ألمانيا ما بعد الحرب في وجه عالمٍ جديد؟ من وجهة نظرٍ موضوعية، من المشروع أن نكشف للعالم أصواتًا وموسيقاتٍ جديدة. يهدف الاستعمار بشكلٍ عام إلى طمر أشكال ثقافية – ومنها الموسيقى – وتقديمها تحت عناوين مختلفة. لكن نص التقديم لوحده ينسف أي غطاءٍ موضوعي يمكن أن يجنّب بِرِندت وقوعه في الاستشراق المنمّق في تناوله للألبوم. زد على ذلك أنه كيف من الممكن أن يسجل ألبومًا بأكمله في أربع ساعات وقد جمع للتو بين موسيقيين من مشارب وخلفيات ثقافية مختلفة لأول مرة؟ عبّر جرانتز عن ندمه لاحقًا بخصوص هذه المسألة، وعدم منح وقت كافٍ للتعارف بين الموسيقيين. يبدو أن صالح المهدي قد لعب دورًا في ذلك، فكونه قائد فريق الموسيقيين التونسيين، يُشاع أن العرض المالي المقدم من بِرِندت عجّل بالموافقة على المشروع دون تمحيصٍ أو تردد. من جهة أخرى، صرّح بِرِندت بأنه اختار تشكيلة الموسيقيين بعد اختبارات طويلة لمئات العازفين من تونس، والحال أن صالح المهدي قد فنّد هذه الادعاءات وقال بأنه أشار إلى بِرِندت بالذهاب إلى جربة مع خطيبته للاستجمام، وتكفّل لوحده باستدعاء عازفين يعرفهم عن قرب. لماذا أراد بِرِندت حبك قصة مثالية حول نشأة الألبوم؟ هل كان مهووسًا بتقديم نفسه كفاتحٍ ملحمي لأرضٍ مجهولة؟
ربما وجد بِرِندت في الألبوم فرصةً للتكفير عن عقدة الاستعمار عبر تصنّع مصالحة مع المستعمرات القديمة. بدا ذلك واضحًا في نصه: “عندما كتب ديزي جيلبسي مقطوعته نايت إن تونيزيا خلال الأربعينيات، كانت تونس فعلًا تعيش ليلًا طويلًا بعد غزو قوات رومل للبلد واحتلالها من قبل الحلفاء. كانت تونس وقتها مشروعًا لمستقبلٍ استعماري طويل، أما الآن فقد انجلى الظلام وها هي تعيش ظهيرة واعدة.”
عقد جرانتز سلسلة حفلات مع صالح المهدي ورفاقه كانت أهمها شتوتجارت راديو إكسبوزين سنة ١٩٧١، مهرجان الجاز في فرانكفورت سنة ١٩٧٤، حفل مخصص للراديو الألماني في كولونيا سنة ١٩٧٦، وفي مهرجان أورياش في النمسا سنة ١٩٧١، كما أقيمت حفلتان في الضفة الجنوبية للمتوسط سنتي ١٩٦٩ و١٩٧٨.
أخرج بيتر ليلينثال سنة ١٩٦٩ فيلمًا لصالح قناة إس دبليو إف الألمانية بصحبة عازف البايس هنري تاكسير وصاحيب شهاب وعازف الترومبيت الأمريكي دون شيري. يظهر العازفون في مقاطع الفيلم المتوفرة على النت محاطين بجمهور فتيّ ومسحور بالعرض. أشار صالح المهدي إلى أن ذلك اللقاء مثّل تباينًا واضحًا بين اهتمام هذا الجمهور الفتيّ لتلاقي الأصوات الموسيقية المختلفة، ونفور الأجيال الأكبر سنًا من ذلك. في الحقيقة، لم يكن الجاز غريبًا عن التونسيين، خاصةً جيل ما بعد الاستقلال. عاش المجتمع التونسي آنذاك انفتاحًا على الثقافات الغربية تدعّم بخيارٍ سياسي ثبّته بورقيبة، وتعزّز عبر سياق العولمة وإرهاصاتها. سنة ١٩٦٢، تأسس نادي الجاز دو تونيزي على يد موسيقيين مغمورين مثل أحمد بن ميلاد ومنجي ماجري وآخرون. تمخض عن هذا النادي حدثان مهمان في تاريخ الجاز في تونس: تأسيس رُباعي ابن الجاز سنة ١٩٦٤ وإنشاء أول مهرجان جاز سنة ١٩٦٣ في قرطاج، والأول في أفريقيا.
لا نستطيع تحديد أثر ألبوم نوون إن تونيزيا على تاريخ الجاز وانتشاره في تونس. أشار محمد علي كمون إلى أن الألبوم كان حدثًا مستعجلًا عثّر التقاء الجاز والموسيقى الشعبية التونسية، وغلب عليه التنافر أكثر من الانسجام. على صعيدٍ آخر، وبالرغم من مرور أكثر من نصف قرنٍ على إصداره، لم يفقد الألبوم شيئًا من حيويته. بدا مشروع الألبوم طموحًا في وقته، دافئًا وغامضًا في نفس الوقت، ومتأرجحًا بين انطباعات عدة قد تصل إلى حد التنافر أحيانًا. أعترف أنني سُحرت بالألبوم خلال أول استماع، لكن مع تكرار التجربة لمراتٍ عدة، تيقنت أنني بالغت في ردة فعلي. لا أعرف إن كان للعمر دور في ذلك. استمعت إلى الألبوم أول مرة سنة ٢٠٠٨ بعمر الواحد والعشرين، وانتظرت بعدها ١٢ سنة للحصول على فاينيل. بعد أن نفضت دهشة البدايات وجموح الاكتشاف وجدت نفسي أمام ألبومٍ إشكالي واستشعرت القدرة على تقييمه دون السقوط في رومانسية مخادعة.