تملي معاك عمرو دياب معازف مراجعة
مراجعات

تملي معاك | عمرو دياب

سلطان القيسي ۲٤/۰۲/۲۰۲۰

في المساحات الفاصلة، بنى عمرو دياب مجده. المساحات الفاصلة بين الأجيال، الأصناف الموسيقية، تراكيب البوب الرائجة في زمنٍ ما، آخر صرعات التوزيع، وأكثر من كل ذلك، المساحة الفاصلة بين قرنَين وألفيتين. مرت تجربة عمرو دياب بانعطافات كثيرة، وفي كل انعطافة كان يكسب صفًا جديدًا من الجماهير، ما منحه عمرًا متجددًا، على المستويين الفني والشخصي. هو واحد من القلة الذين أجادوا تفعيل العناصر كلها، واستغلالها بشكلٍ بدا مع الوقت مثاليًا. كانت أغنية تملي معاك الانعطافة الأجود في مسيرة عمرو دياب؛ أغنية الألفية كما يعتبرها الكثيرون من النقاد والمستمعين. جسّدت تملي معاك ذروة ثورة الفيديو كليب التي بدأت تتبلور مطلع هذه الألفية، حيث كان لا بد من السيطرة على هذا الجانب الذي أحسن استغلاله ثلة فقط، إلى جانب تقديمها موسيقى جديدة عربيًا.

كان أحمد علي موسى في الثامنة عشر من عمره حين كتب الأغنية. لم يكن بحاجة لمحاكاة حس المراهق، الذي يرتبك كلما فكر في أي شيء سوى الحب، وحين يعود في تفكيره إلى دائرة الحب يصير الأمر مربكًا أكثر. كانت حالة الضياع العاطفي سائدة أواخر التسعينات، تحديدًا مع دخول الدراما اللاتينية حيز الدبلجة، بدفق مشاعرها العالي، إلى جانب مجاورة الفترة تلك لـ “الزمن الجميل” ذي العاطفة المحمومة، إذ أقرّ موسى بأنه بنى الأغنية على أساس أغنية محمد فوزي تملي في قلبي يا حبيبي.

اشتغل شريف تاج على لحنٍ هادئ كعادته، وهو صاحب الرصيد الرومانسي الكبير: سيدي وصالك وعمري معاك لـ أنغام، وخليني أعيش وأديك عرفت لـ إليسااختار تاج مقام النهاوند ليجاري رقة الكلمة ويستهدف الموضع الأكثر دفءًا في صوت عمرو، الذي بنى اللوازم حوله، فإما تقتصر على آهات عمرو، وإما يكتفي بجعلها ضربات إيقاعية خفيفة، تثير حماسة المستمع ليلتقط بعدها نقر الجيتارات الناعم.

بعد نجاح حبيبي يا نور العين التي اعتمدت على المزاج اللاتيني، الذي ساعدت على انتشاره آنذاك ترجمة المسلسلات اللاتينية، وتقديم موسيقى القارة البعيدة جغرافيًا والقريبة روحًا وذوقًا، قدّم عمرو دياب قمرين ذات الأجواء المشابهة، والتي انسجمت مع قريناتها في العالم آنذاك، مثل أغنية توسونريسا لـ إلفيس كريسبو وليفين لافيدا لوكا لـ ريكي مارتن، اللتين تقاربانها في التوزيع وأسلوب وبنية اللحن والكليب. جاءت تملي معاك لتمزج بين اللاتيني وموسيقى جنوب أوروبا آنذاك، مثل قريناتها: أغنية فاموس آبايلار لـ ذ جيبسي كينجز وغيرها، ليعزز عمرو دياب بذلك من ارتباطه بموسيقى حوض المتوسط، مقاربًا بذلك بين ثلاث ثقافات موسيقية متنوعة لكن منسجمة. تولى طارق مدكور التوزيع، الذي وصل بالأغنية إلى نقطة تلاقي الثقافات الموسيقية الثلاث، مانحًا إياها قوامًا لائقًا، أسندته آهات عمرو دياب في الفواصل الموسيقية بين الكوبليهات، ليؤطر اللوحة الفنية ذات الخصر اللين.

يملك عمرو دياب أسبابًا عدة للنجومية، منها إحاطة نفسه بفريق متجدد دائمًا، من حيث العمل ومن حيث العمر والجيل الفني الذي ينتمي إليه، كما فعل مع أحمد موسى، الذي يقول إن أغنيته الأولى تملي معاك أُضيفت إلى ألبوم كان جاهزًا بعنوان العالم الله، قبل أن يقرر عمرو دياب تغيير العنوان وتصوير الأغنية الجديدة، وبث دماء أكثر شبابًا في العمل. هذه خطوات تُسجل لدياب على مر مشواره. يضاف إليها اهتمامه الكبير بصورته، من حيث اعتنائه بالمظهر الجسدي، وطرح ستايل جديد في كل كليب، والعمل المستمر على الظهور بأزياء فريدة. كلنا نذكر الضجة التي أحدثتها إطلالته في تملي معاك، تحديدًا لتتبعها سلسلة إطلالات أحدثت جدلًا بين أوساط الشباب، حتى أطلقوا اسمه على عناصر جمالية عدة، من كنزة عمرو دياب إلى حذاء وقصة شعر عمرو دياب.

المثير أن الانقلاب الذي أحدثته الأغنية، كان بالدرجة الأولى على أعمال عمرو دياب نفسها، فليس هناك من شبيهات لتملي معاك في رصيد عمرو دياب السابق لها. جاءت الأغنية فجأة من مكانٍ مختلف لا ينتمي إلى سلم التسعينات التوزيعي، ولا يلتقي في محل ما مع نجاحات النجم السابقة في ألبومات أثرت حتى على مجايليه. لعل السؤال الأهم: إذا كانت تملي معاك تحررت من سابقاتها، فهل تحررت لاحقاتها منها؟ الحقيقة أن دقة عمرو دياب في تغريب أعماله عن بعضها بعضًا، لعبت دورًا مهمًا في إبعاد أغنياته بعد تملي معاك عنها، إلا أنه لم يتمكن من الابتعاد عنها كثيرًا، فهناك أغنيات عدة يمكن أن تقع في دائرة هذه الأغنية، نذكر منها تقدر تتكلم وقصاد عيني وأغيب أغيب، وغيرها. ربما يقع هذا في مربع الهوية بقدر وقوعه في مربع التكرار، ما يمكّننا من القول إن أثر الأغنية استمر في تشكيل تيارٍ جديد داخل هوية عمرو دياب.

المزيـــد علــى معـــازف