.
تتولّد المشاهد الموسيقية الجديدة عادة كتراكم طويل الأمد للظروف السياسية والاجتماعية والجغرافية والثقافية. تبدأ من مجموعات صغيرة من الموسيقيين الذين تجمعهم توجهات ثقافية متقاربة وتأثيرات موسيقية مشتركة، يبنون على ما سبقهم ليضخوا دماء جديدة في أنواع موسيقية قائمة.
في معظم الأحيان، يحدث هذا التطور تدريجيًا، لكنه في حالات نادرة يتحول إلى قفزة نوعية يصبح فيه المشهد الموسيقي قادرًا على إعادة تعريف جنرات موسيقية بأكملها، أو حتى خلق أصوات جديدة بالكامل.
ما يجعل بعض هذه الحالات أكثر تفردًا هو أن الحركات الثورية التي تعيد صياغة المركز لا تأتي من قلبه، بل من الهامش. من الأماكن الأقل توقعًا، حيث تتشكل ثقافات فرعية حية، غنية بخصوصياتها الجمالية والفنية، فتتقاطع الأصوات مع الجغرافيا، ليصبح تعريف المكان نفسه ملازمًا للصوت الذي خرج منه.
من أبرز أمثلة طغيان الهامش على المركز الجرانج الذي خرج من سياتل، أو التريب هوب في برستول والراي الذي أتى من وهران. يصف براين إينو هذه الظاهرة بمصطلح Scenius، وهو دمج بين كلمتي مشهد (Scene) وعبقرية (Genius)، للتأكيد أن الابتكارات الموسيقية الكبرى ليست حصيلة عبقرية فردية، بل نتيجة تفاعلات مشهد كامل بكل مكوناته من موسيقيين وجمهور ومساحات عرض وثقافة فرعية.
في هذه القائمة نستعرض ثمانية مدن أعادت تعريف المركز الموسيقي بفضل مشاهدها الثورية، وخلقت أصواتًا تخطت حدودها الجغرافية.
عُرف هذا الصوت لاحقًا باسم الجرانج أو صوت سياتل، الذي انتشر كالنار في الهشيم عبر الولايات المتحدة ثم إلى بريطانيا وأستراليا.
في مطلع التسعينات، بدأ الجرانج يتبلور كصوت له خصوصيته الجمالية، مع بروز فرق مثل ساوندجاردن، بيرل جام، أليس إن تشينز، ونيرفانا، الذين يُعرفون بالأربعة الكبار للجرانج، إلى جانب فرق أخرى مثل ستون تمبل بايلوتس وكاندلبوكس، ومشاريع موسيقية جمعت أعضاءً من فرق مختلفة مثل ماد سيزون وتيمبل أوف ذا دوج.
ظهر صوت سياتل كتنويعة داكنة من الميتال والبانك، مستندًا إلى عناصر جمالية قاتمة تدور حول الوحدة، الإدمان، العنف، والغضب، وهي عناصر وُلدت بالضرورة من قسوة وطبيعة مدينة سياتل القاتمة.
من غير المتوقع أن تصل جنرا مثل الجرانج الى نجاحات تجارية كبيرة نظرًا إلى عناصرها الجمالية الحادة والقاسية، لكنها وصلت إلى قمة النجاح التجاري مع فرقة نيرفانا بصدور ألبومهم نيفرمايند والنجاح غير المسبوق لأغنية سميلز لايك تين سبيريت، ليغزو الصوت القادم من مدينة سياتل العالم، واضعًا الجنرا كالصوت المعرف لروك التسعينات.
في أوائل التسعينات، بعيدًا عن صخب مشهد الريف في لندن والبريتبوب في مانشستر، بدأت المدينة الساحلية بريستول في تشكيل مشهد موسيقي خاص، مستلهم من ثقافات المهاجرين الكاريبيين، ومزيج من السول والهيب هوب والدَب.
في هذا السياق ظهرت موجة موسيقية جديدة امتازت بإيقاعات بطيئة وثقيلة، وأجواء مشحونة بالقلق والانعزال، مع استعمال مكثف للعينات الصوتية والتأثيرات الإلكترونية، عرفت لاحقًا بالتريب هوب. شكلت فرق مثل ماسيف أتاك وأنكل وبورتيسهيد وتريكي نواة هذا الصوت، الذي جاء كرد فعل هادئ على الديناميكيات المتسارعة للمدينة والمشهد البريطاني الأوسع.
مع صدور ألبومات محورية مثل بلو لاينز لماسيف أتاك، دامي لبورتيسهيد وماكسينكواي لـ تريكي، ترسخ صوت بريستول عالميًا بوصفه التحديد الأساسي للتريب هوب. امتد تأثير المشهد سريعًا إلى أوروبا وأميركا مع فنانين مثل بيورك ودي جي شادو والألبومات التجميعية لتسجيلات نينجا تيون وصولًا الى منطقتنا مع فرقة سوب كيلز، وشكّل توجهًا هامًا للموسيقى الإلكترونية والمستقلة في التسعينات. مع توسع التجربة خارج حدود بريستول، ظل الطابع الكئيب والمشحون لهذا المشهد مرتبطًا بالمدينة.
في أواخر التسعينات وأوائل الألفية، بدأت أتلانتا تفرض نفسها كمركز حيوي للهيب هوب في أمريكا، بعيدًا عن سطوة نيويورك ولوس أنجلوس التقليدية. من الأحياء الجنوبية للمدينة، تطور صوت التَراب مستندًا إلى تجارب الحياة اليومية في بيئات يغلب عليها الفقر والعنف وتجارة المخدرات.
حمل التَراب إيقاعات ثقيلة قائمة على الطبول الإلكترونية والبايس العميق وتأثيرات الإي دي إم، مع أداء راب مشحون بالحدة والتكرار الإيقاعي. كان لمغنين مثل تي.آي ويانج جيزي وجوتشي مين دور رئيسي في رسم ملامح هذا الصوت، مؤسسين قاعدة جماهيرية محلية متماسكة قبل أن تتسع لاحقًا.
بألبومات مثل تراب ميوزك لتي آي، تراب هاوس لجوتشي مين ومنتجين مثل دي جي توومب وشاوتي ريد، وضعت أساسات الجنرا، التي صعدت تدريجيًا وبدأت في اكتساب انتشار واسع نحو مطلع العقد الثاني من الألفية، الذي وصلت فيه الجنرا إلى أوج نجاحاتها فنيًا وتجاريًا. منتجين مثل ليكس لوجر، ميتروبومن ورابرز مثل فيوتشر وميجوس صعدوا بصوت أتلانتا إلى القمة.
تجاوز التراب حدود أتلانتا ليصبح حجر الأساس الجديد لموسيقى الهيب هوب السائدة في الولايات المتحدة والعالم، قادت هذه الموجة إلى نجاحات تجارية ساحقة، مع انتشار تأثير التَراب إلى موسيقى البوب والإلكترونيك وحتى الروك والميتال، لتصبح الجانرا الأكثر استماعًا في العالم في منتصف العقد الماضي قبل أن يهبط سهمها تدريجيًا في السنوات الأخيرة.
ظهرت المهرجانات في منتصف العقد الأول من الألفية على يد منتجين مثل عمرو حاحا وفنانين مثل السادات وفيفتي. مع صعود الجنرا، برز مشهد غير مسبوق في مدينة الدخيلة على هوامش الإسكندرية. استخدم شباب الدخيلة أجهزة كمبيوترات بسيطة وبرامج منزلية لصناعة الموسيقى بشكل عفوي، ومن أولى إنتاجاتهم ظهر فرق واضح بين أسلوب الدخيلة في المهرجانات والأسلوب القاهري.
بينما اتسمت مهرجانات القاهرة بسرعة الإيقاع وقلة التراكيب اللحنية، جاءت مهرجانات الدخيلة بإيقاعات أبطأ، مع تركيز كبير على الأداء اللحني وعمق الكلمات، ما عكس الطبيعة الجغرافية الأهدأ نسبيًا بالمقارنة مع القاهرة. فنانين مثل فيلو، زيزو النوبي، حودة بندق، زياد الإيراني، وحودة ناصر، وغيرهم، وضعوا حجر الأساس لصوت الدخيلة في عالم المهرجانات.
اتسم مشهد الدخيلة بالتعاونات الكثيفة، إذ كان من النادر أن يغني فنان واحد في مهرجان، وكانت الأغلبية تميل إلى تكوين فرق بأسماء مختلفة تتكون من ثلاثة أو أربعة أشخاص. من بين هذه الفرق كان فريق الأحلام، الديابة الستة، مافيا الشياطين، اتحاد القمة، واتحاد القوة، وغيرها من التشكيلات التي غالبًا ما ضمّت أعضاء مشتركين.
اختلفت مهرجانات الإسكندرية عن القاهرة من حيث التركيب الموسيقي، المواضيع الكلامية، والإيقاعات، وقدمت تنويعات لم تتواجد في مهرجانات القاهرة. كما اتسمت بغزارة إنتاجية كبيرة، نظرًا لأن معظمها كان يُسجل خصيصًا للأفراح. لذلك نجد في الكثير من مهرجانات الدخيلة وصلات مسا تمتد لأكثر من دقيقتين أو ثلاث في نهاية المهرجان، بالإضافة إلى مهرجانات كثيرة تحمل في عناوينها أسماء الأفراح مثل اتحاد القمة وفرحة تيتو، أو أسماء المناطق التي احتضنت الأفراح مثل اتحاد القوة والمعمورة ونسور كامب شيزار.
يتفرع صوت المهرجان بصورته الحالية بشكل رئيسي من المشهد السكندري. إذ تأثر فنانون مثل إسلام كابونجا وحمو بيكا وعصام صاصا بصوت مهرجانات الإسكندرية وضخوا فيه عناصر جديدة، في حين عمل منتجون مثل قط كرموز وفيجو الدخلاوي، الذين ما زالوا يستخدمون الأساليب الإنتاجية ذاتها، على صقل هذا الصوت ودفعه نحو ذروته الحالية، وواصلوا بالمهرجانات إلى تحقيق نجاحات تجارية غير مسبوقة.
حتى اليوم غالبًا ما تتركز الإشادة النقدية على مشهد السلام، وتغيب الدخيلة عن الصورة، رغم أن تأثيرها يظل الأكبر والأكثر تطورًا.
لعبت الشيخة ريميتي دورًا محوريًا في هذا التحول، حيث أدخلت مواضيع أكثر جرأة تتناول الحب، الحرية، والمقاومة الاجتماعية، ما جعلها تُعتبر الأم الروحية للراي كما نعرفه اليوم.
خلال العقود التالية، خضع الراي لتحولات موسيقية كبرى، خصوصًا مع تأثير الموجات الغربية من موسيقى البلوز، الروك، والبوب التي وصلت الجزائر عبر إذاعات البحر الأبيض المتوسط. أدخل الموسيقيون آلات كهربائية مثل الجيتار والكيبورد، ما منح الراي طابعًا أكثر حداثة ووسع من جماهيريته، لا سيما بين الشباب.
بلغت هذه التطورات ذروتها في تسعينات القرن الماضي مع جيل جديد أبرزهم الشاب خالد، الشاب مامي، رشيد طه، والشاب حسني، الذين قادوا الراي إلى آفاق تجارية وفنية غير مسبوقة.
على عكس معظم أشكال الموسيقى العربية آنذاك، التي اتجهت نحو صيغ متأثرة بالغرب لكنها بقيت مقيدة ببنية كلاسيكية تقليدية، جاء الراي بنسخته الحديثة كصوت أصيل وجريء. يرى محمد فهمي، مؤسس بودكاست قصص وأصوات، أن الراي هو “الجنرا العربية الأنجح في التاريخ”، وهو تقييم تدعمه الأرقام والانتشار العالمي للراي.
نجح الراي عبر الجاليات الجزائرية في فرنسا، ثم عبر التعاونات العالمية، في اختراق الأسواق الغربية. بلغ هذا النجاح ذروته مع تعاونات مثل ديزرت روز التي جمعت الشاب مامي بستينج، كما تعاون رشيد طه مع ميك جونز، عضو فرقة ذا كلاش، وبريان إينو، أحد أهم فناني الموسيقى الإلكترونية والآمبينت، في إعادة تقديم أغنية روك القصبة.
اليوم، يظل الراي شاهدًا حيًا على قدرة صوت شعبي محلي، نشأ في أزقة مدينة معزولة، أن يتحول إلى ظاهرة موسيقية عالمية، دون أن يفقد جذوره وروحه الأصلية.
ولد الريجيتون من الهامش، جغرافيًا وطبقيًا وعرقيًا، في مناطق الكاريبي الناطقة بالإسبانية، ,تحديدًا في بورتوريكو وبنما خلال الثمانينات والتسعينات. في بنما، شكل العمال المنحدرون من جامايكا جسرًا ثقافيًا نقل موسيقى الريجي والدانسهول إلى بيئة لاتينية ناطقة بالإسبانية، فانطلقت أولى تجارب ريجي إن إسبانيول على يد فنانين مثل إلي جنرال.
أما في بورتوريكو، فقد تطور هذا التداخل إلى شيء أكثر عمقًا وتوترًا، موسيقى من الشارع تعتمد على أشرطة غير قانونية وتباع في الأسواق الخلفية وتسمع في المجمعات السكنية (الكاسيريوس)، محملة بنصوص حادة تتحدث عن العنف، الجنس، والنجاة.
في بداياته، كان الريجيتون في الأندرجراوند، واعتبر تهديدًا اجتماعيًا حيث تعرضت حفلاته للمداهمة وواجه الفنانون حملات تشويه إعلامية. مع ذلك، شكلت هذه البيئة العدائية أرضًا خصبة لولادة مشهد موسيقي متمرد، برز فيه أسماء مثل دي جاي بلاييرو، دادي يانكي، وآيفي كوين، الذين ساهموا في تشكيل ملامح صوت اعتمد على إيقاع الديمبو المشتق من الدانسهول كأساس، فيما راحت الكلمات تتنوع ما بين الحكي الخام والثيمات الاحتفائية.
حدث التحول الجذري في مسيرة الريجيتون في العقد الثاني من الألفية، حين تحولت ميديين الكولومبية إلى مركز جديد لإنتاجه وترويجه. استفادت المدينة من مناخ إبداعي ومؤسساتي أكثر تسامحًا، سمح لفنانين مثل جي بالفين وكارول جي بالانفتاح على البوب العالمي دون التنازل الكامل عن الجذور الكاريبية.
ظهر جيل جديد من المنتجين مثل سكاي رومبييندو وأوفي أون ذا درامز، ممن قاموا بتنعيم حواف الصوت وإدخال عناصر من التراب والإي دي إم والبوب، ما أتاح للريجيتون اختراق السوق العالمي. بذلك لم يعد الريجيتون مجرد صوت قادم من الهوامش، بل بات إحدى لغات البوب العالمي الذي أعاد تشكيل صورة أمريكا اللاتينية في الخارطة الموسيقية.
في أنجولا، وتحديدًا في لواندا، ولد الكودورو على أنقاض حرب أهلية طويلة أنهكت البلاد وخلفت أحياء هامشية مكتظة، بنية تحتية منهارة، وشبابًا يبحث عن منفذ. يحمل اسمه، الذي يعني حرفيًا المؤخرة القاسية أو الصلبة، طبيعة هذا الصوت: حاد، صدامي، ويُنظم الجسد في حركة متشنجة لا تخلو من العنف الرمزي.
ظهر الكودورو أواخر التسعينات ومطلع الألفية كنتاج انسجام غير متوقع، بين موسيقى التكنو الأوروبية من البرتغال وبلجيكا، والإيقاعات الأنجولية التقليدية مثل السامبا والكيزومبا، مدعومًا بأجهزة كمبيوتر رخيصة وتوزيع رقمي بدائي.
كان الكودورو موسيقى الشوارع والأسواق الشعبية، يخرج من مكبرات صوت رديئة، يترافق مع رقصات متكسرة تحاكي الصرع أو الاحتضار، مصحوبًا بكلمات فيها من الهزل والهجاء بقدر ما فيها من العنف. لم يكن هناك نجوم بالمعنى التقليدي، بل دي جيهات محليون وفنانون مستقلون يوزّعون أغانيهم على أقراص مدمجة تباع يدًا بيد، مشابه بصورة كبيرة لنشأة الهيب هوب.
مع مرور الوقت، برزت أسماء مثل دي جاي زنوبيا وبيتو براتا، الذين طوروا الصوت وأدخلوه إلى مساحات أوسع، مع الحفاظ على طاقته الخام. كان الكودورو أكثر من مجرد موسيقى للرقص، بل خطابًا طبقيًا صريحًا، صوت ما بعد الحرب، وحالة تمرد مستمرة.
مع انتقال أنجولا إلى حالة من الاستقرار النسبي، وجد الكودورو لنفسه حياة ثانية في الشتات، خاصة في لشبونة، حيث أعاد الفنانون المنحدرون من مستعمرات برتغالية سابقة، مثل أنجولا والرأس الأخضر وغينيا بيساو، تشكيل الصوت ضمن مشهد أوسع من الشتات الإلكتروني.
ظهرت تسجيلات برينسيبي وأسماء مثل بوركا سوم سيستيما وتيتيكا، ممن دفعوا بالكودورو نحو آفاق أكثر تجريبًا تتحدث عن الفجوة بين المركز والمستعمرات. تحول الكودورو من موسيقى صاخبة تملأ شوارع لواندا، إلى ظاهرة ثقافية تعبر عن التمزق ما بعد الاستعماري، وتشكل مستقبل الموسيقى الإلكترونية الإفريقية.
ولد الجرايم بوصفه ردًا عنيفًا على تلك البيئة، يمزج بين إيقاعات الغراج والدانسهول، تقنيات الجانغل، وأسلوب الهيب هوب في السرد، لكن بسرعات تقارب الـ١٤٠ بي بي إم وبنبرة أقرب إلى البيان السياسي منها إلى الترفيه.
تطور الجرايم في ظل شح الإمكانيات، لكنه استفاد من أدواته المحدودة بين قنوات الراديو المقرصنة مثل رينس إف إم وبرامج مثل فروتي لوبس ومايكات رخيصة. شباب مثل ديزي راسكال ووايلي وسكيبتا وكانو وليثل بيزل لم ينتظروا أن يدعوهم أحد إلى الصناعة، بل صنعوا مشهدًا كاملًا بأنفسهم عبر كلاشات حية، ميكس تايبس تباع من حقائب الظهر، ومجتمع يمتحن شرعية الفنان على أساس من هو، لا من وقّع له عقدًا. لم يكن الجرايم معنيًا بالنجومية بقدر ما كان وسيلة لإثبات الذات داخل جغرافيا تمارس الإقصاء بكل وسائله.
رغم المحاولات المؤسسية لاحتواء الجرايم أو تمييعه، ظل محتفظًا بروحه العنيدة، متنقلًا بين أجيال. من صعود ستورمزي وظهور ليتل سيمز وجايمي لاحقًا، أظهر الجرايم قدرته على النمو دون أن يفقد لونه الطبقي أو لسانه الحاد.
في لحظات كثيرة، كان الجرايم صوت الحراك الشبابي البريطاني، سواء في وجه الشرطة، الإعلام، أو حتى السردية المهيمنة عن الهوية البريطانية؛ واليوم، بعد أكثر من عقدين، لم يتحول الجرايم إلى بوب، بل صار بنية تحتية ثقافية تنتج وتنتقد وتعيد تعريف لندن بوصفها مدينة ما بعد استعمارية، يتكلم فيها الصوت المهمش لغةً مركزية.