.
السياق أساس كل شيء؛ إذ يتأثر استيعابنا عملًا فنيًا، أو خبرًا، أو تغريدة أو حتى حديثًا عابرًا، إلى حدٍ كبير بكل ما يحيط بنا. لا يوجد الفن في فراغ، ويعتمد تقديرنا له أو عدمه على مدى ارتباط هذا العمل بذلك السياق. لحسن الحظ، يأتي ألبوم إستوك الجديد على تسجيلات سبكالت في التوقيت المناسب، ليقدّم موسيقى تصويرية ملائمة للكآبة التي تحيط بنا.
بصوت ثقيل ومُحكَم منذ اللحظة الأولى، يُمثّل الألبوم تحوّلًا عن الموسيقى الراقصة السريعة في ألبوم العام الماضي تايم باسز، أنتيل إت دزنت، وكذلك عن التكنو في ألبومها الطويل السابق، سيرينيتي.
هل نحن محكومون بالخضوع للغباء والقسوة؟ ألبوم أكثر قتامة، أبطأ إيقاعًا، ومغمور بطبقة كثيفة من الديستورشن، يمزج بين إيقاعات سكورن البطيئة، وضجيج يلو سوانز الآسر، وأصوات باكواش الإندستريال، ويحافظ على تماسكه ووحدته دون أن يصبح رتيبًا أو متكررًا. تتّضح لوحة الصوت منذ البداية، بينما تبقي تغيّرات خفية في المزاج والإنتاج على ديناميكية الألبوم وتدفّقه.
أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الألبوم يحتفظ بانتباه المستمع من بدايته إلى نهايته هو قائمة المتعاونين الطويلة التي تستعين بها إستوك، لإضفاء طبقات من الأنسجة الصوتية والخامات فوق الإيقاعات المتدفقة بقوة والبايس الثقيل.
تبدأ دي جاي حرام الألبوم بتكرارات هادئة لعبارة “أنا الدليل، أنا السلاح”، تتسلّل وتتلاشى وسط مشاهد صوتية يتخللها درونز وبايس نابض. تضيف أزادي.إم بي ثري نبرة تحدٍّ واضحة في التراك التالي، بغناء أكثر حضورًا ويشغل مساحة أوسع في المزيج الصوتي.
يقدّم كلٍ من ميليتاري ساينتست وفايلنس لحظات تطهّر بصرخاتهما المقطّعة والمشوّهة والأنين القاسي في تراكي وير دو وي جو ناو وبونز بروكن، ماني ثينجز لفت أنسيد.
أما أبرز التعاونات، وربما الأكثر قربًا إلى أسلوب الغناء التقليدي، مساهمة ميا كاروتشي وإكسبلويتد بودي في سكورتشد إرث. ينسج الغناء الحالم الجميل تباينًا رائعًا مع الضجيج اللادغ والسَب بايس المدوّي، ما يجعلها واحدة من أبرز لحظات الألبوم.
يُعزَّز التنوّع الناتج عن هذه المشاركات بشكل أكبر من خلال تغيّر السرعات وتعدّد الآلات المستخدمة، وهو ما يتضح بالأخص في التراكات الآلاتية.
أولى هذه التراكات، ذَ بويزن أُف ذَ سنتر، الذي يتميز بوتريات تتحرّك بين جانبي المجال الصوتي الاستريو مع بايس كثيف يشكّل الهيكل الأساسي، بينما تعزف نغمات هشّة فوق إيقاع جذّاب يذكّرنا ببعض أعمال فَك باتنز الأكثر ثقلًا.
يسير هيفن ديفايند فور أنذر في مسار مشابه، حيث تُستخدم تسجيلات ميدانية لتشكيل جزء من الإيقاع. أما التراك الختامي، سكراتش أَ ليبرال، فيستعيد الوتريات المتكسّرة ويترك المستمع في حالة من التوق مع نهاية الألبوم.
هل نحن محكومون بالخضوع للغباء والقسوة؟ سؤال طرحه كثيرون منا، وتوحي الموسيقى بأن الإجابة ربما تكون: نعم. تظهر لحظات من التحدي والجمال، سواء في الألبوم أو في العالم من حولنا، لكنها، كما هو الحال في الواقع، عابرة وسريعة الزوال، تُسحَب مجددًا إلى العتمة.
يحمل الألبوم رسالة مقاومة، لكنها متجذّرة في واقع قاتم. هو موسيقى تصويرية لا للهروب من هذا العالم، بل لمواجهته.