fbpx .
نزهة يونس أصول منسية نزهة يونس ديانا حداد دلال الشمالي جورج وسوف يارا علي الديك سارية السواس صفوت شربجي حامد مرسي فتحية أحمد كارم محمود صباح فخري زكي أفندي مراد إيمان البحر درويش صبري مدلل معازف Nozha Younes Fiana Haddad Dala Shmali George Wassouf Safwat Shorbaji Sabah Mohamed Mounir Hamed Morsi Fathiya Ahmad Sabah Fakhri Asmahan Sabri Moudallal Ma3azef
قصص الأغاني

عودة الأغنية الضالة | ٧ أغانٍ ذات أصول منسية

نور عز الدين ۲۰۱۹/۱۱/۰۸

تتحول قصص ولادة بعض الأغاني إلى حلقات مفقودة، نخسر فيها البطل الأساسي الذي تعب في اختيارها والوصول بها إلى شكلها الأخير، قبل أن تسقط من يده ككرة تتدحرج في الوسط الغنائي، لنقع أحيانًا في فخ نسبها إلى أشهر مؤدٍ لها، أو حتى اعتبارها فلكلورًا. في هذه القائمة مجموعة من الأصول التي تستحق الاستذكار لأغانٍ عرفناها بأصوات لغير أصحابها.

أمّانيه | نزهة يونس 

تسأل ديانا حداد بلهجة بدوية زائفة: ” ليش انا حيرانة؟”، على إيقاع بوب تسعيني وبكلمات مختلفة أضافها الشاعر صفوح شغالة. أبقى الملحّن جورج مارداروسيان على اللحن القديم للأغنية وغيّر التوزيع فقط، مسرّعًا الايقاع ليتناسب مع موسيقى السوق وقتها. صدرت الأغنية مع فيديو كليب، حيث تظهر ديانا في بداية الفيديو بـ تيشيرت سوداء مع مجموعة من الشباب بالجينز والتيشيرت. يختلف المشهد في منتصف الكليب لترتدي عباءة طويلة، ويرتدي مَن حولها ثيابًا فلكلورية بألوان عصرية. قدمت ديانا الأغنية بروح البوب التسعيني في قالب فولكلوري، وكانت من الأغنيات الفاتحة لباب شهرتها.

بعد صدور الأغنية بفترة، استمعت ديانا حداد باهتمام إلى نسخ مختلفة من أغنية أمّانيه عرضها عليها المقدم خلال ظهورها في برنامج حواري، لتجيب بعدها على سؤاله عن حقوق هذه الأغنية بثقة تامة: “هني أخدوها مني.” المفارقة أنها قلبت وجهها عندما شاهدت فيديو لنزهة يونس تقف على المسرح في منتصف الستينات وتغني نفس الأغنية. رفعت إصبعها وأجابته هذه المرة: ” بدك تسأل الملحن.”

كما قالت ديانا، لم يخبرها الملحن جورج مارداروسيان شيئًا عن تاريخ الأغنية، لكن رغم معرفتها لاحقًا بأن نزهة هي صاحبتها، اعتبرت المعلومة غير مهمة ولم تنوّه إليها يومًا بحجة أن الأغنية “ماشالله ضربت.”

لفّت نزهة يونس الدول العربية لتقدم الحفلات الغنائية في فترة شهرتها القصيرة قبل اعتزالها الفن، وفي حفلتها في سوريا التقط الفيديو الذي عرض على ديانا حداد. عام ١٩٦٦ وقفت نزهة بثبات أمام فرقة شرقية، تغني موال من الميجانا، وتنتقل بعدها بصوتها المليء بالغنج والدلال ولكنتها البدوية المتقنة على إيقاع الطبلة البلدي لتغني أمّانيه.

تَلاعب صوتها بالجمل اللحنية بسلاسة، فكانت تشدّه حينًا لتطرب الجمهور الصادح: “بعد بعد”، وترخيه بعدها لترقص. حتى مظهرها كان متناسقًا مع روح الأغنية، من الطرحة الطويلة التي أسدلتها على كتفيها، إلى الكحل الذي زيّن عينيها، وحتى الأقراط الكبيرة. تفتح نزهة ذراعيها وتقول بثقة: “بس أنا حيرانة.” في نسختها هي واثقة من كل شيء حتى من حيرتها، تصفق للفرقة المندمجة معها، والكورال الشبابي الذي يردد وراءها تعويذتها الجميلة: “أمّانيه أمّانيه.”

الكلمات المختلفة عن نسخة حداد، أعطت الأغنية صور شعرية جميلة: “والأسمر عود قرنفل لفلفو بحضاني”، لتتحول بين حبال صوتها إلى قصة فتاة بدوية تقف أمام خيمتها وتغني للحب، لخلخالها، للسائق المستعجل، وتنتظر حبيبها الأسمر.

لهجر قصرك | دلال الشمالي

” نحن تعبنا ع هاي الأغاني لشهرناها وهلأ يلا بيجوا بيغنوها وبيقولوا فلكلور، اي مانها فلكلور”

في سبعينات القرن الماضي، انهمكت المطربة دلال الشمالي في العمل على أغنية جديدة كتبها الشاعر رفعة عاقل ولحنها لها زهير العيساوي، ثم طافت بها بين العديد من المسارح العربية لتحصد بها الإعجاب والشهرة، خاصةً بإفرادها مساحتها الخاصة للتطريب على مقام البياتي، متناسيةً خفة الإيقاع البلدي دون التناقض معه. ربما لم تتخيل دلال نفسها أنها ستجلس بعد أكثر من أربعين عامًا أمام جمهور نسي وجودها واعتبر أغنيتها لهجر قصرك فلكلورًا لا صاحب له.

بعد سنوات من نجاح لهجر قصرك اختفت دلال، ومرّت الأغنية كل من أحب اللهجة البدوية وأراد أن يرّقص جمهوره على لحن معروف وكلمات خفيفة وقريبة إلى الأذن، فيعطيها إيقاعًا سريعًا ويجعل منها دبكة تلهب السهرة.

جورج وسوف، سارية السواس، يارا وعلي الديك، بحسب دلال، كلهم أسوأ من بعض، ووشوّهوا الأغنية. ربما كان ذلك بسبب أن أحدًا لم يذكرها أو يوجه لها تحيةً يومًا. في النسخ الأخرى، تحولت كلمة الركب إلى “الرتشب”، لتقول دلال: “وين في رتشب باللهجة البدوية؟” تسأل سارية السواس وعلي الديك. حتى آلان مرعب الذي اشتهر بها في بدايات التسعينات غيّر في اللهجة، وسرّع اللحن ليجعلها تميل إلى أسلوب الدبكة مع أصوات الكورس المحمسة، مضيعًا مقام البياتي في زحمة الإيقاع البلدي المسرّع.

حبيت إرمي الشبك | صفوت شربجي

عام ألفين واثنين أصدر جورج وسوف ألبوم إنت غيرهم، وكانت إحدى أنجح أغانيه: حبيت إرمي الشبك. ذُكر في الألبوم أن الأغنية من كلمات عبد الجليل وهبي وألحان جورج يزبك، أي أن الوسوف يعلم أصل الأغنية، دون أن ينوّه أنها ترجع إلى مطرب قديم اسمه صفوح شربجي غناها عام ١٩٦٦، قبل ستٍّ وثلاثين سنة من صدورها في ألبوم جورج والتصاقها بصوته.

نقطة الاختلاف المهمة بين النسختين هي التوزيع. في هذا الألبوم تعامل الوسوف مع الموزع مازن زوائدي، الذي نجح في إخراج بعض الأغنيات بروح عصرية جديدة. تبدأ نسخة الوسوف بآهات ينتقل بعدها إلى فرد مساحات صوته الطربي الذي بدا عليه التعب قليلًا في تلك الفترة، ثم يدخل فجأةً صوت جيتار بلحن لاتيني، يختلط بعدها بإيقاع شرقي كنوع جديد من الموسيقى الإكزوتيكية التي غزت السوق وقتها. يغني الوسوف ثلاثة مقاطع يبدأ كلٌّ منها بموّال يتبعه موسيقى لاتينية سريعة تنتهي باللازمة: “وعيونها قالت وعني مالت / شالت حطِّت، حطِّت شالت، وكله بلفتة نظر.”

في المقابل، أتى توزيع نسخة شربجي التقليدي متسقًا مع زمن صدورها في الستينات. تبدأ الأغنية بموال ثم تنتقل إلى تسريع الإيقاع قليلًا ليفرد شربجي صوته على مقام الكرد، مشبعًا الجمل اللحنية طربًا وحساسيّة. الملفت أن تعديل الكلمات في نسخة الوسوف جاء فقط لجعل الأغنية أكثر محافظةً. في المقطع الأخير من نسخة شربجي نسمع: “عربد كاس الهوى وتعاركنا سوى”، وتستعمل كلمة عربد في اللهجة اللبنانية لمن يقضي وقته في السكر حتى الثمالة. يخجل الهوى في نسخة الوسوف من العربدة، ويكتفي بالتغريد: “غرد بينّا الهوى وتعاركنا سوى.”

يابو الطاقية | صباح

عام ١٩٦٨ ظهرت صباح في فيلم ثلاث نساء، وغنت أغنية استعراضية خفيفة اسمها يا بو الطاقية من ألحان الأخوين رحباني. على ألحان موسيقى الآلات الغربية من جيتار كهربائي وأورج يأتي صوت صباح الجبلي، لتحمل الأغنية أسلوب الكانتري. رغم خفة الأغنية وأداء صباح الجيد إلا أنها بقيت حتى نهاية الألفينات عالقةً في صندوق أغاني الأفلام المنسية، حتى استعادها محمد منير عام ٢٠٠٨ بتوزيع جديد.

في نسخة منير، أعاد رومان بونكا توزيع لحن الرحابنة لتدخل الأغنية على إيقاع يقارب إيقاع التانجو الأرجنتيني، يرافقه صوت منير عند انتهاء كل الكوبليه بصرخة “هيه” هذه المرة. أُنتجت الأغنية عام ٢٠٠٨ في ألبوم طعم البيوت الذي استعاد منير فيه مجموعة من الأغاني القديمة التي أراد تقديمها بأسلوبه الخاص.

زوروني كل سنة مرة | حامد مرسي

عام ١٩١٩ وقف حامد مرسي على مسرح الاسكندرية يغني طقطوقة زوروني كل سنة مرة، مرددًا من كلمات الشاعر يونس القاضي مذهب “حرام تنسوني بالمرة”، لكننا نسيناه.

في مقابلة تلفزيونية مع ميرفت أمين ضمن برنامج سينما القاهرة، جلس حامد يحكي قصة هذه الأغنية، وكيف حفظها من سيد درويش قبل أن يغنيها أحد، وكيف تبعه السميعة من الاسكندرية إلى القاهرة ليغنيها دون مايكروفون، ويستمتع بالتصفيق والتهليل لأداءه.

نجحت الأغنية في سرقة آذان الجماهير وقتها لسببين، الأول تركيبة لحن المذهب السهلة والجذابة، والثاني قوة حامد في الأداء، الذي ترك المذهب للكورس، وصبّ تركيزه على التلاعب بالجمل اللحنية في الكوبليهات بطاقته الصوتية وبراعته التطريبية. في نسخة حامد أربعة مقاطع، يشحن آخرها في الدقيقة السابعة بأداء ملفت لدى تكراره “قولولي” التي يبدأ بها الكوبليه أكثر من عشرة مرات، بتفريدات بديعة يصاحبها صوت المزمار على مقام العجم.

غنى الكثيرون زوروني بالتزامن مع مرسي وبعده، من زكي أفندي مراد إلى فتحية أحمد وكارم محمود وصباح فخري وإيمان البحر درويش وفرقة الموسيقى العربية وفيروز، لكن بقي درويش معتبرًا صاحب الأغنية الأساسي في الوعي الجمعي، وإن لم ينج أي تسجيل لها بصوته وقدمها بنفسه لـ مرسي.

يا حبيبي تعالَ | ماري كويني

في ستوديو للتصوير على شكل حانة قديمة، وقفت شابة جميلة انتظرت صوت البيانو وغنّت لأول مرة يا حبيبي تعالَ الحقني شوف اللي جرالي، لتظهر في فيلم قُدم عام ١٩٣٦ للمخرج أحمد جلال، الذي كتب كلمات الأغنية لتقدمها زوجته وبطلة الفيلم ماري كويني.

في هذا التسجيل الذي يعتبر النسخة التجريبية للأغنية أتى الإيقاع الذي وضعه مدحت عصام سريعًا، ما جعل ماري تجاري الموسيقى وكأنها تعدو بصوتها خلفها، ولم تتمكن من بسط الجمل اللحنية بارتياح فبدت على عجلة من أمرها لتنهي الأغنية وتتابع التمثيل.

في أوائل الأربعينات أخذت أسمهان الأغنية من أحمد جلال وأعادت غناءها، بعد أن طوّعت صوتها بمرونة تتناسب مع الجمل الشعرية القصيرة وإيقاع التانجو الهادئ هذه المرة. “في بعدك (…) مين قدك (…) نار حبك (…) في يدك (…) وفي صدك (…) يلين قلبك” غنت أسمهان هذه الكلمات التي تنتهي بها كل جملة بنفس اللحن وبتطريب مختلف كل مرة يغذي التوق للمزيد.

ابعتلي جواب | صبري مدلل

“ابعتلي جواب هاي عامية الدني، أول من غناها أنا، غنيتها بالإذاعة وأخدوها باقي المطربين.” 

في الفيلم الوثائقي حلب مقامات المسرة، تحدث المنشد الكبير صبري مدلل، الملقّب بشيخ الطرب، عن العازف والملحن والمطرب بكري الكردي، الذي لحّن كلمات الشاعر حسام الدين الخطيب فأخرج لنا واحدة من الأعمال الحلبية الخالدة، ابعتلي جواب.

رغم أن هذه النسخة مصورة خصيصاً للفيلم، وتعذر الحصول على النسخة الأصلية التي خرجت للمرة الأولى على الإذاعة، إلا أن صوت الشيخ أرسل لنا جوابًا لا يُنسى. هذه النسخة بلا شك أجمل نسخ ابعتلي جواب، خاصة بالطابع التراثي الحلبي بامتياز.

يتوسط مدلّل بطربوشه الأحمر فرقته البسيطة التي تواكبه في ترديد اللازمة، وعلى مقام البياتي يتهادى صوته منشدًا: “أنا ليا إله يعرفني”، يتبعها بثلاث آهات، تطول الأخيرة حتى يحكم قبضته على قلب سامعه. رغم كبر سنه، يبدع صبري في التعامل مع اللحن باقتدار وروقان لا تشوبهما هفوة، جامعًا في أدائه خبرة عمرٍ طويل، وعاطفة شابٍّ عاشق.

استمعنا إلى هذه الأغنية لسنوات طويلة من صباح فخري في حفلاته، والتصقت بصوته وباسمه رغم أنها ترددت بأصوات كثيرين، ومنهم قامات بوزن محمد خيري. ربما يكمن السر في درجة ارتباط صباح فخري تحديدًا بالأغنية وتعامله معها بالفعل كأنها ولدت لأجله، مستعرضًا فيها مساحة صوته وقدراته بشغف وسلطنة، كما حين يغني: “مش قادر اقول إنت الجاني / هصبر على طول / طول طول.”

المزيـــد علــى معـــازف