fbpx .
قوائم

شو عبالك؟ تعال اسمع | أغانٍ مهداة إلى حسن كراجة

معازف ۲۰۱۷/۱۱/۱۲

الرفيق حسن كراجة

تساءلتَ في رسالتك من سجنك عما تسمع وحدثتنا عن حرمان السجين من اﻷغاني، اﻵن، في حريتك، نهديك ما تسمعه، علَّ اختياراتنا تحوز رضاء سمعك المتميز.

وصلة راست حبيبي هو اﻵمر الناهي | صالح عبد الحي

https://www.youtube.com/watch?v=pXAwQ2YGpxk&t=1504s

ملك ملوك الراست في زمن الإذاعة، حسبك وصلته التي ختمها بـ دور بستان جمالك دليلًا كافيًا، الوصلة هنا غير تقليدية، نسميها وصلة مجازًا ﻻحتفاظها بفعل الوصل ما بين القطع المختلفة ﻻ بسبب التزامها بالتقاليد النهضوية، تبدأ الوصلة بمقدمة موسيقية  يتلوها تقسيم على القانون ثم ليالٍ وموال يا حادي العيس، في الليالي والموال يداعب صالح عبد الحي قدراته الصوتية بمنطق الإحماء ويتمهل بتفريدٍ وتطريب عند “كم أسهر الليل” ويعيدها أكثر من مرة بوصل الهمزة على طريقة المشايخ المتأثرين بـ قراءة ورش عن نافع.

الطقطوقة تلعب على الحدود الفاصلة ما بين الدور والطقطوقة، وإن خلت من الهنك والرنك [1] بين المطرب والبطانة، لذا يغنيها صالح عبد الحي في وصلة بديلًا للدور مثلما فعل مع طقطوقته اﻷشهر ليه با بنفسج، الكلمات محملة بشحنة تصوف في المحبوب وهو الملاحظ عند بيرم التونسي في أكثر من نص، فمحبوبي – عبدًا أو ربًا – هو الآمر الناهي  الملك الحكم، “إذا أمرني أمره يحييني” فالمحتكم هو والمقتدر هو، ومحبوب مثله يحق له غياب الشبيه “فتشت له عن شبيه في الحسن يتعاين في اﻷرض وﻻ السما يا رب مش باين” فلا جميل غيره وﻻ لطيف سواه.

موشح فيك كل ما أرى حسن | زكريا أحمد

https://www.youtube.com/watch?v=OAUKzoRqVG0

شيخ أهل الهوى الذين فاتوا مضاجعهم وتجمعوا صحبة يتلون حروف النغم، في سهرات بيته أُوحي إليه: يا زكريا إنا نبشرك بألحان، بمصاحبة آلية تقتصر على قانون ﻻ نعرف عازفه فنرجح أنه أمين فهمي الذي أطرب سهرة أخرى في منزله، وبطانة مشايخ نسمع أحدهم ينادي على آخر شرد عنهم “إيه يا شيخ محمد خليك معنا”، في مقام البياتي ووزن المدور المصري يسلطن الشيخ زكريا نفسه وصحبته صاعدًا جنس البياتي في “فيك كل ما أرى حسن” مركزًا درجة النوى بغنة الميم، مع ترنيم صوتي “يا ليلي آه” عند “مدمعي دمًا نما عندما هما” ليعود خاتمًا “إن صبك النحيل أن جُن كلما الظلام جَن بالشجى ينوح والشجن”، جلسة قصيرة  تمتلئ طربًا يغيب عن وصلات كاملة.

ليال وموال طال البعاد يا حبيبي | إبراهيم الحجار

أبو علي الذي يسرق الآذان بمجرد قول يا ليل في بداية الموال، في تسجيل يعود إلى عام ١٩٧٢  يطربنا الأستاذ المنسي إبراهيم الحجار بصحبة عود جمعة محمد علي وناي وهبي لبيب، برغم اعتيادنا على مصاحبة القانون لليالي والموال يفاجئنا جمعة محمد علي بقدرة جهنمية على المصاحبة والسلطنة بدءًا من ضربة الريشة اﻷولى، يدخل ناي وهبي لبيب أرض الملعب مع أول يا ليل لندرك إنه ﻻعب من الطراز الأول في ترقيص الأسماع، لتصبح المباراة ثلاثية في تقاسيم تجاوبية بين حنجرة إبراهيم وريشة جمعة وفم وهبي ﻻ تكتفي اﻵلات فيها بمجرد ترجمة صوت المطرب.

عند اكتمال سلطنة المقام يدخل الحجار الموال “طال البعاد يا حبيبي والجفن بات سهران” بصوت واثق الخطوة على سلم النغم، يمشي ملكًا صاعدًا هابطًا دون عناء، ملونًا ما شاء له من تلاوين في كل تكرار مختلف عما قبله، باقتدار قل وجوده في زمنه، يمهد له العود بعدها للدخول في الجملة السابقة على القفلة “إمتى توافي الحبيب إمتى”، ليختم طربه المكتمل عند “يكفى الدلال في غرامك ياللي هاجرني ونعيد ليالي الصفا وافضل معاك فرحان”.

موال يا ديرتي | أسمهان

موال من السويداء يبدو كما لو كان محشور حشرًا في فيلمها اﻷخير غرام وانتقام (١٩٤٤)، يغيب ذكره عن اﻷغاني المذكورة في مقدمة الفيلم، كتبه اﻷمير زيد اﻷطرش ردًا على زجل وصل الثوار المحاصرين في وادي السرحان مطلعه “يا ديرتي مالك علينا يوم ﻻ تعتبي لومك على سلطان” حسبما يذكر حسن القيسي في كتابه قبسات من التراث الشعبي في جبل العرب.

أسمهان بنت السويداء تعرف كيف تصوب سهام النغم فتصيب سويداء قلوب السامعين، يفتتح القانون الموال ويسلطن مقام البياتي ليأتِ بعد ذلك “أوف يا باي” المعادل الشامي لـ “يا ليل” المصرية في الموال السابق، تهرب أسمهان سريعًا من الركوز على قرار ﻻ يريح صوتها “عند يا ديرتي مالك علينا لوم” لتحلق في آفاق جوابات صوتها الكامل في التكرار اللاحق للجملة، ويصل جوابها مداه عند “مثل العدو ما نرخصك بأثمان” ليعود هابطًا ممهدًا للقفلة “يا مصبرني على بلواي”.

يا نبعة الريحان | مائدة نزهت

https://www.youtube.com/watch?v=YG2P6GJ1m-o

بعود منير بشير المسلطن لمقام اللامي، تفتتح مائدة نزهت الغناء بآهات وليالٍ تتقاطع مع الليالي العراقية و المصرية في مزيج  يخصها وحدها، ويعاجلها منير بشير بعزف ﻻ يغادر جواب صوتها وﻻ يضطرها للنزول عنه، تلحق الليالي بقصيدة مرسلة “يا من هواه أعزه وأذلني” بعد إلباسها ثوب المقام العراقي، نخرج من المُرسل إلى الموقع عند بستة “يا نبعة الريحان” التي كتبها عبد الكريم العلاف ولحنها صالح الكويتي دون أن نشعر بأي مفاجأة منفرة للأذن، وتتخلل البستة آهة طويلة يصاحبها ارتجال مُوقع من عود منير بشير، لتعود بعدها مائدة نزهت للحن عند “ما عندي كلي ذنوب” ممهدة لقفلة مقتدرة تسكت قبلها المصاحبة اﻵلية ويغرد صوت مائدة وحدها مهدهدًا صوت السامع عند “جسمي نحل والروح ذابت وعظمي بان”.

وصلة موشحات من مقام النهاوند | صبري مدلل

في سن تجاوز السبعين بثمانية يغرد شيخ حلب صبري مدلل المولود في ١٩١٨ في وصلة موشحات من ألحان شيخ عمر البطش في حفل أقيم عام ١٩٩٦ في تونس، باقتدار يعيد السامع لزمن أقدم بكثير من زمن الحفل في نهايات القرن العشرين، ووصلة الموشحات تحترم التقاليد الحلبية القاضية بالبدء باﻷوزان الثقيلة ثم المتوسطة والختام بالسريعة، فتبدأ بالسماعي الثقيل في سبحان من صور الذي يؤديه صبري مدلل دون تفريد يذكر مع مراعاة المجاوبة مع البطانة سوى عند الترنم “أمان يا ﻻللي” فيحلق بجواب صوته، ثم يلي إيقاع السماعي الثقيل موشح قلت لما غاب عني المتنوع الإيقاعات ما بين نواخت ثم يوروك ويختم بالدور الهندي، ينفرد صبري مدلل كثيرًا في الموشح عند تحول الإيقاع في “هام قلبي زاد وجدي فمتى وصلك يكون” بأداء يقارب الهنك والرنك الموروث عن مدرسة عثمان والحامولي في مصر، وعند تحول الإيقاع مرة أخرى في “غاب عن عيني ضياها” يصل التطريب عند الشيخ مداه فيشدو بآهات على الواحدة بعد “يا قمر داري العيون” ممهدًا لقفلة متمكنة مع استعادة الإيقاع السماعي الذي يمهد للموشح التالي على وزن يوروك سماعي، “من يوم حبيت ما باشوفش النوم” الموشح الذي يلعب على المنطقة الرمادية ما بين الموشح والقد مثل أغلب الموشحات التي تمزج العربية الفصحى بالدارجة، يبدأ فيه صبري مدلل التفريد مباشرة بآهات على الواحدة يكررها في كل الخانات، ليصل إلى تفريد خاص مطرب عند “بالصبر مين يقدر ينال” يختمه ببراعة تتابع هابط “والحب للغير قلبه مال” ممهدًا للقفلة عند “يكفاني منام قل اصطباري”.

طالت ليالي البعاد | أم كلثوم

مونولوج رومانسي رائق من عام ١٩٣١ صنعه الثنائي الذي صاغ مزاج الرومانسية الغنائية في ثلاثينيات القرن العشرين، أحمد رامي ومحمد القصبجي، بعد مقدمة قصيرة تدخل أم كلثوم الغناء بصوت متصاعد بهدوء متزن  “طالت ليالي البعاد والليل يطول ع الغريب” في تطويل لحني يستمر على مدى اﻷغنية مستغلًا حروف المد في كلمات النص، ويلحق الجملة اﻷولى في المونولوج المرسل لازمة ممهدة لتحول قافية النص وإيقاع اللحن تسبق “اسمع من الطير الحيران لحن اﻷشواق” مع زغردة ثلاثية مستغلة مد اﻷلف “يشتاق في “اصبر القلب الولهان لما يشتاق” ثم لازمة أخرى بنفس منطق سابقتها تمهد لجملة “ييجي عليا سكون الليل” التي تُختم دون استعراض صوتي على عكس سابقتها عند “يلوح لفكري وداع ضنايا”، ثم لازمة أطول تمهد لتحول في اللحن عند جملة “من يوم ما غاب عني” مع تطويل لحني عند مين في “مين اللي يرحمني” مع تكرار الفكرة عند “ويقول له طول الليل سهران” تمهيدًا للختام اﻷكبر عند “يا غمام إن كنت رايح على حبيبي سلم عليه يا حمام ساجل دموعي واسمع نحيبي واشكي إليه سهد الليالي” مع تكرار إليه إليه المهدهد ﻷذن المستمع تحضيرًا لقفلة اﻷغنية.

أنا يا عود | زكية حمدان

تستهل زكية حمدان، أم كلثوم الشام كما سموها رغم ميلادها بحلب ﻻ دمشق، القصيدة بعد ارتجال قصير على العود ومقدمة موقعة تمهد لدخول مرسل عند “هاتِ من ضلعك هاتِ نغمًا يغني حياتي” يستمر حتى منتصف اللحن وتستغل زكية غياب الإيقاع  لتمد حروف المد ما شاءت من وقت، في حوار تجاوبي مع العود الذي تخاطبه القصيدة وتدخلات مؤقتة لبيانو على استحياء، ثم يدخل التانجو الراقص بعد ذلك دون أن يؤثر على إرسال غناء زكية حمدان في تركيب غريب ما بين غناء مرسل ومصاحبة آلية موقعة على التانجو يبدو أوضح ما يكون عند أبيات “وتر هلهل من هدب النجوم الساهرات وشراع يعبر اﻷفق إلى غير التفات”، ويستمر الإيقاع في الأبيات التالية “هذه الريشات إن حركتها حركت ذاتي” لتعود بعدها إلى الواحدة المعتادة في غناء القصائد العربية عند “نحن يا عود كلانا شهوات الشهوات” ممهدًا لختام مرسل لقصيدة مزجت بين المرسل والتانجو والواحدة والعود والبيانو في مزيج فريد.

الحنطور | هدى سلطان

بكلمات فتحي قورة وألحان عبد العزيز محمود تغني هدى سلطان لزوجها حسن في فيلم اﻷسطى حسن (١٩٥٢)، تعتمد اﻷغنية على مصادفة مقصودة في الحوار ما بين اسم الفرس عزيزة واسم البطلة عزيزة، ويعتمد اللحن مثل غيره من ألحان السينما المصرية الغنائية في عصرها اﻷبيض واﻷسود على إدماج عناصر الصورة في الموسيقى، فيستخدم إيقاع تهادي الحنطور وصفير اﻷسطى حسن في لازمات الطقطوقة، وﻻ تخلو الكلمات من خفة دم مصرية  “ياما خدتينا وفسحتينا من ماسبيرو لحد الجيزة” فالبطل في الفيلم من بولاق المجاورة للجيزة، والتصريح بإيقاع الغناء “اتمختري ع الواحدة معايا ياللي بتمشي بسحر غنايا”، قبل أن يختتم الغناء بتلميح لسلوك بطل الرواية “اللي بيرضى يعيش بقليله والمقسوم له يعيش مرتاح يبقى في يوم الحظ يجي له تبقى حياته هنا وأفراح” والعودة للازمة في لحن بسيط ﻻ يخلو من فرح وخفة.

الصبابة ولوا باندية | الشاب بشير

أغنية من تراث الزندالي التونسي، تحكي عن الغدر ضد المناضلين، “الصبابة ولوا باندية ومن غدوة توفى الربطية كي نخرج ونحوزهم بايديا” فالصبابة الوشاة صاروا عصبة (باندية) لكن في غدي ينتهي حبسي (الربطية) فنخرج وننتقم منهم، و”اللُميمة قالت يا شومي وليدي هزو حبس الرومية” فأمي ناحت علي وقالت ابني حبسه المستعمر (الرومية)، تعتمد اﻷغنية على مصاحبة إيقاعية بسيطة محاكاة ﻷغاني السجون التي تغنى على إيقاع الزرد أو التنك النحاسي أو جردل البول وجملة لحنية بسيطة مكررة تتبدل عليها الكلمات مثل كل اﻷلحان الشعبية البسيطة التي يهمها إيصال المعنى مباشرة دون أي تزيينات احترافية.

سايس حصانك | الشيخ إمام

على السيكاه والمصمودي يغني مولانا الشيخ إمام من كلمات نجيب شهاب الدين، يأخذ اللحن شكل الطقطوقة التقليدية الملتزمة بلحن الغصون مع تلوين بسيط بجنس الصبا بروح مقام البستنكار قبل الرجوع للازمة يبدو واضحًا عند “دا العمر طوًل والسعادة قليلة”، والكلمات تأخذ شكل حوار خفي ما بين أنثى وذكر، فالمذهب يبدأ بصوت مؤنث “سايس حصانك ع القنا وتعالى تلقى القُليلة مبخرة وملانة الصدر مرمر والنهود عريانة” ويدخل الصوت المذكر عند اللازمة “مديت إيدي ع النهود اتفرج نطرت دراعي يا دراعي يا أنا”، أما الغصن اﻷول “سايس حصانك بعد غيبة طويلة” فهو مؤنث في مطلعه تدعو فيها العاشقة عاشقها اﻵتي بعد غيبة يتحول قبل اللازمة “قلت لها والله اللي رماكي رمانا” إلى صوت الذكر، والغصن الثاني مذكر في بدايته “نطرت دراعي ليه وأنا من اﻷول عاشق وعشقي للجميلة طوّل” ثم يعود للصوت المؤنث “وإزاي أتوب عن الغرام واتحول” وتنتهي الطقطوقة بغصن ثالث بصوت جماعي رغم فردية الكلمات “باحلم في يومنا وإنتي إيدك في إيدي باحلم وحلمي قد ما إنتي تريدي قد الحلال قد القمر ويزيدي قد الهموم اللي تبات شاغلانا”.

نحلم بيومنا “وسنزرع الموسيقى في العالم حتى يأتي حصاد الفرح”، حتى نشنق آخر محتل وآخر طاغية بأوتار أعوادنا، ويصير الصول  الصول في مصر هو عريف الشرطة أو الجيش الوحيد في العالم نغمة من نغم السلم الموسيقي ﻻ رتبة من رتب العسكر.


[1] الهنك والرنك يعني تبادل الغناء واﻵهات بين المطرب وبطانته بتقطيع الكلمات بصورة خاصة وهو لازم في بنية الدور كما ثبتها محمد عثمان، مثال “أنا قلبي عليك” في دور في البعد ياما طال.

المزيـــد علــى معـــازف