.
لا شك أن هذا العام أقوى من سابقه على مستوى الألبومات الإلكترونية. هناك كم كبير من الإصدارات التي توالت كل شهر ووجدنا تحديًا في ترشيح أفضلها، بناءً على تأثيرها الجمالي والثقافي في المشهد، وإضافتها عليه بأصوات جديدة أو حتى مواكبة صوتٍ ما لا زلنا في حاجة إلى الاستماع إليه والتمعن فيه. إضافةً إلى ترشيحات أخرى تحتوي عنصر المفاجأة، وأخيرًا التنقيب عن الألبومات لفنانين مغمورين بحاجة إلى تسليط الضوء عليهم والكشف عنهم على الساحة.
المشهد الإلكتروني المغامر، الراقص منه وغير الراقص، حافل بالكنوز الصوتية، وهذا العام دليل على ذلك. في الوقت نفسه لا يملك البنية التحتية نفسها لمشاهد أخرى أكثر جماهيرية، وإن حاول العديد من العاملين به التطلع إلى نفس الآلة الترويجية والبهرجة، والاعتماد على الشكل الظاهري والهوس بالسوشال ميديا، لتصبح الموسيقى شيئًا هامشيًا. ترتب على ذلك توغل القيم الليبرالية وتفشي الروح الفردانية والتنافسية في المشهد التي أشرت إليها في هذا المقال. أعتقد أننا في غنى عن ذلك، وفي حاجة إلى مزيد من الروح التشاركية بشكل عام، وإلى أعمال موسيقية صادقة ومن الممكن تبيّن المجهود المبذول فيها بشكل خاص.
بالتالي تخلو هذه القائمة من الإصدارات ذات الاحتفاء المبالغ به والترندات المؤقتة ذات الاستهلاك السريع، بدون ذكر ألبومات مثل برات. نستعرض في القائمة ألبومات نعتقد أنها مؤثرة في المشهد وننبش عن أخرى مغمورة يركّز فنانيها على الموسيقى ذات البعد الشخصي أو الثقافي، دون التطرّق إلى ما لا يعنينا موسيقيًا وجماليًا.
تشمل القائمة ٢٥ ألبومًا من مناطق شتى، وتغطي العديد من الجنرات الفرعية وأعمال على قدر عالي من الحرفية والتنوع الجمالي.
يغرّد العلمي في ض خارج السرب الإلكتروني كليًا. الصوت المصري طاغٍ وقد أخذ طريقًا تجريبيًا ملتويًا في ما يمكن وصفه بمغامرة صوتية. يتمحور ض حول مواد أرشيفية من بداية القرن العشرين والبايس والأنسجة الصوتية المحشرجة والإيقاعات المتناثرة، وأخيرًا، مزيدٍ من البايس.
المميّز في ض هو خلق تباين بين ما هو مألوف وما هو ضبابي وغريب أو مخيف، بالإضافة إلى إدراك اللحظة المناسبة التي يغيّر فيها مسار تراكاته سواء كان بتغيير ديناميكيتها أو تشويهها، أو حتى إنهائها فينغمس المستمع في تجربة حسّية ممتعة.
ض ألبوم ممتع ومتنوع، لا يشبه فنانًا آخر ولا يشبه عمرو العلمي نفسه في عمله السابق، وإن برز أسلوبه الإنتاجي وشخصيته وقدرته العالية على اللهو بالصوت. ما زال العلمي محافظًا على عنصر تحدي المستمع وقلب توقعاته، مؤكدًا على شغفه التجريبي وتحرره التام من مفهوم الجنرا المحدود.
بعد ثلاثة إصدارات قصيرة ناجحة على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، يصل هولي تونج إلى أفضل إصداراتهم بتعاونهم مع المنتج شاكلتون والذي يؤكد في هذا الإصدار على تنوع ذوقه بشكل ملفت.
لا يزال الجانب الآلاتي الحي حاضرًا وماهرًا، لكن ينقله شاكلتون إلى بعد آخر تطغى عليه أجواء سايكدلية مهلوسة، تظهر لنا كحلم طويل ذي أمزجة متعددة ومركّبة. كل ما يريده المستمع حاضر في الألبوم وينبض بالحياة؛ فريق متماسك يتقن جميع آلاته، مقاطع ارتجالية، لمسات إلكترونية في المكان الأمثل، وتأثرات من الجاز والدَب بحسٍ إيقاعي ولحني قوي.
يأخذ هذا العمل ميراثًا موسيقيًا واسعًا وينقله إلى الحاضر بطريقة يصعب توقعها ليسفر عن صوت من المهم تواجده في المشهد الإلكتروني.
يتبنى إيفان في تندر، إكزيت خطًا تقليليًا يبروز مهارته في التوليف الصوتي، حيث يستخرج ويستنزف ويعصر جميع الإمكانيات المتاحة في السنث الواحد، مؤكدًا أنه ليس هناك ما يتطلب امتلاك استوديو مكنّز بالأجهزة الإلكترونية وأشبه بسفينة فضاء لإنتاج أي نوع من الموسيقى. الشغف والفضول وحدهما لدراسة وفهم آلة واحدة كفيلان بصنع ألبوم جميل وحافل بالألحان الجذابة.
يخطف التصميم الصوتي الضوء من سردية الألبوم نفسه أو أي ألبوم لمنتج آخر اعتمد على قوة السردية وسحر النصوص الترويجية للألبوم. يذكرنا إيفان أن هناك عوامل أخرى في أي عمل موسيقي كالـ “موسيقى” مثلًا وتذوق الصوت من الممكن التركيز عليها، بدلًا من الاكتفاء بسردية وخلفية وصورة وهوية الفنان.
تندر، إكزيت ألبوم ذو ذوق عالي، حافل بالجماليات ودرس في التصميم الصوتي، لا يبالغ في استعراض القدرات والانغماس المبالغ فيه في التعقيد.
نادرًا ما يمكن توقّع تحولات زولي في توجّه كل إصدار له، ما يجعلنا دائمًا في حالة ترقّب لخطوته القادمة. يعكس لامبدا زولي في أكثر حالاته تأملًا واسترخاءً وانغماسًا في الألحان العذبة، إذ يتجنب الضجيج لصالح الرقة، ويفضل الصوت الدافئ والسنث بادز على الثقل والإيقاعات المعقدة. هناك شعور بالتوازن والوضوح بين جميع هذه العناصر المتماسكة، ويمكن سماع كيفية إسهام كل كلمة وعينة وسنث في الألبوم بشكل لافت.
اختيار زولي للمغنيين المشاركين موفّق للغاية، حيث نتبيّن تباين المدى الصوتي بين الفنانين، ما يكسب الألبوم طابعًا إنسانيًا من السهل تفاعل المستمعين معه.
لامبدا ألبوم جميل حافل بالجماليات الصوتية، يأخذ زولي خلاله دور المؤلف الموسيقى أو مؤلف أغاني قبل أن يكون منتجًا، وهو أكثر أعمال زولي ذاتية، ألبوم مغامر وملهم، يكسر التوقعات كليًا بتحرره من الضغط الجماهيري لإنتاج موسيقى راقصة للمرة المائة.
باترن دامج لـ بيانكا سكاوت بمثابة دعوة للتراخي والتحليق، استراحة شافية من كل شيء. يغلب طابع محيطي وغنائي على الألبوم تتخلله إيقاعات خافتة ومقاطع كورالية وكلاسيكية معاصرة. تفاجئ سكاوت المستمع بلحظات يقظة من عالمها الحالم، بتأثيرات البوست بانك والموسيقى الداكنة ذات الملامح المفتتة.
يتدفق الألبوم بسلاسة، فكل تراك يسلّم الشعلة للتالي ليكشف عن أداء مسرحي أو عمل أشبه بالموسيقى التصويرية تقترب في بعض الأحيان من الأعمال الأولى لـ جايمس فيرارو ووان أوتريكس بوينت نيفر.
الملفت في الألبوم هو عدم اتباعه وصفات مستهلكة في الموسيقى المحيطة، وإن اتضح عكس ذلك فسرعان ما تقلب سكاوت توقعات المستمع. باترن دامج إضافة قوية إلى رصيد تسجيلات سفيرك ودفعة منعشة للموسيقى المحيطة.
يلتقي المنتج الياباني سكوتش رولكس مع المنتج الإندونيسي موونج سانتوسو بريبادي في مشروع جديد، تاكاك تاكاك. يمكن تلخيص الألبوم عن تزاوج ناجح لثقافتين مختلفتين، وبالطبع لا يوجد أفضل من تسجيلات نييجي نييجي لإصدار الألبوم المكوّن من تسع تراكات نارية.
تأخذ التراكات منحى حر يخرج عن إطار أي جنرا فرعية عرفناها في المشهد الإلكتروني، حيث تظهر إشارات من الموسيقى الشعبية المحلية للفنانيْن، وتأخذ الإيقاعات المتشابكة الحيّز الأكبر بالإضافة إلى ألحان مقلة تضفي طابعًا من الغموض والتربص. كما يلعب الضجيج والبايس دورًا أساسيًا لإضافة جرعة من الحماس على الألبوم يصل إلى درجة الغليان. إصدار حافل بالديناميكية يخطف الأنظار بسهولة بصوته الفريد.
ما زال هناك منتجون قادرون على العطاء في الفوتوورك، وهيفي أحدهم. بعد عدة ظهورات مع مجموعة تِكلايف وإصدار قصير على تسجيلات هايبردَب، نزّل هيفي ألبومه الطويل الأول، أنليش. في حين تتشابه إصدارات الفوتوورك في السنوات الأخيرة إلى أن بات أغلبها أدوات للدي جاي، يأتي هيفي لكسر حاجز التكرار. يلفت الألبوم نظرنا إلى عناصر صوتية جديدة على الجنرا بفضل تركيز المنتج الأمريكي على التصميم الصوتي، لكنه لا يحيد كليًا عن معالم الجنرا، دامجًا بين ما هو مألوف وغريب في الوقت نفسه.
يصلح الألبوم بإيقاعاته وعيناته الجذابة لحلبة الرقص والاستماع المنزلي، حيث يوفّق بين التوجه التقليلي والتكثيري، بالإضافة إلى تلاعبه بعينات الجاز والآر أند بي والراب وبدايات التكنو في ديترويت. ألبوم يعلن به هيفي عن لحظة هامة في إحداث طفرات في الجنرا، ولا شك أنه من أهم إصدارات هايبردَب في السنين الأخيرة.
ساوند بلاستا لـ روزا بيستولا وفريبوت واحد من الإصدارات الراقصة التي جرى التغافل عنها في المشهد الراقص العالمي، والسبب صدوره بشكل مفاجئ دون حملات ترويج مكثفة. يعد ساوند بلاستا واحد من أقوى الإصدارات الراقصة في آخر عامين وبالطبع يستحق تسليط ضوء أكثر من العديد من الإصدارات الراقصة في منطقة أمريكا الوسطى والجنوبية التي جاءت مخيبة للآمال لكنها ضربت بفضل الزن والدعاية وانعدام فضول الصحفيين والعاملين في المشهد.
يحتوي الألبوم ثمانية تراكات ذات طاقة مدوية تنافس بعضها البعض في جاذبيتها وتنوّع إيقاعتها وجودة إنتاجها. يحمل الألبوم إشارات من موسيقات مختلفة من محيط المنتجيْن الثقافي بالإضافة إلى ملامح عربية يجري تعشيقها بذكاء في موسيقتهم. ألبوم مرح وضارب دون شك، خالٍ من الحواشي.
يقطّر لو إند أكتيفست في ألبومه إيردروب الرايف البريطاني التسعيناتي، بالأخص الجانغل والغراج، مستخرجًا عناصره الأساسية، البايس والستابز والبادز والفواصل الإيقاعية وعينات الإم سيز وغيرها. على مدار تسعة تراكات، يتصدر تأثير الدَب وأسلوب تفكيكي تقليلي يسفر عن ديناميكية واضحة، آخذًا الرايف من حلبة الرقص إلى الاستماع المنزلي بشكل مستساغ.
مرّت علينا جميع الأصوات المستخدمة على مدار الثلاثين سنة الماضية في النوادي الليلية، لكن يكمن جمال الألبوم في توظيف هذه الأصوات في سياق آخر غير راقص وظهورها كأشباح تسكن أذاننا.
إيردروب متماسك مفاهيميًا وجماليًا، خلاصة لكيفية دمج الذاكرة والمحيط الثقافي في عمل واحد حافل بالخيال ويبتعد تمامًا عن المحاولات الاستعادية.
ستاتيك بمثابة عودة قوية لـ أكترس بعد سلسلة من بعض الإصدارات لم ترتق إلى مستوى هذا الألبوم. يأخذنا المنتج الإنجليزي إلى عالمه الضبابي بجمالياته اللو-فاي الحافلة بالعينات الصوتية والبادز والإيقاعات الخفية والجليتشات . تظهر أيضًا أطياف من الجاز والموسيقى الراقصة وقد عالجها أكترس بجودة متهالكة ليتلاعب باستيعابنا للزمن ويدعونا للاستماع إليها في سياق آخر. ينجح أكترس كعادته في بث طابع متلصص وأجواء ليلية أو مدينة مسكونة في أعماله، وبشكل مكثف.
تكشف التراكات عن حسٍّ عفوي في إنتاجها ونتبين الأمر بشكل أوضح في ثاني إصدار له هذا العام.
يعد مينينجز إدج الإصدار المنتظر من دي جاي رَم (فيليكس مانويل)، حيث كنا نعتقد أنه اكتفى بكونه دي جاي خلال الأعوام السابقة بعد عدة إصدارات ناجحة في العقد الماضي. يفاجئنا دي جاي رم على تسجيلات هوندزتوث بعودة متمكنة حصيلة تراكم خبرة واسعة.
يكشف الألبوم عن حس دي جاي رَم الإيقاعي واللحني، الذي يقوده بالفلوت حينًا وبالسنثات في تراكات أخرى. لا يتقيد فيليكس بتوجّه جنرا بعينها، هناك فقط أساس من البايس البريطاني يبني كل شيءٍ عليه بحريّة تامة قافزًا عبر العديد من القوالب الإيقاعية بسلاسة تامة.
ألبوم ممتع وغني موسيقيًا يؤكد دي جاي رم خلاله إنه هناك عوامل موسيقية أخرى من الممكن التركيز عليها غير الهوكّات والترندات الضاربة المربوطة بأفق زمني ضيّق، فألبوم كهذا من الممكن القول إنه صالح لأى حقبة سابقة وآتية.
يعلن عبد الله المنياوي من خلال أنيجم النَجم عن بداية فصل جديد في مسيرته، حيث يتحرر المنياوي في ألبومه الجديد على هوندبيس من جميع الجماليات التي رافقته خلال تعاوناته السابقة.
أنجيم النَجم ألبوم المنياوي الفردي الأول، جاء بشكل شخصي وصادق ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة، إذ هناك تركيز أكثر على الغناء واختيار مدروس للخامات الصوتية والسنثات والتسجيلات الميدانية التي تصيب بحيث تعمل كبساط لصوت المنياوي. تقوم هذه المواد الصوتية بدور الرفيق حيث لا تطغى على غنائه الذي يتنوّع بشكل ملحوظ من تراك إلى آخر.
هناك ارتجال في التراكات وحرية في الأداء والتوجّه الموسيقى، الأمر الذي يسفر عن عفوية وإطلاق العنان للأفكار الخام، التي عادةً ما تأتي بنتائج مثمرة أكثر مما يفعل التنقيح المبالغ فيه. أنيجم نَجم ألبوم حافل بالجماليات وعالم صوتي جديد، نتمنى رؤية المنياوي من خلاله في العروض الحية والمهرجانات.
ألبوم ساينت عبد الله وإيوماك، أحد أكثر إصداراتهم ثقلًا وقسوةً شعورية، وبعثًا على الاختناق. يتحرك ساينت عبد الله وإيوماك عبر الهيب هوب، إلى الموسيقى الملموسة، مع تأملات متقطّعة ومباغتة. تتموضع التسجيلات الميدانية والأصوات الإيقاعيّة الحادّة في المركز والواجهة، مرتكزةً إلى جروفات ثقيلة وموسيقى آلاتية مبعثرة. تتغير سرعات الإيقاع، وتتفكك البيتات ويعاد تركيبها مرة أخرى، بينما ينتصب الضجيج المفلتر والسنثات، فقط ليتلاشوا مرة أخرى.
أنتج الأخوان مِهراباني ياجنِه وإيان ماكدونل تسجيلًا بديعًا، ربما أفضل ثمار هذا التعاون حتى الآن. هناك فنانون قلة في الذاكرة القريبة بغزارة إنتاج ساينت عبد الله، بينما تبقى إصداراتهم مثيرة وجذابة. هذا ألبوم مُجزٍ مع كل استماع، كاشفًا عن طبقات جديدة، مصادر صوتية لافتة، وأنماط جديدة في كل مرة. إصدار واجب لمحبي الموسيقى الإلكترونية والكولاجات الصوتية.
بعد طول انتظار تعود المنتجة الفرنسية إستر بإصدار جديد على تسجيلات يوكو. هانجري كلوز من أقوى الألبومات الراقصة على مدار آخر عامين. بجانب إنتاجها الصلب، تتحلى تراكات الألبوم الخمسة بصوت إيقاعي ممتلئ وعميق وشديد الديناميكية بأنماطها الإيقاعية المتحوّلة. على قدر تميزه بخط تجريدي فلا يزال حافلًا بالتفاصيل الدقيقة التي تبهج المستمع وترج صدور الراقصين.
المثير في طريقة إصدار الألبوم هو مفاجأتنا بإطلاقه دون الترويج له بشكل مسبق أو حملة إنستجرامية مع صور صحافية تجذب الانتباه. كعادتها تعمل إستر في صمت معتمدةً على عملها الجاد وفقط موسيقتها عالية الجودة، التي تستحق تسليط الضوء عليها أكثر من أي وقت مضى.
تؤكد تسجيلات يوكو بهذا الإصدار وتوجهها في اختيار الفنانين أنها واحدة من الشركات المؤثرة في الموسيقى الراقصة.
ألبوم تريستان أرب الجديد ذو قدر عالٍ من الحرفية ويعكس صوته جانبه المفاهيمي الذي يربط بين الطبيعة والعالم الرقمي صوتيًا بنجاح. يستعرض المنتج الأمريكي قدراته المحكمة في التصميم الصوتي معتمدًا على الموديولر سنث والتشيلو والأصوات البشرية لينسج خيوطًا صوتية متداخلة ومتشعّبة لا تخضع لأي بنية تراكات متوقّعة.
رغم كثرة المواد الصوتية ينجح تريستان في استيعابها جميعًا والسيطرة عليها تمامًا. المثير في الألبوم، تسجيل معظم تراكاته على مرة واحدة وهو ما يبرر عنصري التكرار والارتجال السائدين، ليعقبها تنقيح وبعض التعديلات.
في ألبومه الطويل الأول، لا يلتزم نت جالا بقواعد ما أو وصفات جاهزة سهلة، فيأخذ أسلوبًا مغامرًا يمكن تبينه بدايةً من التصميم الصوتي وتشكيله خامات السنث بطريقة تتيح للمستمع تمييز صوته بين العديد من المنتجين.
على مدار ما يقرب من أربعين دقيقة ينجح المنتج الكوري في السيطرة على المستمعين والراقصين بطابع ألبومه المحمّس الذي يمزج بين الإيقاعات الثقيلة والضجيج لتقابله ألحان السنث بالغة الجاذبية.
خرج نت جالا بألبوم متنوّع الأذواق، استطاع صياغتها جميعًا بصوت مترابط وأسلوب صلب. بعد عدة إصدارات قصيرة عادةً ما يشكل الألبوم الأول لأي فنان تحديًا وقلقًا من النتائج، لكن ينجح نت جالا في خطف انتباهنا بامتياز، مؤكدًا على براعته التجريبية في الموسيقى الراقصة.
عندما تتحدث الموسيقى عن نفسها، ليس من المهم أن يظهر منتجها بوجهه أو من خلال حملات ترويجية أو سوشال ميديا. إصدار اليوناني إيسون زيرفاس على تسجيلات هيت كرايمز خير مثال على ذلك. على مدار ما يقرب من نصف ساعة يأخذنا زيرفاس إلى زمن آخر في اليونان ويسير على نفس نهج ذَ كايرتيكر. يتلاعب المنتج اليوناني بتسجيلات قديمة من الفلكلور اليوناني منتقيًا اللوبس الأكثر جاذبية لتحفيز حواسنا وأسرنا شعوريًا.
يستبدل المنتج اليوناني الموسيقى اليونانية بموسيقى البولروم التي عهدناها لـ ذَ كايرتيكر، فالسياق بالطبع يختلف لكن التأثير واحد؛ أشباح صوتية تخيّم على الأجواء تمزج بين الحميمية والغرابة والنوستالجيا. إصدار ذو سحر خاص.
بالرغم من فترة توقف تسجيلات برانسيب أثناء الجائحة، رجعت بقوة لتنعش من جديد المشهد الراقص الذي افتقر لما هو محمّس في السنوات الأخيرة. تأخذ برانسيب حيزًا مؤثرًا وسط الموسيقى الإلكترونية الراقصة، مؤكدةً مع كل عام على كسر الهيمنة الغربية على الموسيقات المثيرة والراقصة.
إصدار دي جاي ليكوكس، جيتو ستار، مثال قوي على ذلك. ألبوم كودورو من العيار الثقيل، يحتوي إيقاعات متأرجحة ومتشابكة ذات ديناميكية عالية، تتخللها عينات صوتية بشرية وسنثات وبايس تغني الألبوم ببعد إيقاعي إضافي. هناك أيضًا تنوع في الألبوم يظهر في الأغاني الصريحة ليوفّق دي جاي ليكوكس بين ما هو صالح لحلبة الرقص والاستماع. إصدار هام يكسب المشهد الراقص صوتًا يحتاجه.
بيروت بيردز لـ نور سخن عمل صوتي رائع وحرفي على قدر عالي من التجريب والصدق، يعكس تجربتها الشخصية التي يتردد صداها مع العديد من اللبنانيين ومهاجري منطقتنا في الشتات الباحثين عن أمل ما. تأسر نور المستمع في منطقة بينية، فانتقالها من بيروت إلى برلين غير محمّل بأحلام وردية وحالة من اليقين، ما تنجح بشكل ملفت في إسقاطه صوتيًا وموسيقيًا في بيروت بيردز.
توظّف نور التسجيلات الميدانية التي ترمز إلى الهجرة والذاكرة، إضافةً إلى مقاطع من مقابلات مع أشخاص آخرين من الشتات تتكرر وتتداخل لتعطي مزيدًا من البعد الإنساني المسيطر على الألبوم. تتفاعل نور مع هذه المواد الصوتية بالبيانو والسنث والمعالجات الإلكترونية والكمان والإيقاعات المتناثرة وصوتها لتشكّل مشاهد صوتية شديدة التماسك.
بعد عامين من إصدارهم الأول، يعود ناج (فلوريان تي إم تسايزيج وبفاس) بـ بونج بوت على تسجيلات وست مينرال. يعد الألبوم واحدًا من أهم الإصدارات المحيطة لهذا العام ويمكن لمتابع المشهد تبيّن اختلاف صوته عن بقية الأعمال المحيطة خلال السنوات الأربعة السابقة.
يعكس العنوان صوت الألبوم بشكل ملحوظ، فكل شيءٍ يطفو ويترنّح ببطء. نستمع إلى الماء أو فقاعات أو ما شابه كقاعدة صوتية، ليضاف إليها الألحان الدافئة والإيقاعات الخافتة، وبايس عميق يحمل مركبة محمّلة بالتسجيلات الميدانية وعينات من الآلات الحية المعالجة بصدى الصوت. المؤثرات المستخدمة وطبيعة التراكات اللو-فاي تذكرنا بأعمال روميو بوارييه وأندرو بكلر، جماليات تبهج أذاننا دائمًا.
تعاون قوي وغير متوقع بين عالمين مختلفين جمعهم حب الموسيقى المحيطة؛ آيس بوي فايلت، واحد من أهم فناني مشهد مانشستر الإلكتروني، ومنتج الموسيقى المحيطة الإسباني نووين. ربما هيأ إصدار آيس بوي فايلت الأخير موسيقيًا وأسلوبيًا لما هو آتٍ، ليكتمل كليًا في هذا التعاون. يعطي نووين المادة الموسيقية الأكثر ملائمة لصوت آيس بوي، متمثلةً في الأجواء المحيطة الضبابية والأنسجة الصوتية المشوّشة والإيقاعات الطفيفة النابضة لتنصهر جميعها في صوت آيس بوي مشكلةً كتلة صوتية متماسكة.
كلمات آيس بوي الشخصية يتنوّع أداؤها بين السبوكن وورد الداكن الذي يذكرنا بـ تريكي وكوبي ساي، والراب والغناء المفعم بالمشاعر. ألبوم مريح في الاستماع ذو طبع تأملي ويأتي بتعاون منعش للمشهد الإلكتروني.
من خلال ما أطلقت عليه هايبر بايس، تقدّم إيزاكا للمستمع ولحلبة الرقص التي ما زالت قادرة على استيعاب أصوات مغامرة، خمسة تراكات على قدر عالٍ من الحرفية الإنتاجية والحس الإيقاعي المتشابك، إضافةً إلى تصميم صوتي يسيح الأذهان. يمكن تبيّن تأثيرات الفوتوورك، والجرايم، إضافةً إلى تأثر واضح بالهايبربوب، لكن تنجح المنتجة الأمريكية بأخذ كل هذه التأثيرات إلى مسارات وعرة، يصعب توقعها.
بالتأكيد ألبوم قصير كهذا غير كافٍ، ينتهي فجأة ويترك المستمع متعطشًا للمزيد مؤكدًا أنه ليس الإصدار القصير الراقص التقليدي الذي يستمر فقط لعشرين دقيقة. إليترا من عينة الإصدارات ذات الروح التي نفتقدها مؤخرًا، حرية كاملة لا تتقيّد بأي قواعد خاصة بالمشهد الراقص. تفعل إيزاكا ما يحلو لها وتستعرض قدرتها العالية كمنتجة ذات خبرة وثقافة موسيقية واسعة بحس سلس ومرح، لتلهم من يسمعه أنه لا تزال هناك إمكانية للتجريب في الموسيقى الراقصة.
بعد عام من إصداره الناجح على تسجيلات ذَ تريلوجي تايبس، يعود ميموتون (ويل ياتس) بألبوم جديد، فيفر أُف ذَ وورلد على تسجيلات صودا جونج. يؤكد ياتس على حسه الموسيقي العالي وحرفية تصميمه الصوتي في واحد من أبدع إصداراته منذ بداية مشواره. لا يزال تأثير الجاز طاغيًا، لكنه يمزج هنا بين الارتجال بالآلات الحية والموسيقى المحيطة ليخلق عالمًا صوتيًا متباينًا وغنيًا ونابضًا بالحياة والمصادر الصوتية، داعيًا المستمع إلى الاستجمام والراحة والاستماع المتمعّن.
ألبوم مهم ذو طابع حميمي، يدمج بأسلوب حر بين العالم الإلكتروني المحيط والعزف الحي وقد تم عرضهم ببراعة ملفتة.
مع تراجع المركزية الأوروبية / البريطانية في المشهد الراقص في العامين الماضيين، توجّه الدي جايز وذوق الجمهور إلى الموسيقات الراقصة القادمة من أمريكا الوسطى والجنوبية، بالإضافة إلى مناطق من آسيا وإفريقيا والمنطقة العربية. لحظة هامة ذات دلالات، أيقنها أوشياك ونهاش.
في حين غلب على إصدارهم الأول صوت عنيف وملامح تفكيك، ما يعكس جماليات وقت إصداره، يأخذ بايت توجهًا أكثر استساغة متكيّفًا مع تغيّرات الذوق العام في الليالي الراقصة وجنراتها الفرعية، لكن دون تقديم أية تنازلات. تعتمد التراكات الأربعة على بنية سلسة تركّز على الإيقاعات أكثر من الألحان، لتتخللها تنويعات في الإيقاعات التي تتحلى بطاقة راقصة مدوية، مصحوبة بطابع يدمج بين الجدية والمرح.
يؤكد أوشياك ونهاش على تأقلمهم مع التغيرات الجمالية ومواكبتهم لكل الأوقات. بايت ألبوم حرفي يقف على الخط الرفيع الذي يفصل بين السائد والتجريبي.
بعد بضعة أعوام من الانقطاع يعود الثنائي كوافيس (كلارك وفيور) بألبوم جديد، لايرز. يوازي إصدارهم قوة سابقه والذي اخترناه أيضًا ضمن أفضل إصدارات ٢٠١٩.
كما اعتدنا يعلو الثنائي بمستواهم الإنتاجي عند عملهم معًا، أسلوب إنتاجي من العيار الثقيل وحرية في اللهو والتلاعب بالأصوات وبنية تراكات حرة تتحدى توقعات المستمع. نلاحظ تركيزًا قويًا على العنصر الغنائي والضجيجي والبايس الثقيل والجليتشات المتناثرة، يتقنهم الثنائي بتصميم صوتي مبهر.
كوافيس من المشاريع المغمورة المنعشة للأذان والتي تكافئ المستمع الفضولي الباحث عن عنصر المفاجأة وما هو جديد.