.
في البداية، حين قمنا بتأسيس فريق إسكندريلا، كنّا متحمّسين. آنذاك، لم تكن المادّة في أذهاننا، بل كان هدفنا الأساسي فعلاً تقديم فن حقيقي يعبر عن أفكارنا وقضايا مجتمعنا الذي نعيش فيه. ولا زلنا حتى الآن لا نتقاضى أجراً حين نذهب إلى أماكن نرى أنّها حيويّة وتخدم الناس مثل: الجامعات الحكوميّة وغيرها من المعاهد والجمعيّات والمسارح التي تساهم في جعل حياة الناس أفضل ولا تجد الدعم الكافي.
فنحن جميعاً كأفراد في فرقة إسكندريلا نعمل بدون أجر إيماناً منّا بما نقدّمه، لكن مع مرور الوقت، ظهرت لنا عقبات ماديّة على الطريق، فقد ازداد الأمر صعوبة حين زاد عدد الفريق ودخل عازفون جدد إلى الفرقة يحتاجون إلى آلات وأدوات صوتيّة وتقنيّة في الحفلات. أثر ذلك المباشر كان في عجزنا، مثلاً، عن اصطحاب كل أعضاء الفريق إلى مكان لا يقدر أن يوفّر تلك الأدوات، كما لا نقدر أن نلزمهم على حضور كل الحفلات والتدريبات، لأن هذا ليس عملهم الأساسي الذي يتقاضون عنه أجراً.
هذه الصعوبة جاءت أيضاً من أن ما نقدّمه من فن ليس تجاريّاً ولا مبتذلاً ليوفي مواصفات المتطلبات التي تحتاجها شركات الإنتاج والقنوات الفضائيّة وغيرها من الكيانات والجهات التي تسيطر على المشهد الغنائي والموسيقي في مصر. وفي الوقت نفسه بسبب رفضنا الحيد عن القضايا التي نؤمن بها وننادي بها عبر فننا، والتي تشتبك مع سياسيات تلك المنظومة التجاريّة للفن، وبسبب تخوّف تلك الشركات والجهات من المساءلة، أو عبور الخطوط الحمراء التي تطرقها أعمالنا المتمردة على السلطة.
كما أننا كأعضاء الفريق نرفض أن يتم تسلعينا، فالشركات الإنتاجيّة توظف الفنانين والفن لخدمة أهدافها الدعائيّة مثلما نرى الآن في الإعلانات والأغاني التجاريّة، فارضين شروطهم على الفنانين مقابل دعمهم المادّي والإعلامي، وذلك برفض موضوعات وطلب موضوعات أخرى. ونرى كيف يتاجرون الآن بالثورة من أجل أهداف تجاريّة خاصة بهم، محولين الأفكار الثوريّة والموسيقي التي تعبّر عنها إلى أداة دعائيّة جديدة.
والدليل على أن الأمر لا يتعلّق بالمستوى الفنّي، هو أنّي لم ألق هذه الصعوبة في إنتاج أسطوانتي الخاصة حاجات وحشاني لأنها أسطوانة موسيقى فقط، فلا تصطدم بأيّ تابوهات بنتها شركات الإنتاج، إلى جانب أنّني قمت بتأليف وعزف العمل كله، ممّا ساعدني بالسيطرة على النفقات الماديّة للمشروع وشكل إخراجه الفني. هذا الأمر الذي يدل على أن تقرير ما يظهر وما لا يظهر في عمليّة الإنتاج يعتمد على أمور أخرى تحدّدها رؤوس الأموال في الاختيار.
قبل الثورة، كان يتم منعنا بخطوط حمراء من غناء مواضيع معيّنة في الحفلات وفي التلفزيون الرسمي، وهو نوع آخر من الهيمنة بسبب عدم القدرة على الاستقلال المادي للفنان في نمط اقتصاد السّوق، والذي يحتاج بعد أن يبدع ويؤلّف، أن يجد مالاً ينفذ به عمله من عازفين وأدوات صوتيّة وأماكن يقيم فيها حفلاته ويقوم بالدعاية لها، لذلك يرغم على القبول بشروط وحدود معيّنة تحِد من إبداعه.
الحل الذي أراه للخروج من هذه الأزمة في الفن وعلاقتها بالتمويل، هو دور الدولة في دعم كل فنان مع الحفاظ على حريّته كاملة فيما يريد فعله وهذا ما يحدث في كل مكان في الدنيا. ما أقترحه أن تتوفّر لجان فنيّة محترمة تقرّر طلبات قبول الدعم. هذه وجهة حسنة ومشرّفة للدولة وللناس، أن يكون هناك فن مستقل ومدعوم كحل لتخطي نفوذ الآليّات الرأسماليّة التي تسيطر على الفن وتوجهه تجاه ما تريد في خدمة مصالحها.