.
شمالي: إحنا عايشين حرب من الـ ٢٠٠٨، بس الفكرة إنه هذي الحرب كانت فاصلة. لأنه صار معنا بالزبط زي اللي صار بالجيل القديم، اللي عاشوا النكبة والنكسة وشافوا كل المصايب الحقيقية هاي. صح قبل كنّا في حرب، بس كانت معروفة ومحددة، بالرغم من جرائم الإبادة لناس ما لهمش ذنب، بس أبدًا مش نفس ما يكون الخطر على المدينة كلها.
وقبل ما يأثّر على شمالي، أثر علي كأحمد بشكل شخصي، كثير الوعي اختلف ونظرتي اختلفت. يعني بتكون عايش حياتك، الأشياء اللي بتصير قدامك، والأشياء اللي بتتخيلها أو حاس ممكن تعملها، كلها اختلفت بلحظة، وكل شي تغير. هذا التغيير والاختلاف بخليك صلب بدرجة أكثر من الإنسان اللي مشافش هذي المصايب كلها.
هذيك المرة صاحبي بحكيلي إنه حبيبته سابته، وكان زعلان كثير، لمن حكالي هيك أنا تفهمته، بس ما شفتش المصيبة تاعته مصيبة كبيرة، لأنه كل اللي شفناه بيخليك تحمد ربك إنك عايش ولسه بتتنفس. إذا أنا كويس معناها أنا تمام، مش شايف إنه فيه إشي أكثر أنا محتاجه.
أكثر إشي عشناه بغزة والناس هناك بتضلها تعيشه، هي فكرة إنها تضل عايشة. فالموضوع هو إني صرت أتكيف مع الحياة بكل مصاعبها. يعني أنا مثلًا ما كنتش أنزل عالسوق أشتري أشياء للبيت، بس في الحرب صرنا نبيع في السوق. فالحرب أخذتني لهذاك الجانب، إني صرت تايه في الشارع، بحاول أجيب فلوس، وبدي أكون تمام.
كفنان، أثر على نظرتي عالفن كله. إنت فعليًا بتقدر تستعمل الموسيقى مش بس للمنيكة والحاجات اللي إحنا بنعملها كل يوم، لا بتقدر تستعملها عشان تبين حقيقة ما، بديش أحكي عشان توصّل رسالة، لأ، بس أنا قاعد أبين لك شو اللي صار، وكيف ممكن تشوف إشي واضح وحقيقي من خلال الموسيقى، اللي ممكن أعملها خلال الفترة الجاية.
هلقيت هي بدل فاقد كانت فكرة إي بي كان المفروض أعمله زمان، وكان بحكي عن كثير أشياء، عني وعن شخصيتي وموسيقتي وملابسي وكل أفكاري. حبيت أربطها بفكرة لما الواحد بضيّع هويته، أو لما اتضيّع رقم موبايلك، بتروح بتطلع إشي اسمه بدل فاقد، ووقتها كنت حاب أحكي عن الأشياء اللي بتصير حوالي، فطلع بدل فاقد. بعدين لما صارت الحرب تغيّر المفهوم، ولكنها أعطتني معنى أقوى في النهاية. بعد ما سوينا كل الأغاني، حسينا إنه بدل فاقد لسه اسم حلو ومقنع. لأنه لو ما صارت الحرب، كنت هعمل موسيقى وأجرّب أشياء كثير. فهذا الألبوم طلع بدل كل اللي خسرته.
أنا قعدت ٥ أو ٦ شهور تقريبًا، وطلعت بآذار الـ ٢٠٢٤.
تستغربش مني إذا بحكي إنه تجربة الكتابة كانت ممتعة، لأنه فيه كثير سيناريوهات. إنت بتقاتل في إشي أكبر منك، وإنت عارف إنه أكبر منك، وحرفيًا إنت ولا إشي بالنسبة لإله، ومع ذلك لسه بتقاتله، ولسه بتكتب وبتراب ومش مهتم فيه. كان عندي عقلية إنه بتطلع على الدنيا بحكي لحالي إييي قصفوا، هات موبايلي أكتب [يضحك].
مثلًا في تراك فلتان، الفيرس تاع الدريل كتبته وإحنا قاعدين على ناصية بنزينة مطفية، كنا في رفح وقاعدين عالناصية اللي بتطل على خان يونس، وخان يونس كانوا من جديد بادين يمحوها، كنت قاعد مع الشباب وقاعدين بيبرموا بمواضيع مختلفة واللي قاعد واللي بيدخن، قلتلهم ابعدوا عني أنا مليش فيكم. حطيت الإيربودز وقعدت اتطلع على القصف قدامي مع الزنانات والكوادكابترز. فطلع فلتان أكثر تراك بيعبر عن الأيام اللي عشناها، التراك خام وصريح كثير.
الشباب أصحابي في غزة بيحكولي أعمل أغاني عن الحرب، سمعتهم فلتان حكو أيوه زي هيك. والمشكلة أي حد مش من غزة ما بيفهمهاش، بيسمعها فلو وبيت بعدين بيسكت بيحكي مش كثير يعني، طيب أنا عارف إنها مش عاجباك، لا وأنا متأكد كمان، لكن أي حد من غزة بيسمعها حيرتبط معاها نيك.
بالعادة مش بكتب في جلسة وحدة، بس مثلًا تراك بستنى فيك هو الوحيد اللي كتبته على نفس القعدة. كتبتها في الخيمة في الملجأ من الساعة ١٢ المسا، الساعة ٦ الصبح خلصتها. وأنا بسهرش السهر هذا في الحرب، إنه ليش تضلك سهران لا فيه نت ولا كلب ولا فيه أي حاجة، كل الدنيا بتصحى من الساعة ٦ الصبح.
بستنى فيك كتبتها في ملجأ كان في مدرسة للصم والبكم. تراك صح كان قبل الحرب، وكان المفروض إنه بدل فاقد القديم بصورته القديمة، فلما تسمع صح ممكن تشوف كيف كانت الدنيا رايحة ساعتها، بس الدنيا زعلتنا. بالنسبة لتراك طخ كان أول ما اجيت هين على مصر، هذا خلاصة الوضع.
هو بار عميق كثير، لإنه مش بس عني أنا، بل عن كل حد غزاوي. هو صمود وبنفس الوقت عدم وجود خيارات. فيه ناس بتحكي فش عنا خيار إلا هيك، وفيه ناس بتحكي إحنا فداء الوطن. والبار هذا بالنسبة إلي معناه أنا كل يوم رغم كل اللي بيصير لسه بحاول أضلني موجود، ولسه بحاول أبني لحالي مكان، ولسه بحاول أضلني صامد قدام كل هذي الأشياء.
الراب تاعي كان صمود في هذيك الأيام. وإني ما استسلمت والشعب كمان ما استسلم. الناس والدنيا بدها تمشي والكل بده يعيش وبده ياكل، هي الدنيا نفسها بس اللهم انضاف عليها الحرب. وهذا الصمود رغم إنه المعبر مسكّر، والحدود مسكرة من كل الاتجاهات، والبحر بتقدرش تطلع عليه، وفش مطار، فوجودك في هذا المكان تحت كل هاي الظروف شئنا أم أبينا هو صمود، بكل مقاييسه، بحرب أو بدون حرب هو صمود.
لما تختار إنك تضل وما تهتمش لهذا العالم، وتختار إنك تضحي بكل هذا العالم المفتوح قدامك، وتضلك في بقعة الأرض اللي اسمها غزة، وتضلك تحاول تعيش وتبني حياة، وتحكي لنفسك هذي بلدي وهذي دنيتي. في النهاية وجودنا على الأرض صمود إلنا كفلسطينيين. وهذا الشي اللي مخلي إسرائيل تعمل كل اللي بتعمله في الوطن العربي، وكسم إسرائيل.
إنت فاهم يا روكي إنه من القاهرة لبيروت بس ست ساعات بالسيارة، وعشان إسرائيل موجودة شوف كم المدة اللي بتحتاجها عشان تقطع هاي المسافة. ولو هي مش موجودة كان إحنا عايشين حياة سالمة نيك، كلنا.
طبعًا، تراك طخ مثلًا كلماته بتعبّر عن لما تسمع صوت وإنت في الشارع، بتصير تسأل إذا كنت سامع صح ولا كيف؟ هذا طخ عادي، ولا طخ طيارة، ولا طخ أبصر إيش. بتنعكس كمان لما تشوف الدنيا سوداء، المستقبل المجهول للبني أدمين الكثير، الخوف، وكثير أشياء سيئة. بالنسبة لتراك صح، حاسه بروي الأحداث العادية اللي بتصير في غزة، بس أنا حاكيها بطريقتي.
أنا راح أحكي عن بلدي، بس حكون مبين نايس ورِوش. برضه مش لازم لما أغني أظل أحكي عن موضوع سياسي أو حرب، لا أنا بغني عن الأشياء اللي بتصير معاي، بس برضه أنا وين، أنا مش في المريخ، أنا عايش في غزة. مثلًا في فلتان كان فيه بار “سجل يخالي ع الكتب / بس سبلي الورق / لأنه فش ورق”، هلقيت في هذيك الأيام كان ورق البفرة بيخلص قاعد. فأنا قلت لنفسي كيف أسجل عالكتب مهو فش ورق.
بالنسبة لبستنى فيك، إنت سألتني عن تجربتي في الكتابة في الحرب، طيب تخيل التجربة لو حتدخل علاقة حب في الحرب. صار معي إشي بالملجأ، كنت بتمشى، فجأة لقيت حدا واتطلعنا على بعض، وهيك طلعت بستنى فيك. جمّعت كل الحاجات اللي مليانة حب وبيقدر الواحد يحكيها لشخص عنجد حس اتجاهه بإشي، وخاصة في وقت مش منطقي. هذا الإشي صعب وحزين فشخ.
اللي رجّع الإي بي هذا للحياة هو تراك بستنى فيك. أنا في الفترة هذيك كنت دايمًا بكتب، حتى لو فيه أشياء ما كملتها. فجأة دخلت هيك جو ولقيت أغنية لجايبيج مافيا، صرت أدور على بيت نفس الإشي ولا بيت إجا معاي، فش بيت نفسه.
أه، عشان هيك ما تعمقتش كثير، وعجبني البيت تبعه فكتبت عليه وكملت التراك. وسجلته في رفح أيام ما الشباب كانوا بيسجلوا نجا، فسجلتها وخليناها. فلتان نفس الإشي، كان فيه تراك عاجبني وحكيت لآدم بدي نفسه، مش عارف إيش كانت مشكلتي ساعتها مع بيتات التراكات. رجعلي آدم ببيت الزلمة الطيب زلكي وزبطناها. بعد هيك طلعت على مصر، وكلمت آدم، وهو ما كان عارف إنه أنا جاي على فكرة. فكلمته وبدأنا ننطلق في المواضيع.
بستنى فيك طبعًا كانت المعضلة الأولى. ضلينا ٣ شهور نحاول نعمللها بيت لغاية ما زبطت. وطخ كمان عملنالها بيت وسجلنا. البيت تاع صح إجا بالصدفة، آدم كان بيعمل بيتات وجربت عليها ليركس صح وطلعت زابطه.
أنا بشكل عام تواصلي مع الحياة بسيط وفي نفس الوقت رِوش، فهذا اللي بتطلع فيه بكل شي بعمله في الحياة، بالأصح السهل الممتنع. يعني أنا بحبش الموسيقى تكون أوفر كثير، لأنه في النهاية أنا موجود، أنا بغني.
آدم هو الشريك الأول في المشروع. مثلًا فكرة الدي إن بي، هو كان بيجرّب هذا الإشي، وأنا كنت كثير مغرم بفكرة اليوكي جراج وبينك بانثرز، فكنت بقول لآدم، إيش رايك نعمل هيك، وهو أخذ الخطوة وعملها، هذا جانب من التأثير. وكنّا سوا بنراكم أفكار كثير فوق بعضها، وطلعنا باللي طلعنا فيه.
طخ أكيد، كان بستنى فيك بعدين صار طخ.
طخ أتوقع عشان سمعتها كثير، بطلت أتأثر فيها وهذا شي مزعلني. بس الوقت اللي سويته فيها مع كل الأحداث اللي صارت أول ما جيت مصر.
هو انبنى لحاله، لأني بحس حالي بني آدم مباشر، ولأنه أنا صارلي زمان بكتب، أنا بكتب من أواخر ٢٠١٨، وفي نفس الوقت أنا مُستمع منيح للراب. بالنسبة للمهارات الكتابية على حسب، فيه حاجات هيك، وفيه حاجات هيك. فيه بارز زي مدينتي بتحب صمودي إجا بشكل طبيعي، مثلًا كمان في صح قلت “مش سايبر سايكو بس هيك ستايله”، هاي كنت حاضر الأنمي تبع سايبر بانك على نيتفلكس وكان عاجبني كثير، فعجبتني فكرة السايبر سايكو، إنه الشخصية بيدوس كنترول و بيهتمش، فعجبني التمرد تاعه. فهذا ريفرنس فكرت فيه كويس.
[يضحك] أي شي، لما تروح تعمل سندويشة لازم تعملها صح، لما تروح تصف السيارة لازم تصفها صح، أو ممكن تعمله غلط الموضوع نسبي في النهاية.
أنا بالنسبة لي منجم هو آدم، لأنه كنت أتعامل مع آدم في هذيك الأيام كثير. وإحنا ساعتها كنّا قاعدين نبني حالنا، إحنا كلنا طالعين من منطقة وحدة ومن مكان واحد وفعليًا متضررين. فلما رجعنا كل واحد ركّز على مركزه. كانت صعبة، بس في نفس الوقت مش صعبة لأنه فيه هدف واضح.
أول حاجة، بحترم أي شخص كانت له أي يد في الصوت النهائي، ولو حط حاجة خفيفة في الميكسينج مثلًا. بالنسبة للأشياء اللي كنت أسمعها، حتستغرب [يضحك]، كنت أسمع جايبيج مافيا كثير، كان فيه إصدارات لفنانين ورابرز إحنا بنعرفهم مثل نفس شب جديد وبابلو هذول أكيد سمعتهم، تراك المبدأ كنت أسمعه كثير، وجد انبسطنا لما نزل ألبوم بابلو. أغنية باين تاعت جيدن سميث، كنت أسمع جيتار كثير وأسمع بيتس برضه. كيندريك كمان، وكنت بسمع كانيه شوية عشان صاحبي كان مهووس فيه.
أيوه، صاحبي هذاك مش طبيعي.
هو بشكل عام فيه كمشة أفكار، وكمشة تراكات، بس لسه مش باين إيش ممكن نعمل فيهم. هذا كله حنشوفه في الأيام الجاية. إحنا شغالين ٢٤ ساعة، فش نوم.
أخونا يا الروكي.
صورة الغلاف لـ علي زيدان.