.
هذا المقال جزء من سلسلة مقالات لفيروز كراوية حول الموسيقى المصرية المعاصرة وثقافة الشباب.
لا يمكن الإحاطة بظاهرة موسيقية عضوية كالمهرجانات والراب في مصر، دون اقتفاء آثار تغيرات جغرافيا الإنترنت والموجات التي تسري فيه، وكذا متغيرات جغرافيا الأرض. سنسير وراء تلك المتغيرات لنرى كيف تخرج الموسيقى وتعثر على أدواتها التعبيرية بالتفاعل مع بيئة تتشكّل حولها، وأحداث جسام تخبئ لها المفاجآت السارة أحيانًا.
يفرّق الإثنيميوزيكولوجيست جيف بايكر بين الطابع العرقي لنشأة الراب الأمريكي في السبعينات، وموجات أخرى للراب لم يمثل العرق وأزمات العنصرية عمودًا رئيسيًا في لغتها وموضوعاتها، ويشير إلى ظهور موجات الراب المؤثرة عالميًا في عواصم شهدت تمييزًا جغرافيًا صادمًا بين مركزها وأطرافها مثل برازيليا في البرازيل وباريس في فرنسا. يركّز بايكر على موجة الراب في كوبا خلال التسعينات، بالتوازي مع فترة تحول متأخر لمجتمع اشتراكي نحو الرأسمالية. انصب وقتها جهد الحكومة على إعداد العاصمة القديمة هافانا لتصبح مزارًا سياحيًا يفتح للعالم، متبنيةً خطة لتجديد المزارات السياحية وبناء شبكة من الخدمات حولها. خلق هذا النمط الاقتصادي فارقًا واضحًا بين مجموعتين من سكان العاصمة: الأثرياء القادرون على دفع تكلفة الحياة في المركز المحدّث إلى جانب العمالة داخل قطاع الخدمات والقطاع السياحي، والقطاعات الهامشية المعتمدة على شبكة موسعة من خدمات الدولة في الصحة والتعليم والتوظيف، والتي سقطت في أزمة بطالة وفقر ممتدة.
أصبح الوصول إلى المركز في هافانا عسيرًا على سكان الأحياء الهامشية، نظرًا إلى طبيعته السياحية من ناحية، وكذلك بسبب التضييق الأمني وتعرضهم إلى التفتيش والمنع. خلق هذا الانقسام الحاد دوافع نفسية واجتماعية للتعبير عن التذمر مما أطلق عليه الباحثون: الأبارتايد الحضري Urban Apartheid. بالنتيجة، ظهر الراب في هافانا عبر مقاه صغيرة اعتاد السكان ارتيادها للترويح والرقص على موسيقى البوسانوفا الكوبية التقليدية، وركزت لغته على أوضاع السكان الهامشيين التي تزداد سوءًا وضيق الفرص الاقتصادية، وكذا على السخرية من التمييز الطبقي والتأكيد على الحق في المدينة التي تنتمي إلى كل سكانها.
المفاجأة أنه مع الوقت لفت الراب الكوبي نظر السائحين، وخصوصًا الأمريكيين المعتادين على النوع، وبدأت قطاعات منهم في التسلل إلى أحياء هافانا الطرفية وزيارة نوادي الراب، التي صارت أكثر انتشارًا بعد صعود نجوم شباب من المؤدين وازدياد جماهيريتهم، وتلقيهم عروضًا للأداء في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ساعد ذلك نجوم الراب الكوبي على اقتحام مركز هافانا المحصّن، هذه المرة بناءً على طلب الجماهير من الأثرياء والزوار الأجانب. صاروا ضيوفًا مرحّبًا بهم، يمرون بحرية عبر شوارع مدينتهم، ويُنظر إليهم كمبتكرين ذوي شعبية.
تصلح المقاربة إلى النموذج الكوبي وصعود موجة الموسيقى الشابة للمقارنة مع النموذج المصري وعاصمته القاهرة في كثير من الأوجه: التحول الاقتصادي الذي تصاعدت وتيرته في العقد الأول من الألفية الثالثة، والتدهور الحضري بالإضافة إلى الديموجرافيا الشابة في الأحياء الطرفية، والتي أنتجت ظاهرة الدي جاي الشعبي ولاحقًا المهرجانات والمولد كأشكال فنية. لكن الفارق أن الظاهرة الثقافية التي انتشرت في أحياء القاهرة العشوائية لم تأخذ قوتها الدافعة من تمركز السياحة والخدمات في القاهرة، وإنما من الانتفاضة الجماعية الاحتجاجية الضخمة في يناير ٢٠١١، في زمن الإنترنت.
بعيدًا عن تقييمه السياسي، يمكن اعتبار ٢٠١١ عامًا استثنائيًا للمصريين في علاقتهم بالفعل الجماعي والنفاذية إلى المجال العام. أدّى التعرّض للشوارع، واللقاء الحي بين جماعات سكانية مختلطة من حيث الاهتمامات والشرائح الاقتصادية والهموم والمطالب، إلى مواجهة المجتمع لنفسه وتعرّفه على أجزائه، وأثّر كذلك على الوسط الثقافي والفني وأولوياته: في البداية عندما تحول الاعتصام الجماهيري في ميدان التحرير في أوقات كثيرة إلى ساحة عرض ضخمة، تحضر عروضها الجماهير المحتشدة وتنقلها الكاميرات إلى كل القنوات الإعلامية المحلية والعالمية؛ ولاحقًا بصعود الخطاب المطالب بإحلال الشباب في معظم القطاعات الثقافية، كصدى لخطاب تمجيد الفعل الشبابي في الإعلام خلال ٢٠١١ مقابل سيطرة الكوادر كبيرة السن خلال عهد مبارك؛ وأخيرًا بتهافت المنتجين وصناع المسلسلات والسينما والإعلانات على تقريب صورة أبطالهم من صورة شباب يناير.
في المجال الموسيقي، دعم هذا الخطاب التيار الذي بات معروفًا بـ الأندرجراوند، والذي يحتاج إلى تحليل منفصل، وكذلك المهرجانات التي انضمت إلى الباقة المعتمدة لفن الشباب، وشق نجومها طريقهم إلى الحملات الإعلانية والأفلام التجارية١. شهدنا جميعًا احتلال المهرجانات لموقع ثابت بين عروض ميدان التحرير، وشهدنا تأكيدها على جماهيريتها الصاعدة بين القطاعات الشابة المنضمة إلى الانتفاضة الشعبية، إلى جانب روابط شباب الألتراس، الذين وجدوا في الانضمام إلى الفعل الجماعي المتجاوز تحررًا من الوصم، ومن حملات التشويه التي تبنتها البرامج الرياضية التلفزيونية قبل يناير.
تشترك الحملات الموجهة ضد المهرجانات وضد الألتراس في حنقها على منابع تلك الثقافات الشبابية، التي خرجت بشكل أساسي من الأحياء غير الرسمية في القاهرة وبعض الأقاليم (مدينة السلام والمطرية والإسكندرية والمنصورة)، لتؤكد على الجماعية كوعاء لاحتواء طاقة شابة متفجرة، تبحث عن انتماء يطلق طاقاتها ويعزز ثقتها ويحترم دافعيتها.
المراهقة والشباب مرحلة نزوع إلى الاستقلالية، والبحث عن الذات وتمايزاتها عن الجماعة الحاضنة والوجوه الأبوية. على عكس الأجيال السابقة في الثمانينات والتسعينات، والتي مثّلت وقودًا لا ينفذ للجماعات الدينية، نظرًا لانغلاقها الثقافي والاجتماعي بحكم المركزية الإعلامية ومحدودية الفرص لممارسة النشاط السياسي أو الثقافي، كانت أجيال بداية الألفية أكثر حظًا باحتلال الإنترنت لمكانة مركزية في ثقافتها، ومن خلاله نفذت تلك الأجيال إلى مختلف أشكال ثقافات الشباب العالمية، وكانت بالتأكيد أقل انصياعًا لسطوة الجماعات الدينية المهيمنة على المجال العام في مصر، ما أدى إلى إقبال بعضها على إنشاء روابط الألتراس، محاكاةً للروابط المماثلة من مشجعي الأندية العالمية، وإنتاج الراب والمهرجانات والرقصات المرتبطة بهما.
لا يعني كون أجيال بداية الألفية أقل انصياعًا أنها ليست ابنة بيئتها الثقافية والاجتماعية، ولا يعني أنها متحررة من الخطاب الذكوري التحقيري للنساء السائد في المجتمع. ما نقصده هنا هو توفر مزيد من التنوع والخيارات المختلفة لأبناء مجتمع محكوم بقوانين الطوارئ، يعاني من انكماش واضح في مساحات النشاط الجماعي العام والمقيّد بقوانين صارمة تمنع ممارسته في معظم الأحيان، سواء العروض الموسيقية الحية والمهرجانات والأنشطة الثقافية والرياضية، أو إنشاء الروابط والجمعيات المدنية لأهداف مختلفة.
يمكن تقسيم تأثير دخول الإنترنت مصر إلى مرحلتين: ما قبل ٢٠١١ وما بعدها. اقتصر التفاعل الجماهيري في المرحلة الأولى على دائرة النشطاء السياسيين والثقافيين، وجمهور المحتوى الذي يقدمونه عبر المدونات والمواقع الإلكترونية. بينما اهتم الجمهور الأوسع بالاستفادة من إمكانيات الاتصال التي وفّرها الإنترنت، سواء على مواقع الدردشة أو الألعاب الشبكية. في ذلك الوقت، كان الإنتاج الموسيقي المعروض عبر يوتيوب أو مواقع الموسيقى ينتمي بصورة أكبر إلى الأرشيف التراثي، الذي تزايدت المساهمات في تحميله في نسخ الكترونية عبر منتديات السماع، أو لمجموعات المطربين والموسيقيين المستقلين الأكثر اطلاعًا على مستقبل الإنترنت وإمكانياته، دون أن يفيدهم هذا الاطلاع لاحقًا لغياب من يحمي حقوقهم.
تقاعست الدولة بتشريعاتها، وبمؤسساتها الرسمية مثل جمعية المؤلفين والملحنين ونقابة الموسيقيين وشركات الإنتاج التجارية، عن تبني أي إجراءات أو خطط لتنظيم التعاطي مع المنتجات الفنية والثقافية عبر الإنترنت. لم تنتبه هذه الأطراف إلى التطورات القادمة في مجال النشر الإلكتروني، ولا استصدرت قوانين ملائمة لحماية حقوق الملكية الفكرية للفنانين، وتنظيم تداول الأعمال الأصلية وحماية التراث، ولا نظّمت الإجراءات القانونية وسبل إنفاذها في مواجهة سيل من المواقع الإلكترونية، اجتاح الإنترنت لقرصنة المحتوى المصري والأجنبي ونشره. رأينا أصواتًا تتعالى بالشكوى من القرصنة السريعة للألبومات الجديدة لجميع المطربين، وباتت لا تحقق الأرباح المتوقعة ولا نصفها ولا ربعها، ولا تساهم في تحقيق تراكم مالي يسمح للمنتجين بالاستمرار في الإنتاج الجديد. تسبب ذلك في خروج عدد معتبر من الشركات والمنتجين الأفراد من دائرة الإنتاج، كما أثّر في بنية الصناعة من تقلص عدد الاستوديوهات ومحلات بيع الكاسيت والسي دي بسبب ضآلة العائد. ترتّب على ذلك أيضًا تدهور الأحوال الاقتصادية للموسيقيين مع قلة المتاح من الحفلات الحية، وهجرتهم إلى دول الخليج للعمل كمعلمين للموسيقى أو العمل ضمن الفرق والأوركسترا هناك.
ساهمت انتفاضة يناير والأحداث التالية لها في التحاق الجمهور المصري الضخم بالإنترنت الاجتماعي. خلال ٢٠١١، تصدرت الدول العربية بشكل عام العالم في نسب الإقبال على إنشاء حسابات فيسبوك وتحميل الفيديوهات التفاعلية على يوتيوب، والنشاط المحموم على مواقع التواصل الأخرى، أهمها تويتر، وكل ما يقع تحت تصنيف مواقع صحافة المواطن٢. أفرزت تلك المرحلة تغييرًا كبيرًا في اقتصاديات وتوجهات الشركات الإعلانية الكبيرة، التي خصّصت ميزانيات متزايدة للإعلان على الإنترنت، والذي استقطب بالنتيجة منتجي المحتوى الفني الذين يعتمدون على علاقة أساسية بحركة سوق الإعلانات.
بدأت شركات الإنتاج الفني والموسيقي بنشر أعمالها على الإنترنت، في غياب أي تشريعات منظّمة أو بنية من الآداب التقنية Electronic Publication Ethics، وبدأت قطاعات شابة في الاستثمار في مجالات الدعاية والتسويق الإلكتروني، وضخ المزيد من الأموال التي تناسب حجم الترويج المدفوع للمنتجات المعروضة، ما حوّل الإنترنت إلى غابة إلكترونية تسللت إليها أخلاقيات سرقة المحتوى والسرقات الإبداعية والتزوير في أرقام المشاهدات وشراء الحسابات الزائفة. بطبيعة الحال، كان الأكثر تعرضًا للخسارة المادية هم الفنانون الصاعدون والمنتجون المستقلون.
لكن الإنترنت لم يوفّر الفرصة فقط للشركات الكبرى ومعلنيها، بل وفّرها أيضا لفناني المهرجانات والمولد والراب ولاحقًا التراب، الذين بدأوا بشكلٍ متصاعد بطرح إنتاجهم دوريًا عبر يوتيوب بعد نجاحهم المدوي في الظهور السينمائي، حتى أصبحوا مكونًا لا غنى عنه ضمن الخلطة التجارية لنجاح الفيلم. جاءت الأرقام الفارقة للمشاهدات بالخبر اليقين: هناك قالب فني استطاع اختراق الإنترنت وتحقيق أرقام مليونية دون استعانة بالحسابات الزائفة أو شركات الإنتاج الكبيرة أو الإعلام التقليدي. هذا المحتوى الذي بات مستهلكوه ينتمون إلى جميع شرائح المجتمع المصري، خرج من تصنيفه الضيق كنتاج للأحياء العشوائية، لينضم إلى منتجيه فنانون ينتمون إلى كل الشرائح، ويضيفوا بصمتهم ورؤيتهم فيجددوا من طبعاته، ويفتحوه لاحتمالات واسعة.
حققت الموجة الجديدة أصالتها Authenticity وانتشارها بتبنيها لصوتها الخاص، صوت يتقمّص الصورة والحركة والضوضاء والتُّراب وغياب النظام والقانون، والميكروباص والتوكتوك وسماعات الموسيقى الضخمة أمام محلات عصير القصب وداخل التكاسي، يخرج من طاقة الشباب وانسداد الأفق أمام معظمهم، صوت الطاقة المحبوسة في حيز أضيق كثيرًا من حرارتها وحركة أجزائها؛ وهو الصوت المصري الذي صدّق مصريّته العالم أيضًا، فوجد طريقه إلى منصات النشر والأداء العالمية.
ينبغي هنا الإشارة إلى خلطٍ شائع في تصنيف المهرجانات، تحديدًا كصوت مصري ضمن الأنواع الموسيقية، والأقرب في رأيي هو تصنيفها كقالب موسيقي Pattern لم يغلق نفسه في صورة نوع Genre. غالبًا ما يتم تعريف النوع الموسيقي بعد مرور سنوات على ظهوره، كما أنه من غير الحتمي أن ينتهي كل قالب فني إلى أن يصبح نوعًا، لكن من الممكن أن يلهم أنواعًا متعددة. يخلق النوع أركانًا أساسية في صوته وصناعته، تقبل التهجين والتداخل مع أنواع أخرى، لكنها تحمل بصمتها في صورة تآلفات موسيقية chords ومنطق للتلحين وسلة إيقاعية، ثم شكل Form معبر عن المنتج.
في حالة المهرجانات، نحن لا نخضع لتلك التعريفات أو التقاطعات مع الراب العالمي إلا من حيث التشابه في القالب الحر المفتوح، الذي تحرر من قالب الأغنية المعروف واستخدم الإلقاء MCing والتداعي Flow. لكننا بالقطع لسنا أمام سلة إيقاعية محدّدة بقدر ما نحن أمام صوت إيقاعي يطبع جميع الأشكال الإيقاعية المستخدمة، مثل المقسوم والمصمودي الصغير (الصعيدي) والواحدة الكبيرة والملفوف والأيوب، ويؤلف بينها وبين إيقاعات ومؤثرات إلكترونية ويضيف إليها تأخيرات للسرعة Syncopes وفواصل تشبه البريكبيت، ولا نعلم ماذا ستضم السلة في المستقبل.
كذلك على مستوى الموضوع والصوت، تنوعت موضوعات المهرجانات منذ بدايتها الأولى بين تسلية خالصة، وما يمكن أن يقع تحت تصنيف الأغنية الاحتجاجية، تناولت العنف البوليسي والأزمات الاقتصادية والوضع السياسي، وما يمكن أن ينضم إلى الموسيقى التجريبية التي انفتحت على الصوت الجديد وقدّمت من خلاله تجارب موسيقية خالصة، وتجارب غنائية مختلفة من حيث طبيعة الفنانين المشاركين في إنتاجها وخلفيتهم الموسيقية. نحن لسنا أمام راب ظاهراتي، يبدأ في صورة موجات محددة الوجهة مركزية القضية، ثم يلتحق بشركات الإنتاج الكبيرة فينتهج نهجًا تجاريًا مثل الراب المادي Materialistic Rap في التسعينات على يد كانيه وست وجاي زي ودريك وغيرهم. نحن أمام صوت جديد خالص لا يشبه أي صوت سبقه، يستعين بالإيقاعات العالمية المركبة، ويستعين بصورة أساسية بإيقاعات بيئته المحلية، والجمل الرابطة التي تنتمي إلى المقامات الشرقية مثل الصبا والبياتي والكرد، لكنها مؤداة بأسلوب عزف ارتجالي عبر آلات الكترونية مستحدثة Synthesized، يختلف كيفيًا عما عرفناه من لازمات موسيقية تؤديها الآلات الحية.
نحن إذًا أمام ظاهرة قيد التشكّل، تحمل خصوصية صوتها كعلامة أساسية Sound Marker، تغيّر من قياسات السماع والذوق، وتقف على بداية طريقها من حيث التصنيف. هي ككل ظاهرة موسيقية تظهر ضمن ثقافة شبابية تخضع لمزاج الشباب المتقلب، على عكس الممارسة الفنية المحترفة والمنهجية، وتعيش بين كواليسها خلافات الشباب المتعطش للظهور والربح، النجاح السريع لمشروعاتها، وكذلك التفكك السريع، وتقاليد الصراع والتنافس وتضخم الذات والديس على نمط الراب، واستثمار التريندات الضاربة والكليشيهات الجذّابة، ومنها الدفع بالألفاظ والتعبيرات الجنسية التي تكسر تابوهات أغنية البوب المتحفظة. هي في ذلك متأثرة بلغة مواقع التواصل الاجتماعي، التي وسّعت حدود القبول للألفاظ الجنسية التي يستعملها الرجال والنساء، لتدخل في باب اللغة الاجتماعية المتداولة. كما يمكن لها الانزلاق إلى حالات من ممارسة العنف، والانتهاء إلى مصير يشابه ما واجهته موسيقى الجرايم البريطانية Grime Music في بداية الألفية من مواجهة أمنية قمعية، لو لم تنتبه إلى تحسين ممارساتها والاستفادة من مواهبها.
المؤكد أن هذه الظاهرة بثت في النص الغنائي المصري وقوالبه الموسيقية طاقة من نوع جديد، متجذرة في الثقافة الشعبية بروافدها المختلفة، ومتطلعة إلى فضاءات عصرها المعولم. المؤكد أيضًا أنها لا زالت في صراع مع قوى الماضي التي تسعى إلى احتوائها ومسخها أو قمعها وسحقها، بينما هي تفتح عالمًا إبداعيًا بكرًا، أكثر رحابة من ماض قريب أفلس على يد نخبة لم تدرك قيمة وأوان التجديد والانتقال، عالمًا سيحدث تأثيره على منتجي الأغنية وفنانيها ويندمج معها. هي كذلك أكثر وفاء للشارع المصري الذي لم يكافئه الإنتاج التجاري بما يطلق لسانه وطاقته ورغباته، اللهم إلا بلافتة علّقت على رقبته عنوة: “الجمهور عايز كده.” ها هو الجمهور اليوم يعوز شيئًا آخر.
١. يعد فيلم الألماني ٢٠١٢ لـ محمد رمضان نقطة البداية التي انطلقت منها أغاني المهرجانات فى السينما المصرية، كما كان نقطة انطلاق نجومية بعضهم لتبدأ بعدها مرحلة جديدة، شهدت انتشار أغاني المهرجانات ضمن الأفلام بقيادة مطربي المهرجان الشعبي أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا.
٢. حسب التقرير العربي للسوشال ميديا الصادر عن كلية دبي للإدارة الحكومية، قفز عدد المشاركين على فيسبوك في مصر إلى ستة ونصف مليون مشارك في أبريل ٢٠١١ ما يوازي ٨٪ من عدد السكان وقتها بمعدل زيادة ٢٩٪ عن السنة السابقة ٢٠١٠. احتلت مصر خلال هذا العام المركز السادس على تويتر في منطقة الشرق الأوسط بعد دول الخليج وتركيا، من حيث حجم التويتس والتريندات المتصدرة.